كان الظهور الأخير لقائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني في إدلب شمال غربي سوريا أواخر شهر آب/أغسطس الماضي، وذلك عندما حضر مناسبة تخريج دورة للقوات الخاصة في الأكاديمية العسكرية التابعة لتحرير الشام، وخطب حينذاك في جمع الخريجين عن يقينه بدخول دمشق فاتحاً حتى لو بقي في قبضته شبراً واحداً من سوريا مستلهماً العزيمة والصبر من حركة طالبان التي حدثهم عن نكستها وثم انتصارها المفترض.
منتصف شهر آب/أغسطس التقى أيضاً الجولاني وفداً من مهجري حلب وريفها في إدلب، وتحدث لهم عن الإدارة الاستثنائية التي تتمتع بها مناطق سيطرة تحرير الشام مقارنة بمناطق سيطرة الفصائل المعارضة بريف حلب (درع الفرات وغصن الزيتون) والتي أبدى استعداده للاندماج معها ومد يد المساعدة لها في الملفات الأمنية والإدارية.
وهنا فتح الجولاني الباب على مصراعيه للكثير من التساؤلات والتكهنات حول مستقبل العلاقة بين تحرير الشام والفصائل والتي من المفترض أن تؤسس لمرحلة جديدة في مناطق المعارضة السورية.
اختفى الجولاني ولم يعد يظهر كالمعتاد، وزادت حدة التصعيد العسكري لقوات النظام وروسيا على مناطق المعارضة منذ بداية شهر أيلول/سبتمبر وصولاً إلى موعد قمة الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في سوتشي أواخر الشهر ذاته، لكن قمة الرئيسين التركي والروسي كانت ضبابية النتائج ومهدت على ما يبدو لمزيد من التصعيد مع بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر والذي وصل إلى عموم جبهات المعارضة في منطقتي إدلب وحلب.
وهنا أصبح الشارع الشعبي المعارض يتحدث عن احتمالات تنفيذ الفصائل العسكرية الأخرى لعمليات إعادة انتشار واسعة في مناطق العمليات الملاصقة للجبهات مع قوات النظام في محيط إدلب لقطع الطريق على روسيا التي تتخذ من وجود تحرير الشام والتنظيمات الجهادية كشماعة لزيادة التصعيد، وذلك بدلاً من الحديث الذي كان شائعاً في الشارع المعارض والذي كان يتوقع دخول تحرير الشام إلى مناطق الفصائل.
لا بل راح السوريون في مناطق المعارضة إلى أبعد من ذلك، وبدؤوا يتحدثون عن ذوبان تدريجي مفترض لتحرير الشام في صفوف الفصائل وخلق مظلة عسكرية جديدة تستوعب كل التشكيلات المسلحة في عموم مناطق شمال غربي سوريا وبدعم تركي.
وخلال هذه الفترة انقسمت الفصائل المعارضة إلى تحالفين كبيرين على حساب مسمى الجيش الوطني السوري الذي أصبح مؤسسة من الماضي كما يبدو، هما الجبهة السورية للتحرير وغرفة القيادة الموحدة "عزم" وعملت الأخيرة منذ بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر على زيادة أعدادها وانتشارها في منطقة إدلب، وبات لديها 6 ألوية عسكرية منتشرة في جبهات إدلب، وضمت الجبهة السورية إلى صفوفها نهاية شهر أيلول/سبتمبر فرقة القوات الخاصة بقيادة الملازم أول عبد الله حلاوة والذي لديه أكثر من 800 مقاتل منتشرين في جبهات إدلب.
المعلومات حول عمليات إعادة الانتشار في جبهات إدلب لم تؤكدها أو تنفيها الفصائل، وأكدت قيادة "عزم" أن الانتشار في إدلب ليس جديداً، وأكد مسؤولوها عدم صحة الشائعات التي تتحدث عن علاقات متنامية مع تحرير الشام، هذا على الأقل ما أكده مسؤولو الغرفة خلال لقائهم بعدد من الإعلاميين في مقر قيادة الجبهة الشامية العمود الفقري لعزم عندما وجه الإعلاميون السؤال ذاته بإلحاح، ما هو شكل العلاقات بينكم وبين تحرير الشام؟ كانت الردود دائماً بطريقة مقتضبة وغير مقنعة وهي ردود مبررة بطبيعة الحال وذلك من ناحية النفي المصلحي للعلاقة بتنظيم راديكالي ما يزال مصنفاً على قوائم الإرهاب.
على أية حال لا يمكن للنفي أن يغطي تصاعد التنسيق بين الفصائل في "عزم" وبالأخص الجبهة الشامية وتحرير الشام، وبالتحديد في القطاعات التجارية (المحروقات والمعابر الداخلية) وفي القطاع الأمني (ملاحقة خلايا داعش وقسد والنظام)، وفي القطاع العسكري من ناحية تسهيل تحركات فصائل "عزم" في منطقة إدلب واللقاءات الدورية بين مسؤولين من الطرفين في منطقتي إدلب وحلب، وسهولة تنقل القادة والمسؤولين من الطرفين في كلا المنطقتين.
