منذ نحو أسبوع تقريباً، تزايدت الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على أبرز القواعد العسكرية الأميركية في سوريا والعراق، ووصلت إلى 13 هجوماً أسفر عن إصابة نحو 24 جندياً من قوات الجيش الأميركي.
وتركّزت الهجمات وعمليات الاستهداف في قاعدة التنف عند مثلث الحدود (سوريا، الأردن، العراق) شرقي حمص، وقاعدتي "كونيكو، حقل العمر" شرقي دير الزور وقاعدة "خراب الجير" في ريف الحسكة، وفي العراق تركّزت على قواعد "عين الأسد، والحرير، وفيكتوريا"، وتعدّ من أهم القواعد الأميركية في الشرق الأوسط.
ويقدّر عدد جنود القوات الأميركيّة في سوريا بنحو 900 جندي، ينتشرون في عدة قواعد عسكرية تقع ضمن حقول للنفط والغاز تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية - قسد" شمال شرقي سوريا، أبرزها "كونيكو، العمر، رميلان"، إضافةً إلى قاعدة "التنف" الواقعة خارج مناطق سيطرة "قسد" وضمن منطقة الـ55 شرقي حمص، عند مثلث الحدود بين سوريا والأردن والعراق، وتهدف إلى احتواء المد العسكري الإيراني في المنطقة.
"بصمات إيران"
رغم إشارة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية باتريك ريدر، إلى "عدم وجود دليل على تورّط إيران بالهجمات"، أكّد أنّ "ميليشيات يدعمها الحرس الثوري الإيراني هي مَن نفّذت الهجمات ضد القواعد والقوات الأميركية، وكلّها تحمل بصمات إيران".
وبحسب "ريدر" فإنّ "الولايات المتحدة ترى إمكانية حدوث تصعيد أكثر خطورة في المستقبل القريب من وكلاء إيران، ضد القوات والأفراد الأميركيين في عموم الشرق الأوسط"، مشيراً في الوقت عينه، إلى "استعداد القوات الأميركية للرد على تلك الهجمات في الزمان والمكان الذي تختاره".
وهذا التجرّؤ على استهداف الميليشيات الإيرانية للقواعد والقوات الأميركية بشكل كثيف وغير مسبوق، يشير إلى أنّ "نقاط ضعف الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، باتت واضحة بشكل صارخ"، وفق تقرير نشرته شبكة "CNN" الأميركية، يوم الأحد الفائت، مضيفاً أنّ "الولايات المتحدة تسعى جاهدة للرد على أحداث باتت خارجة عن سيطرتها إلى حد كبير".
ولفت التقرير إلى أنّه "قد يكون قطاع غزة هو المكان الذي تدور فيه الحرب الآن، لكن أضواء التحذير تومض باللون الأحمر لمشكلات قادمة في عموم الشرق الأوسط"، مردفاً: "ربما تمتلك الولايات المتحدة أقوى جيش في العالم، لكن هزائمها السابقة في فيتنام وأفغانستان، قد لا تضمن النصر على عدو مصمّم"، في إشارة إلى إيران وميليشياتها المنتشرة في المنطقة.
ما الذي تخشاه أميركا شرقي سوريا؟
على خلفية تزايد الهجمات ضد القواعد الأميركية في سوريا، أفادت مصادر لـ موقع تلفزيون سوريا بأنّ القوات الأميركية نقلت العديد من العتاد والمعدات اللوجستية إلى الأراضي الواقعة شرقي نهر الفرات في دير الزور، وتمركزت في حقلي "كونيكو، والعمر"، اللذين تعرّضا لاستهدافٍ تبنّته ميليشيا تُطلق على نفسها "المقاومة الإسلامية في العراق".
وقالت المصادر إنّ القوات الأميركية حصّنت قواعدها في ريفي دير الزور والحسكة، وشدّدت أعمال الحراسة والمراقبة في محيط تلك القواعد، كما نصبت المزيد من منصات الدفاع الجوّي، وسط تدريبات بالذخيرة الحيّة في قاعدة "حقل العمر" النفطي، وذلك تحسّباً لأي هجمات جديدة قد تشنّها "خلايا المقاومة".
وأشارت المصادر إلى أنّ الطائرات الأميركية المسيّرة تواصل تنفيذ عمليات استطلاع على امتداد الشريط الحدودي بين سوريا والعراق، خشية تسلّل مجموعات وخلايا جديدة من الميليشيات العراقية الموالية لإيران إلى الداخل السوري وتنفيذ عمليات ضد القوات الأميركية، فضلاً عن مراقبة طائرات الاستطلاع لأي تحرّكات من قبل الميليشيات الإيرانية المنتشرة شرقي سوريا.
وبحسب المصادر فإنّ مناطق غربي الفرات في دير الزور شهدت فعلاً تحرّكات للميليشيات الإيرانية ولكن عبر عمليات تمويه وانتشار في مواقع سيطرة النظام السوري ورفع أعلامه فوق المقار، تجنّباً للغارات الأميركية - أو حتّى الإسرائيلية - التي قد تستهدفها في المنطقة.
- أميركا تستنفر "قسد" والأخيرة قلقة
تزامناً مع التحصينات والتدريبات التي تجريها القوات الأميركية، أوعزت لـ"قوات سوريا الديمقراطية - قسد" بالاستنفار في المنطقة، وطلبت منها أن تزيد من كثافة الدوريات والحراسة في محيط القواعد الأميركية وعلى الطرقات الرئيسية، خشية تسلّل الميليشيات الإيرانية إلى المنطقة وزرع الألغام والعبوات ناسفة.
