التقى زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني بعدد من المهجرين من حلب وريفها والذين يقيمون في إدلب، وذلك للحديث عن وضع الساحة العسكرية وحال المنطقة في الداخل المحرر وللإجابة على استفسارات الحاضرين بحسب ما جاء على لسان الجولاني في مقدمة التسجيل المرئي الذي نشرته "مؤسسة أمجاد الإعلامية" التابعة لتحرير الشام في 5 آب/أغسطس الجاري.
يبدو أن اللقاء قد جهز له بشكل جيد وذلك من ناحية الأسئلة المحددة التي طرحها عدداً من الحاضرين على "الجولاني" والردود المقتضبة والواضحة والتي كانت أشبه برسائل وجهها "الجولاني" للداخل والخارج، وحاول من خلالها التقرب من الأوساط الشعبية المعارضة شمال غربي سوريا، كما واكب ظهور "الجولاني" الأخير الحديث المتصاعد والمعلومات المتداولة عن العلاقات المتنامية بين تحرير الشام والفصائل ووقوع عدة إشكالات على الشريط الفاصل بين مناطق سيطرة الطرفين، ومثالها منع دخول ملوخية ريف حلب الشمالي إلى منطقة إدلب.
كيف دبر للقاء الجولاني؟
يبدو أن لقاء زعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني بمهجري حلب وريفها قد عقد في باب الهوى المكان المفضل لدى "الجولاني" لعقد لقاءاته من هذا النوع، وضم وفد المهجرين إلى اللقاء كلاً من الشيخ عبد القادر فلاس والشيخ أبو أحمد مروح والشيخ أبو حميد البو عاصي وعمر أخرس وآخرين.
قالت مصادر متطابقة لموقع "تلفزيون سوريا" أن "التدبير المسبق للقاء مع الجولاني فرضية صحيحة، فبعض الشخصيات الحاضرة لم تكن تعرف أن الجولاني سيحضر الاجتماع الذي كان مقرراً في سرمدا شمالي إدلب، هذا بحسب الدعوة التي وصلت لبعض الحاضرين من مهجري حلب، وفوجئ بعض الحاضرين بنقل الاجتماع إلى معبر باب الهوى في اللحظات الأخيرة قبل بدء الاجتماع المقرر، وفوجئوا أيضاً بدخول الجولاني إلى القاعة في موقع الاجتماع الذي تم اختياره".
فرضية التدبير للقاء "الجولاني" والمعلومات حولها انتشرت في الغرف الداخلية بعد أن تعرضت بعض الشخصيات من مهجري حلب وريفها الذين حضروا اللقاء لانتقادات لاذعة، فبعضهم يعرف عنه عداؤه لسياسات تحرير الشام وزعيمها. ويبدو أيضاَ أن لدى "الجولاني" فريق يرسم له خطط تحركاته ولقاءاته، وبدا ذلك في تصريحه داخل الاجتماع عندما قال "كان من المخطط أن نلتقيكم منذ مدة ولم تحن الفرصة"، يبدو أن ظهور "الجولاني" وتحركاته المخطط لها تتم بشكل مدروس ويتم اختيار التوقيت بعناية كما حصل مؤخراً.
الجولاني يجيب
أجاب "الجولاني" عن سؤال حول التحضيرات العسكرية لاستعادة المناطق التي تمت خسارتها لصالح قوات النظام والميليشيات الموالية لها خلال السنوات القليلة الماضية شمال غربي سوريا، قال إن "الدفاع عن المنطقة المحررة المتبقية هو أولوية ولكن ذلك لا يعني أننا لا نخطط للهجوم واستعادة المناطق خلال الفترة القادمة".
وسئل "الجولاني" حول المساعي التي تبذلها تحرير الشام في اتجاه توحيد المناطق الخاضعة للمعارضة في ريف حلب وإدلب ومحيطها، وإنشاء جيش واحد، رد "الجولاني" بأن المطالب في هذا الخصوص محقة، وقد حصلت أكثر من محاولة اندماج خلال الفترات السابقة ولم تكن تنجح، وأسهب "الجولاني" في الحديث عن مزايا الإدارتين المدنية والعسكرية في إدلب، ونجاحهما المفترض مقارنة بمناطق سيطرة الفصائل في منطقتي (درع الفرات وغصن الزيتون) في ريف حلب، والتي قال عنها "الجولاني" بأنها مناطق تعج بالفوضى والتسيب وغارقة بالمشكلات التي انعكست على الواقع الأمني والاجتماعي والسياسي بعكس الوضع في إدلب الواقعة تحت سيطرة تحرير الشام، بدا الزعيم متفاخراً للغاية.
