icon
التغطية الحية

إيران تصنّع الـFPV في سوريا.. لماذا تراجعت هجمات المسيّرات الانتحارية في إدلب؟

2024.09.16 | 06:30 دمشق

في أول أيام رمضان.. قوات النظام تقتل مدنياً غربي حلب عبر طائرة FPV
قصف سابق لـ قوات النظام بمسيرة "FPV" يستهدف ريف حلب
تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

تراجع استخدام مسيرات "FPV" من قبل قوات النظام السوري والميليشيات المتحالفة معه، باستهداف مواقع قرب خطوط التماس في منطقة إدلب وريفي حماة الشمالي وحلب الغربي.

تحديداً منذ الـ24 من شهر آب الفائت، لوحظ انخفاض وتيرة استخدام السلاح "الانتحاري" الذي لاحق المدنيين، منذ بداية العام الجاري، إذ انخفض الاستخدام من معدل 10 استهدافات يومياً إلى مرة واحدة أو مرتين في اليوم، كان أعنفها في بلدة كفرنوران غربي حلب، في 2 أيلول الجاري، حيث أصيب 13 مدنياً بينهم أطفال، من جرّاء استهداف أطراف البلدة بأربع مسيرات.

وأفادت مصادر خاصة لـ موقع تلفزيون سوريا بأنّ انخفاض وتيرة الهجمات بالمسيّرات "الانتحارية" يعود إلى توقّف خطوط الإنتاج والتجميع في ريف حماة، إثر غارات إسرائيلية استهدفت ثكنات عسكرية تابعة للنظام السوري، يدير فيها "حزب الله" اللبناني، مشاريع تطوير عسكرية تحت إشراف "الحرس الثوري" الإيراني.

تأثير القصف الإسرائيلي

نفّذت مقاتلات جوية تابعة للاحتلال الإسرائيلي، أواخر آب الفائت، هجوماً متزامناً استهدف ثلاثة مواقع يتمركز فيها "حزب الله"، الأوّل في بلدة أم حارتين في ريف حمص، والثاني استهدف فيه كلية البيطرة الواقعة على طريق حماة -محردة قرب بلدة خطاب.

أما الهجوم الثالث فقد كان في "اللواء 47" قرب مفرق معرين على الأوتوستراد الدولي من الجهة الجنوبية لمدينة حماة، والذي أشارت إليه خريطة أعدها مركز "جسور" للدراسات، عام 2020، بأنه مجمع عسكري مشترك بين قوات النظام السوري و"حزب الله" والحرس الثوري الإيراني.

ووسّعت الأطراف الثلاثة نشاطها في المنطقة، مطلع العام 2023، وتشاركت أيضاً في عدة ثكنات أبرزها في مقر المعهد 4000 المختص بتطوير المعدات العسكرية الجوية والتابع لإدارة البحوث العلمية السورية (CERS)، قرب بلدة تقسيس جنوب شرقي حماة، والذي يتشارك أيضاً في مشاريع أخرى مع كوريا الشمالية.

وأجرى ضباط من القوات الروسية في سوريا زيارات متقطعة استمر بعضها عدة أيام إلى مقر المعهد، عقدوا خلالها اجتماعات وأجروا تدريبات عملية على استخدام الطائرات المسيّرة وقدرتها على حمل الأوزان وقياس زمن التحليق ومدى جودة أجهزة الإشارة وقدرتها على مقاومة عوامل التشويش، وفق مصادر لـ موقع تلفزيون سوريا.

وبحسب المصادر، فإنّ كوادر تقنية وهندسية وفنية تعمل تحت إشراف مختصين إيرانيين وآخرين من "حزب الله"، بدأوا عقب عملية التوسعة العمل على إنتاج طائرات مسيرة تعتمد على تقنية منظور الشخص الأول "FPV" لأغراض قتالية بنطاق عمليات مختلف يحاكي طبيعة الميدان العسكرية والجغرافية في كل من سوريا وجنوب لبنان.