وتشير المصادر إلى أنّ "قسد تجد صعوبةً في تنفيذ المهام الموكلة إليها من القوات الأميركية، في ظل تخوّفها المنقسم بين الحدود الشمالية التي تشهد تصعيداً تركيّاً باستهداف مواقعها وقياداتها، والذي يشهد تهاوناً أميركياً، وبين مناطق شرق الفرات، الذي سبق وشهد تحرّكاً عشائرياً ضدها، وما يزال مستمراً وإن بوتيرة أخف".
مَن هي "المقاومة الإسلامية" التي تتبنّى استهداف القواعد الأميركية؟
في تصريحات للمتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، يوم الإثنين الفائتـ، وجّه اتهاماً لـ إيران بأنّها "هي مَن يُسهّل لجماعات مدعومة من الحرس الثوري، شنّ هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على قواعد عسكرية أميركية في سوريا والعراق".
وأضاف: "نعلم أن إيران تراقب تلك الأحداث عن كثب، وفي بعض الحالات، تُسهل بدأب تلك الهجمات وتحفّز الآخرين الذين قد يريدون استغلال الصراع من أجل مصلحتهم أو لمصلحة إيران"، مردفاً: "نعتقد أن تلك الجماعات مدعومة من إيران، التي تستمر أيضاً في دعم حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينيّة".
الكثير من الميليشيات التي تدعمها إيران تبنّت سابقاً، عمليات استهداف ضد القواعد والقوات الأميركية في سوريا والعراق، لكن الهجمات الأخيرة تبنّتها ميليشيا تُطلق على نفسها "المقاومة الإسلامية في العراق"، وكان آخرها هجومين الأوّل استهدف قاعدة التنف شرقي سوريا، والثاني استهدف قاعدة الركبان داخل الأراضي الأردنية قرب الحدود مع سوريا.
وبحسب مصادر خاصّة لـ موقع تلفزيون سوريا، فإنّ الهجومين كانا عبر طائرات مسيّرة، وأنّ ميليشيا "المقاومة الإسلامية في العراق" أطلقتها من داخل سوريا وليس من العراق، كما أرادت الميليشيا أن توحي بذلك من خلال تسمية نفسها.
وسبق لـ ميليشيا عراقية مسلّحة تُطلق على نفسها "تشكيل الوارثين" أن أعلنت، مطلع العام الحالي، مسؤوليتها عن هجوم استهدف "قاعدة التنف" جنوب شرقي سوريا، مشيرةً في بيانها إلى تبعيتها لـ"المقاومة الإسلامية في العراق"، حيث تردّد الاسم حينذاك، لأوّل مرة.
ولا يوجد معلومات متوفّرة عن هذه "المقاومة"، وليس لها قواعد أو مناطق انتشار مُعلنة على الأرض، كما أنّه ليس لها موقع رسمي على الإنترنت، إذ تُنشر أغلب بياناتها عبر قنوات عديدة في تطبيق "تلغرام".
ولكن يبدو أنّ هذه "المقاومة" مثل الكثير من الميليشيات العراقية التي تتلقى دعماً وتمويلاً من إيران ومرتبطة بحرسها "الثوري"، وأغلبها ينضوي أيضاً في "الحشد الشعبي" العراقي، الذي شُكّل بدعوةٍ من المرجع الديني في النجف علي السيستاني، عقب سيطرة تنظيم الدولة (داعش) على مساحات شاسعة من العراق، عام 2014.
هذه الميليشيات (بينها ميليشيات أفغانية وباكستانية) المنتشرة بشكل كبير في سوريا والعراق، وإلى جانبها ميليشيا "حزب الله" اللبناني، تشكّل قوة كبيرة لـ إيران خارج حدودها، وينتشر الآلاف من عناصره في المنطقة وتحت مسمّيات "مختلفة"، وغالباً يُشرف عليها "الحرس الثوري" الإيراني بشكل مباشر.
ويبقى اللافت في بيانات تبنّي مسؤولية الهجمات الأخيرة على القواعد الأميركية أنّها باتت تحت مسمّى "المقاومة الإسلامية" لا إلى فصيل معيّن - كما كانت سابقاً - وهذه غالباً - وفق مصادر - محاولة لإظهار "وحدة الميليشيات الإيرانية ضد الوجود الأميركي".
التصعيد الإيراني والعدوان الإسرائيلي على غزّة
تزايدت عمليات الاستهداف -التي تتبنّاها ميليشيات مقرّبة من إيران- ضد القواعد الأميركية بشكل كبير، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عقب إطلاق فصائل المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من شهر تشرين الأول الجاري.
ولكن الموقف الأميركي ما يزال ضمن إطار الدفاع والرد على مصادر النيران التي تستهدف قواعده في سوريا، وليس في حالة تصعيدية كبيرة ضد الميليشيات الإيرانية.
وما تجريه القوات الأميركية من تحرّكات وتحصينات في سوريا، ليس أكثر من إجراءات احتياطية في حال توسّع نطاق عمليات الاستهداف الأخيرة ضد قواتها وقواعدها، الذي يربطه محلّلون سياسيون بالتصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة.
صحيح أنّ التصعيد الإسرائيلي على غزّة، دفع إيران - بحسب موقع "إكسيوس" الأميركي - إلى "تهديد إسرائيل بالتدخل"، وتزامن مع استقدامها تعزيزات عسكرية إلى محافظتي درعا والقنيطرة على تخوم الجولان السوري المحتل، إلّا أنّ كل التقارير تشكّك بـ"النوايا الحقيقة" للتحرّك الإيراني في الجنوب السوري.