icon
التغطية الحية

أطراف خفية ضمن دائرة الاتهام.. من أشعل فتيل المواجهات في دير الزور؟

2024.08.11 | 06:46 دمشق

9999
من أشعل فتيل المواجهات في دير الزور؟ - AFP
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

تجددت الاشتباكات في محافظة دير الزور شرقي سوريا بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وقوات تدّعي الانتماء إلى بعض "العشائر"، والمتهمة بدورها بالتبعية للنظام السوري والميليشيات الإيرانية، بعد أشهر من التحشيد والتوتر المتصاعد والحرب الإعلامية.

هذه المواجهات العنيفة والقصف المتبادل بين الجانبين أدّى إلى سقوط ضحايا مدنيين، حيث دفع السكان ثمناً باهظاً، لا سيما بعد وقوع مجزرة أودت بحياة 11 شخصاً.

وقعت الاشتباكات في ظل تبادل الاتهامات بين الطرفين، حيث وجّهت "قسد" أصابع الاتهام بشكل علني إلى النظام السوري، متهمة إياه بالتخطيط لهذه الهجمات بهدف زعزعة استقرار المناطق الخاضعة لسيطرتها، وفي المقابل، لعب إعلام النظام دور المروّج لعمليات "قوات العشائر"، متناولاً هذه الاشتباكات وكأنها جزء من مخططات وتحركات جيش النظام.

التوترات في المنطقة ليست مجرد خلافات محلية بين العشائر و"قسد"، بل يُعتقد أن خلف هذه الهجمات رسائل سياسية أكبر، فكثير من المعطيات تشير إلى أن إيران وميليشياتها تستخدم نفوذها في بعض العشائر لتحريك هذه الصراعات، سعياً لتحقيق أهداف استراتيجية في المنطقة، ووضع "قسد" المدعومة من أميركا في موقف محرج.

مواجهات في دير الزور

في نهاية الأسبوع الماضي، شنّ ما يعرف باسم "جيش العشائر" هجوماً واسعاً على نقاط "قسد" شرقي دير الزور، مسيطراً على عدة مواقع، حيث تبادل الطرفان القصف مما أدّى إلى سقوط ضحايا بين المدنيين.

وأعلنت "قسد" في بيان أن الهجمات جاءت بناءً على أمر وتعليمات من حسام لوقا، رئيس جهاز المخابرات العامة في النظام السوري.

بدأ "جيش العشائر" هجومه بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية انطلاقاً من مناطق سيطرة النظام السوري غربي نهر الفرات، مستهدفاً مقارّ "قسد" في بلدة ذيبان شرقي دير الزور، لتردّ الأخيرة بقصف عبر قذائف الهاون.

وهاجم "جيش العشائر" بعدها نقطة عسكرية لـ"قسد" على ضفة نهر الفرات في بلدة أبو حمام شرقي دير الزور، كما استهدف نقاطاً أخرى لها قرب بلدة الطيانة وفي مدينة البصيرة وبلدة الصبحة.

وأعلن قائد قوات العشائر، إبراهيم الهفل، في تسجيل صوتي متداول، مهاجمة قواته جميع النقاط الأمنية لـ "قسد" في بلدة الباغوز قرب الحدود العراقية.

وعلى إثر الهجوم الحاصل، أصدرت "قسد" بياناً نشرته على معرّفاتها الرسمية، قالت فيه إن مجموعات من قوات النظام وأخرى من "الدفاع الوطني" شنّت هجوماً برياً بغطاء من المدفعية وقذائف الهاون، ضد مناطق سيطرتها على ضفاف نهر الفرات شرقي دير الزور.

صراع قديم متجدد

يعود الصراع بين العشائر و"قسد" إلى 27 من آب 2023، عندما اعتقلت "قسد" أحمد الخبيل (أبو خولة)، إضافةً إلى عدد من قادة "مجلس دير الزور العسكري" التابع لها، كما حاصرت مقار المجلس في الحسكة ودير الزور، لتندلع الاشتباكات بعدئذ بين "قسد" والعشائر العربية، التي أكدت أن حراكها لا يتعلق باعتقال "الخبيل"، إنما بممارسات "قسد" وتعرّض أبناء المنطقة للظلم تحت إدارة هذه القوات.

وبعد 10 أيام، أعلنت "قسد" انتهاء العمليات العسكرية في ريف دير الزور الشرقي، وسيطرتها على معظم البلدات والقرى التي خرجت عن سيطرتها، وذلك عقب اشتباكات دامية أدت إلى نزوح 6500 عائلة، وأسفرت عن 96 قتيلاً وأكثر من 100 جريح، بحسب الأمم المتحدة.

في أواخر العام 2023، أعلن شيخ قبيلة العكيدات في سوريا، إبراهيم الهفل، عن تشكيل "قيادة موحدة" تضم كتائب وألوية من مقاتلي العشائر في منطقة شرقي سوريا، بهدف قتال "قوات سوريا الديمقراطية".