وتتوزع الكوادر والمجموعات المختصة بتصنيع قطع الطائرات المسيرة في عدة مقار خاصة بها ضمن قطع عسكرية تتبع للنظام السوري، إذ يتم قطع وصناعة هياكل الطائرات واستخراج خلايا بطاريات "ليثيوم" من بطاريات مستوردة لأغراض مدنية وإعادة تجميعها لتناسب احتياج الطائرات في مقار البحوث العلمية بالقرب من قرية تقسيس، ثم تنقل إلى مقر "اللواء 47" لتجميع المحركات وإضافة برمجيات التشغيل، لتصل في آخر مراحلها إلى مطار حماة العسكري وثكنات عسكرية أخرى لإجراء اختبارات الأداء.

لماذا قصفت إسرائيل هذه المواقع؟

وقعت الهجمات الإسرائيلية في 23 آب، على منشآت مشاركة بصناعة وإنتاج المسيرات عقب ساعات من تنفيذ "حزب الله" هجوماً بمسيرات مشابهة وصفها في إعلانه بسلاح "المُحلَّقَات" مرفقة بشريط مصور يُظهر استهداف شاحنة في ثكنة "المرج" الإسرائيلية على الحدود اللبنانية، قال إنها تتبع لطاقم تشغيل طائرات مسيرة تابعة للاحتلال الإسرائيلي.

وكان "حزب الله" قد بثّ، في 20 آب، شريطاً مصوراً أظهر للمرة الأولى منذ بداية التصعيد ضد إسرائيل استخدامه للطائرات الانتحارية من طراز "FPV"، وهي تستهدف حزمة كابلات لبرج اتصالات وتجسس عسكري في موقع "جل العلام" الإسرائيلي على حدود لبنان.

تقليص موارد "حزب الله"

ربط الباحث المختص بالنشاط الإيراني في سوريا والشرق الأوسط، تركي المصطفى، القصف الإسرائيلي لمراكز تجميع وإنتاج المسيرات "الانتحارية" باستراتيجيتها المعلنة لضرب البنية التحتية العسكرية التابعة لإيران وميليشياتها في سوريا ولبنان، وذلك في محاولة لقطع إمدادات الأسلحة المتطورة التي تشمل الطائرات المسيّرة ومنع "حزب الله" من الحصول على أسلحة نوعية تغير موازين القوة في المواجهة المستقبلية.

ويرى "المصطفى"، أنّ الطائرات المسيّرة تشكّل خطراً فعلياً على الوجود الإسرائيلي قرب الحدود اللبنانية، لقدرتها على التسلل خاصة الصغيرة منها، ولصعوبة كشفها عن طريق الرادارات التقليدية لأنها مزودة بتقنيات مقاومة للتشويش، مما يجعلها قادرة على التسلل إلى المناطق الحدودية الإسرائيلية، وهذا يعني أن "حزب الله" يمكنه استخدامها لجمع المعلومات الاستخبارية حول التحركات العسكرية على خطوط الاشتباك أو لاختبار الدفاعات الإسرائيلية بشكل مستمر.

واعتبر الباحث أنّ تزويد المسيرات زهيدة الكلفة بالمتفجرات أو القذائف يجعلها سلاحاً قادراً على تنفيذ هجمات دقيقة إلى جانب قدرتها العالية على المناورة وقدرتها على تخطي التشويش، ما يجعلها سلاحاً مهماً لـ "الحزب" الذي قد يستخدمها في شن هجمات جماعية لإحداث ثغرات في خطوط الدفاع للجيش الإسرائيلي.

تعطيل خطوط الإنتاج

ركزّت الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية في غالبيتها على استهداف أسلحة وعتاد عسكري مرتبطة بتسليح "حزب الله"، بدءاً من تتبع الشحنات العسكرية الإيرانية سواء من الحدود العراقية - السورية عبر الرحلات الجوية القادمة من إيران إلى المطارات السورية وحتى مراكز البحوث العلمية السورية والثكنات والمقار التي تنشط بها الميليشيات الإيرانية.