مؤشرات لمرحلة جديدة للشمال الغربي
ولم يصدر عن الجبهة السورية للتحرير أي موقف رسمي من تحرير الشام والعلاقة معها، ولم تعلق فصائلها على عمليات إعادة الانتشار المفترضة في جبهات إدلب والترتيبات العسكرية الهادفة إلى منع معركة النظام وإطالة عمر اتفاق وقف إطلاق النار، لكن انضمام القوات الخاصة التي يتزعمها الملازم حلاوة والموجودة بكثرة في إدلب إلى صفوف الجبهة، والعلاقة المتطورة والشبه علنية بين تحرير الشام وفرقة سليمان شاه من مكونات الجبهة بزعامة محمد الجاسم أبو عمشة، كذلك عدم رفض تحرير الشام لدخول تشكيلات تتبع للجبهة التي يقودها قائد فرقة المعتصم معتصم عباس له دلالات عديدة من ناحية التحضير لمرحلة جديدة من المفترض أن تشهد تحولات مهمة على صعيدي الإدارة المدنية والعسكرية. في السياق، تجاهلت تحرير الشام رسمياً كل ما يشاع حول عمليات إعادة الانتشار المفترضة للفصائل في إدلب، وتحاشى إعلامها الرديف لأول مرة تناول ما يتم تداوله في الشارع المعارض.
جهاديون مناهضون لتحرير الشام بينهم أبو صالح الحموي تحدثوا في تلغرام عن مساعٍ لحل تحرير الشام وظهورها بشكل جديدة تحت مظلة عسكرية تجمعها بالفصائل وهي مؤسسة بديلة للجيش الوطني السوري، واختفاء عدد من أبرز قادتها المطلوبين، وحل حكومتي الإنقاذ والمؤقتة وتأسيس حكومة معارضة جديدة تدير كامل مناطق المعارضة، قال صالح الحموي في تلغرام " تم الاتفاق على إنهاء تحرير الشام عبر الدمج في صفوف الفصائل، والمجلس الإسلامي السوري التقى مع قائد تحرير الشام أبو محمد الجولاني لبحث آليات الاندماج والجبهة الشامية كانت الوسيط".
تحالف عزم والهيئة مهدد بالرفض الداخلي
لا تبدو الفصائل المعارضة في تحالفي الجبهة السورية و"عزم" راضية عن تطور العلاقة المفترضة مع تحرير الشام وعن الجهد المبذول في اتجاه مساعدتها للخروج من التصنيف على قوائم الإرهاب، ظهر أول صدام كلامي بين "عزم" وتحرير الشام مؤخراً بعد أن غرد في تويتر شرعي جيش الإسلام أحد مكونات "عزم" عبد الرحمن كعكة ضد الجولاني، قال كعكة "لعنة الله على الجولاني وكل من عاونه ولو بكلمة أو فتوى أو دعمه أو صحح مذهبه أو طبل له أو رقع له، اللهم أذلهم واكشف عوارهم وخلص المسلمين من شرورهم، ولن تقوم لثورة الشام قائمة مادام هذا العميل فينا ولو كان فيه مسكة ولاء للمسلمين لما أذلهم".
لعنة الله على الجولاني وكل من عاونه ولو بكلمة أو فتوى أو دعمه أو صحح مذهبه أوطبل له أو رقع له
— أبوعبد الرحمن كعكة (@sameerkakeh) October 10, 2021
اللهم أذلهم واكشف عوارهم وخلص المسلمين من شرورهم
ولن تقوم لثورة الشام قائمة مادام هذا العميل فينا ولو كان فيه مسكة ولاء للمسلمين لما أذلهم pic.twitter.com/lrV2WtB1Bo
في المقابل كان رد تحرير الشام غير الرسمي على الشيخ كعكة غير عادي، واقتصر على الطلب من قيادة عزم لإسكات الشيخ كعكة، وهذا يعكس بالضرورة رغبة تحرير الشام في الحفاظ على علاقة جيدة مع الفصائل.
وقال عضو مجلس شورى تحرير الشام الجهادي العراقي أبو ماريا القحطاني في تلغرام: "الضال المضل كعكة المدخلي لم يعتبر بتسليم الغوطة، أطالب إخواننا في حركة عزم بضبط تصرفات هذا المعتوه وأخص إخواننا في الجبهة الشامية فالعرب تقول الحرب أولها كلام وآخرها سهام أطالبهم بموقف رسمي من عواء هذا المسعور الذي برقبته دماء إخواننا المجاهدين في الغوطة".
قادة آخرون في تحرير الشام طلبوا من الفصائل في منطقة درع الفرات بأن يمنعوا الشيخ كعكة من إثارة الفتنة، وقالوا "يريد كعكة من جديد إشعال نار الفتنه من جديد بين المجاهدين وأهلهم، فالواجب على العقلاء في مناطق درع الفرات إلجام هذا الأجير المرتزق، وإن كان يظن أنه قديماً باستفراده بإخواننا في الغوطة وقتلهم وسجن نسائهم والتضييق عليهم، يظن أنه سيكرر هذا الفعل هنا فإنه واهم وفي غيبوبة، فإن الأسود هنا تتوق لجلد التماسيح، والعاقل تكفيه الإشارة".