وقال "الهفل" حينذاك في تسجيل صوتي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إنّ الألوية تهدف إلى قتال "مرتزقة قسد ضمن معارك كرّ وفرّ"، مشيراً إلى أن ضربات الألوية والكتائب ستكون "نوعية"، تحت مسمى "قوات العشائر" التي "لا تنتمي إلى أي جهة أو حزب معين، وتهدف إلى تحرير الأرض من الغرباء كوادر قنديل الذين يسرقون خيرات البلاد".

وفي سياق متصل، فرضت "قسد" حصاراً على مناطق سيطرة النظام في مدينتي الحسكة والقامشلي رداً على هجوم مقاتلي العشائر في دير الزور، حيث قال مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا إن "قوات سوريا الديمقراطية نشرت حواجز في الشوارع والمداخل المؤدية إلى مناطق سيطرة النظام المعروفة باسم المربع الأمني وسط مدينة الحسكة ومنعت دخول وخروج السيارات والأشخاص من وإلى المنطقة".

رسائل مبطنة

ربط محللون هجوم العشائر الذي دعمته إيران في مناطق النفوذ الأميركي شمال شرقي سوريا بسياق أوسع يشمل الخلافات الإيرانية الأميركية حول النفوذ في المنطقة سواء في العراق أو شرقي سوريا، إذ تعتني إيران بصورة بالغة بنفوذها في العراق، وتتعاطى معه كحديقة خلفية وامتداداً حيوياً لها، أما شرق سوريا المتاخم للحدود العراقية فهو الممر الذي تستخدمه إيران لتأمين الوصول البري إلى البحر المتوسط.

ومن غير المستبعد أن إيران أرادت إرسال رسالة تحذيرية للجانب الأميركي، تظهر من خلالها القدرة على الوصول إلى القواعد الأميركية في دير الزور، بهدف التأثير على رد الفعل الأميركي في حال نفذت إيران ردها المرتقب على إسرائيل، الذي تتوعد به منذ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، على الأراضي الإيرانية.

كما أن هناك تحليلاً آخر يشير إلى أن الهجوم الحالي لقوات العشائر الذي انطلق من مناطق سيطرة النظام السوري في دير الزور، وبدعم إيراني ورضا روسي، هو بمنزلة رسالة إلى الجانب التركي، بمعنى أن النظام وداعميه لديهم خيارات متنوعة لمواجهة تنظيم قسد المدعوم أميركياً، مما قد يدفع مسار التقارب بين أنقرة ودمشق إلى الأمام بشكل أكبر، خاصة أن دفع النظام للمواجهة مع قسد سيجنب تركيا التوتر والصدام المباشر مع الجانب الأميركي.

ومما يعزز هذا الاعتقاد، أن الهجمات أتت بعد أيام فقط من إعلان روسيا رسمياً إقامة قاعدة عسكرية جديدة في منطقة عين العرب (كوباني) الخاضعة لسيطرة قسد، والواقعة على الحدود مع تركيا، حيث تحدثت وسائل إعلام النظام السوري الرسمية عن الغاية من إنشاء القاعدة، المتمثلة بإعطاء تطمينات للجانب التركي.

جذور معقدة

قال الناشط المنحدر من المنطقة الشرقية في سوريا، أبو عمر العكيدي، إنّ موضوع ثورة العشائر والنزاعات المستمرة في ريف دير الزور لها جذور ومشاهد معقدة، وكانت على عدة مراحل.

وأضاف العكيدي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن المرحلة الأولى بدأت بثورة حقيقية قامت العام الماضي في ريف دير الزور الشرقي والغربي والشمالي، والواقعة تحت سيطرة قسد المدعومة من قوات التحالف الدولي. هذه الثورة كانت من قبل أبناء العشائر وتوسعت لتشهد تأييد شخصيات اجتماعية لها وزنها، ومن بينهم الشيخ إبراهيم الهفل، شقيق شيخ قبيلة العكيدات، مصعب الهفل.

وأشار إلى أن ثورة العشائر نجحت في بداية الأمر، خاصة أن عماد قوتها كان ألوية المجلس العسكري بقيادة أحمد الخبيل، والذي اعتقلته قسد، ثم توسعت مناطق سيطرة العشائر بشكل سريع.

وتابع: "طال أمد المعركة والوعود التي تلقتها العشائر من بعض الفصائل والدول لم تكن صادقة، فبقي الشباب يقاتلون حتى نفدت الذخيرة وزاد عدد الشهداء والجرحى، عندئذ، فتحت قسد خطوط تفاوض مع بعض الشخصيات وبدأت تحييد مناطق بوعود كاذبة ثم أعادت تمركز قواتها وشددت الخناق حتى تمكنت من السيطرة على المنطقة واعتقلت المئات من الشباب الثائر، ففرّ من بقي منهم إلى المناطق المحررة ثم تركيا، وبعضهم بقي متخفياً، والقسم الأخير لجأ إلى النظام بقيادة إبراهيم الهفل بعد انقطاع الأمل بتسهيل طريق له إلى الخليج".