تابع "الجولاني"، "مددنا أيدينا للناس في المنطقتين بدرع الفرات وغصن الزيتون وما نزال، والتقيت بعدد كبير من قادة الفصائل والوجهاء في المنطقتين، إذا كانت هناك إرادة للاندماج والتوحد فالأمر ممكن التحقيق، وأنا دعوت لحالة اندماجية أكثر من مرة، والناس هناك يطالبوننا بالدخول إلى المنطقة، ويقولون لنا بأن مناطقنا في ريف حلب تعج بالفوضى والأمن فيها معدوم، كنا نقول لهم بأننا لا يمكن أن ندخل من دون رضا الناس هناك، أو على الأقل بالتنسيق وبرضا الفصائل".
يضيف "الجولاني" أن مناطق سيطرة تنظيمه لديها رأس مال وربح كبير، وقد تجاوزت كثيرا من التحديات والعقبات الأمنية والاقتصادية والعسكرية، في حين تبدو مناطق الغصن والدرع أشبه بغابة، في كل بلدة وقرية هناك مفرزة ومديرية تربية وقسم مرور ومحكمة وكل بلدة تمثل ما يشبه الإدارة المستقلة، لذا يجب أن تصل المناطق هناك إلى حالة جيدة من الإدارة والتنسيق ليصبح أمر اندماجها معنا أمر ممكن، لا نريد الرجوع إلى الوراء والدخول في اندماج فاشل في الوقت الحالي، وقد عرضنا المساعدة في الملفات الأمنية والعسكرية لأن الفوضى في منطقتي الدرع والغصن إذا استمرت بشكل متصاعد قد تؤثر سلباً على الوضع في إدلب.
المداخلة الأخيرة لأحد الحاضرين في اللقاء ركزت على الإشادة بإدارة تحرير الشام في إدلب، وعلى النجاح المفترض للمؤسسات، بينها "مجلس الشورى العام" كجهة تشريعية تمثل السكان، وحكومة "الإنقاذ" الذراع التنفيذية والمجالس والهيئات وغيرها من القطاعات الخدمية التي قال وصفت بأنها ثمرة لجهد متواصل وطويل خلال السنوات القليلة الماضية منذ أن حيزت الهيمنة والتفرد بالسيطرة لتحرير الشام في إدلب.
رسائل الجولاني
يندرج ظهور "الجولاني" الأخير مع مهجري حلب وريفها في إطار سياسة التقرب من الأوساط الشعبية المعارضة، والظهور بمظهر القريب من الناس والمهتم بشؤونهم، لا في إدلب وحدها بل في مناطق سيطرة الفصائل، وبدا في حديثه عن الفصائل ولقاءاته الشخصية مع بعض قادتها وديّاً بشكل غير مسبوق، بينما لمح إلى مسؤولية المؤسسات المدنية في منطقتي الغصن والدرع عن التشتت الحاصل في أدائها الخدمي.
رسائل "الجولاني" لم تقتصر على الداخل، وربما لمح بشكل غير مباشر لاستعداد تحرير الشام في المساهمة في خلق مشروع إداري جامع في مناطق الفصائل، والقضاء على الفوضى والفلتان الأمني، وهي رسالة موجهة ربما لتركيا التي تتحكم في إدارة المنطقتين ولها الهيمنة حتى على التحركات العسكرية وتوجهات الفصائل هناك.