واعتبر "المصطفى" أنّ مقدرة إسرائيل على تعطيل خطوط إنتاج هذا النوع من الأسلحة محدودة وهي بذات قدرتها على وقف تهريب الأسلحة الإيرانية عبر الأراضي السورية.

وأضاف أنّ عوامل تعيق تعطيل خطوط الإنتاج بشكل كامل، أبرزها مرونة إيران في التنقل على مساحة جغرافية واسعة ونقل خطوط الإنتاج بشكل دوري أو عند كشفها أو تعرضها لأي استهداف من منطقة إلى أخرى، مضيفاً أنّ نتائج استهداف مراكز التصنيع والتجميع ستؤثر فقط على إبطاء وتيرة الإنتاج وتقليل عدد الطائرات الجاهزة للاستخدام دون ترك أي تأثير فارق في قدرة الميليشيات المرتبطة بطهران في استخدام المسيرات.

استخدام مسيرات "FPV" في إدلب

شهدت منطقة إدلب، منذ بداية العام الجاري، تصعيداً من نوع لم يألفه السوريون خلال الصراع الدائر في بلادهم، منذ العام 2011، بمعدل هجمات يومية تتراوح بين 3 و10 هجمات باستخدام طائرات "FPV"، من دون تمييز للأهداف سواء كانت مدنية أو عسكرية.

ويُعتبر الاستخدام العسكري لطائرات "FPV" بأنه "الشكل الجديد لحروب الوكالة" بين الجيوش في الوقت الحالي، إذ لا داعي لدخول المشاة نداً لند في ميادين القتال، مشيراً إلى أنّ معدات وبرمجية وتكاليف صناعة هذا السلاح أصبحت متاحة في الأسواق المدنية لعشرات الدول حول العالم.

وقال الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) في تقريره الصادر، مطلع أيلول الجاري، إنّ فرقها استجابت إلى 41 هجوماً بالطائرات "الانتحارية"، خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، مضيفة أنّ وتيرة الاستخدام تصاعدت خلال الأشهر الماضية مخلفة جرحى ومصابين.

وتصل كلفة صناعة كل مسيّرة إلى 390 دولاراً بحسب متوسط الأسعار في بعض مواقع التسويق والبيع، وتنقسم الكلفة على ثمن هيكل ذي أربعة أذرع مصنوع من ألياف الكاربون أو صفائح ألومنيوم المقوى بقيمة لا تتجاوز 10 دولارات أميركية، ودائرة التحكم والتوجيه واستقبال الإشارة "Autopilot" بقيمة 80 دولاراً، وكاميرا ومرسل فيديو "FPV video" بقيمة 50 دولاراً، وأربع محركات تصل قيمتها إلى 160 دولاراً، وبطارية تكفي لقطع مسافة 5 إلى 12 كيلومتراً بقيمة 90 دولاراً، إضافة إلى الذخيرة المتفجرة بوزن 3 كيلوغرامات تختلف كلفتها، بحسب نوعها والجهة العسكرية الصانعة.

وتفتقر مناطق سيطرة فصائل المعارضة إلى الوسائل الدفاعية المخصصة لردع هذا النوع من الطائرات كمسدسات الشباك المُعدة لاصطياد الطائرات التي تحلق على علوٍ أقل من 60 متراً، أو باستخدام محطات تشويش إشارة تمنع مشغلي الطائرات من التحكم بها قبل إقلاعها أو عند وصولها لنطاق تغطية محطات التشويش، ما دفع ببعض الأهالي لمواجهتها ببنادق الصيد.

وكان بداية ظهور وانتشار طائرات "FPV" عالمياً في العام 2013، إذ ابتكرت حينها من قبل هواة الألعاب الجوية لخوض مغامرات مَرحة والتقاط مشاهد فيديو بأسلوب يدمج بين الـ"أكشن" والاحتراف والسينما الحديثة، وبهذا الابتكار يستذكر ناشطو حقوق الإنسان اكتشاف عالم الفيزياء (ألفرد نوبل) للديناميت، الذي أصبح لاحقاً واحداً من أكبر الأخطار على كوكب الأرض.