فتح علاقات مع إيران

ووفقاً للعكيدي، فإن المرحلة الثانية، "تمثلت بفتح العشائر علاقات مع ميليشيات إيران بهدف إمداد من تبقى من ما يسمى ببقايا ثوار العشائر بالسلاح والذخيرة، مقابل أن يسيطروا على مناطقهم ويعودوا لها، ومع ذلك كان هناك اعتراض على الدعم الإيراني من البعض، وخاصة أن طبيعة المنطقة معارضة للنظام، فلا أحد يقبل بعودة النظام، فـ قسد تعطي نوعاً من الحرية وتسمح بوجود معارضين للنظام رغم ما بها من معتقدات منحرفة"، بحسب وصفه.

وأردف: "بعد انخراط ما تبقى من ثوار العشائر بالتوجيه المباشر من إيران وأذنابها، انشق عدد كبير منهم وعادوا لمناطق قسد، وكان آخرهم عسكري جيش العشائر الذي طلب العودة إلى منطقة قسد أو فتح طريق له باتجاه تركيا، إذ عقد اتفاقاً مع قسد، إلا أن الأخيرة نقضت العهد واعتقلته بعملية إنزال في مدينة الشحيل شرق دير الزور".

أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة تأسست فيها قوات العشائر على شكل ألوية تتبع للعشائر وتحمل اسمها، وانضم لها قوات ما يسمى بالدفاع الوطني الرديفة لقوات النظام تحت غطاء عشائري، وتم تزويدهم بالسلاح والذخيرة وتنظيم صفوفهم من قبل شخصيات محسوبة على إيران، لنشهد هجومهم المباغت قبل أيام في دير الزور.

ما سر استدارة الهفل؟

بحسب العكيدي، فإن "الشيخ إبراهيم الهفل تواصل مع كثيرين في المعركة الأولى العام الماضي، ولكنه لم يجد دعماً أو جهة تتبنى معركته، لذلك استدار نحو إيران، خاصة أن موقفه من النظام ظل ضبابياً، كما أنه ليس شيخ قبيلة العكيدات كما يروج كثيرون، إنما هو شقيق شيخ قبيلة العكيدات مصعب الهفل".

ولفت إلى أن الرجل الأول الذي يدير قوات العشائر هو هاشم مسعود السطام، مسنوداً بقوات الدفاع الوطني بتذخير ودعم إيراني، مضيفاً أن الهجوم الأخير يتم التحضير له منذ شهور، ويعتقد العكيدي أن الهجوم بمنزلة "ورقة ضغط إيرانية لإيصال رسالة للأميركيين أنهم قادرون على زعزعة الأمن باستخدام أبناء المنطقة أنفسهم".

وختم: "المعركة غير متكافئة، والأهالي في هذه المعركة لم يؤازروا قوات العشائر لارتباطها بمناطق النظام وإيران بشكل مباشر".

صعود "السطام"

ذكر الناشط المنحدر من المنطقة الشرقية، زين الدين العابدين، أنّ "‏هناك تنافساً وتناحراً بين كل من الشيخ إبراهيم الهفل وبين هاشم مسعود السطام، متزعم ميليشيا أسود العكيدات الموالية للنظام، على قيادة الحراك العشائري، ومنذ شهر آذار 2024 باتت غالبية هجمات العشائر بتوقيع مجموعات السطام".

وأضاف العابدين في تغريدات على منصة "إكس": "‏الشيخ إبراهيم الهفل لا يُعوّل على تصريحاته ولا بياناته، الرجل انتهى فعلياً كشخص يملك دوراً مهماً، وتحول لمجرد بيدق يعمل برمزية معينة ولدور معين. أما هاشم السطام، فقد تمكن فعلاً من تصدّر المشهد حالياً، وقريباً سيتجاوز الهفل".

بدوره، ذكر الكاتب والباحث المهتم بشؤون شرقي سوريا، زين يوسف، أن دوافع وتوقيت هجوم العشائر مرتبطة بإيران بشكل مباشر، التي تريد إيصال رسالة إلى التحالف الدولي في شمال شرقي سوريا بأنها قادرة على شنّ هجمات والسيطرة على مناطق واقعة ضمن نفوذه في أي وقت.

ولفت يوسف في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى أن القادة الذين يديرون الهجوم هم موالون لإيران بشكل مباشر كهاشم السطام وأبو علي الكربلائي، متوقعاً أن تكون نتائج الهجوم محدودة كونها لا تهدف إلى فرض سيطرة، إنما إيصال رسالة.