قال الباحث في مركز جسور للدراسات محمد السكري لموقع "تلفزيون سوريا" "إن تحرير الشام لا تركز فقط على تعويمها دوليًا ورفعها عن القوائم السوداء وإنما ترغب محليًا ببسط سيطرتها على كل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية وهذا ما قاله الجولاني بكل وضوح"
وأضاف السكري "حاول الجولاني أن يُصدر نموذج الهيئة على أنُه ناجح وحوكمي مقارنة مع المناطق الأخرى مستغلًا الضعف وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها المدن والبلدات التي تخضع لسلطة الحكومة السورية المؤقتة، كما أن تلويح الجولاني بإمكانية دخوله شمال حلب بالتوافق مع الفصائل يعكس الرغبة التوسعية لدى الهيئة برفع رصيدها من حيث النفوذ وإن كان ذلك بالتوافق مع الجيش الوطني وتركيا رغم استبعاد ذلك"
تابع السكري "ولم تخفِ المقابلة رسالة للجانب التركي باستعداد الهيئة فرض الاستقرار في هذه المناطق إن كان بالتعاون أو بالسيطرة لا سيما بعد ارتفاع حالات الاقتتال الفصائلي، التي كان آخرها في مدينة عفرين، والفوضى الأمنية التي تعاني منها هذه المناطق ما سبب حالة من الاستياء التركي، ولكن بالعموم بالرغم أن هيئة تحرير الشام لا تشكل أيّ تهديد على تركيا -على عكس ما يتم تداوله-إلّا أنه من المستبعد أن تأخذ أيّ دورٍ في هذه المناطق على الأقل في المستقبل القريب".
"حكومة الملوخية" المستقلة
تزامن ظهور "الجولاني" مع تصاعد السخرية في الأوساط الشعبية المعارضة من قرار "حكومة الإنقاذ" الذي منعت بموجبه دخول قائمة من المنتجات الزراعية من مناطق ريف حلب التي تسيطر عليها الفصائل إلى إدلب ومحيطها الواقعة تحت سيطرة تحرير الشام، ومن بين المواد الممنوعة من الدخول كانت الملوخية، وبررت "الإنقاذ" قرارها بأنه محاولة لحماية المنتج المحلي ومنع تضرر الفلاحين في مناطق نفوذها.
تبدو المبررات سخيفة، والقرار يبدو غير منطقي في بقعة جغرافية محدودة المساحة، وأسواقها الصغيرة أصلاً متداخلة، لكن قرار "الإنقاذ" كما يبدو يعزز طروحات "الجولاني" في ظهوره المتكرر حول الإدارة المدنية في إدلب وخصوصيتها وبأنها تعنى بأمور العامة وأنشطتهم في مختلف القطاعات، وبالتالي يمكن إدراج قرار "الإنقاذ" ضمن إطار الدعاية، والترويج لإدارة سيكون في إمكانها تسيير أعمال دولة.
قال الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر لموقع "تلفزيون سوريا" "إن الحماية التجارية متبعة من قبل غالبية الدول والحكومات، وتهدف هذه السياسة في الحالة العامة لدعم فئات عديدة، فقد تهدف لدعم المستهلكين المحليين من خلال وقف التصدير وخفض الأسعار، أو قد تهدف لحماية المنتجين، هذا في الحالة العامة، أما فيما يتعلق بقرار حكومة الإنقاذ فلا يمكن تصنيفه ضمن إجراءات الحماية، لأن ريف حلب وإدلب تعتبر سوقاً واحدة، كما أن كميات الإنتاج لم تصل لمرحلة من الضخامة يخشى معها أن تسبب إغراق السوق، وهنا لابد من الإشارة إلى أن سوق المناطق المحررة عموماً يتسم بالبساطة النسبية، فأي تدخل غير مدروس سيؤثر على اقتصاد الأفراد، فلاحين ومستهلكين، وهنا لابد من التوضيح أن مبررات القرار غير واضحة، لكن نتائجه واضحة، فمن نتائجه إعطاء مبرر جديد لبعض الحواجز لفرض عمولات غير قانونية على السلع التي سوف تنقل عن طريق هذه الحواجز، فالحواجز على الأغلب لن تلتزم بقرار المنع لكنها ستفرض إتاوات على هذه البضائع كونها باتت ممنوعة النقل، وهذا يعني ارتفاع تكاليف النقل وبالتالي ارتفاع الأسعار الأمر الذي سيزيد من الواقع السيئ لاقتصاد الناس".
وأضاف السيد عمر "إن السياسات الاقتصادية التي تنتهجها حكومة الإنقاذ بعيدة نسبياً عن الخبرة الاقتصادية، ويمكن وصفها بالارتجالية، وهكذا قرارات كمنع الملوخية مثلاً ستقود لسخرية الناس ولاحقاً إلى ضعف الثقة بالمؤسسات الحكومية وبالتالي صعوبة تطبيق وتسويق أي قرارات مستقبلية ولو كانت صحيحة".