icon
التغطية الحية

أصداء سوريا تتردّد بصوت أعلى في أوكرانيا

2022.04.13 | 12:35 دمشق

أبنية سكنية طالها القصف الروسي في ماريوبول بأوكرانيا
أبنية سكنية طالها القصف الروسي في ماريوبول بأوكرانيا
واشنطن بوست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

مع استمرار الحرب، تزداد حالات المقارنة والتشابه وتتعمق، وذلك لأن الغزو الروسي تسبّب بحدوث أزمة لجوء هائلة، أفرغت مدناً وقرى أوكرانية بكاملها من سكانها، كما خلق حالة معاناة بين صفوف أعداد لا تحصى من المدنيين الأوكرانيين.

بيد أن عدداً كبيراً من المحلّلين يرون أنه لا بد من النظر إلى هذا النزاع ككم واحد يبدأ مع التدخل العسكري الروسي في سوريا، عام 2015، حيث لعبت روسيا دوراً أساسياً في قلب موازين المعركة لصالح المستبد بشار الأسد الذي كان في ورطة حقيقية حينئذ.

ماريوبول اليوم هي حلب الأمس

الأساليب الوحشية وعمليات القصف التي مارستها روسيا في عموم أرجاء تلك الدولة الشرق أوسطية كانت أشبه ببث تجريبي للمجهود الحربي الروسي في أوكرانيا، إذ في غضون فترة لم تتجاوز الشهرين، خلّفت المعارك آثاراً على الأرض يعرفها بكل ما فيها من مأساوية كل مَن عاش أو راقب الوضع المتفجر في سوريا على مدار عقد من الزمان.

خاطب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كل الموجودين في أحد المحافل الدولية قائلاً: "انظروا إلى مدينة ماريوبول - ثم يشبّه تلك المدينة الساحلية المحاصرة المدمّرة بحاضرة سوريّة دمرتها الحرب - فيقول: "هذا ما رأيناه بالضبط في مدينة حلب".

إرهابيو "الأسد" ونازيو الكرملين

بيد أن الأعداء المفترضين لـ"زيلينسكي" وجدوا استعارات وتشبيهات تخصّهم أيضاً، إذ عندما بدأت القوات الروسية الحاشدة بالتدفق عبر الحدود الأوكرانية، في أواخر شهر شباط الفائت، علا صوت "الأسد" وبات مسموعاً للجميع، حيث شبّه مَن يسميهم بـ"الإرهابيين" الذين ساعدته روسيا على قهرهم في سوريا بمَن وصفهم الكرملين بالنازيين وبأنه يسعى لهزيمتهم في أوكرانيا، من دون أن يلتفت "الأسد" إلى أحد التقييمات التي وضعتها منظمة تهتم بمراقبة الوضع عن كثب ورد فيه بأنّ الغارات الجوية الروسية قتلت ما يقارب من 25 ألف مدني في سوريا، منذ عام 2015.

كذلك وصف بشار الأسد الغزو الروسي لأوكرانيا بأنّه ضرورة "لتصحيح التاريخ وإعادة التوازن للعالم... الذي أصبح مفقوداً بعد تفكك الاتحاد السوفييتي".

بعد ذلك سُمعت أصداء الصراع في سوريا بصوت أعلى في أوكرانيا، إذ تشير التقارير إلى أن الغارات الروسية تقتل المدنيين بشكل عشوائي، وتستهدف المشافي والمدارس، وتدمر البنية التحتية الأساسية، ولذلك تحوّلت ماريوبول إلى أفظع مثال على كل هذا، بالرغم من أنها لم تكن المنطقة الوحيدة المستهدفة التي تحملت كل هذا القصف.

وكما حدث في سوريا، فإن: "هنالك الكثير من الإصابات بين صفوف المدنيين التي نعمل على توثيقها في أوكرانيا والتي حدثت بسبب قنابل غبية، وهي عبارة عن أسلحة غير موجهة"، بحسب ما ذكره دانييل بالسون وهو مدير حملة المناصرة في أوروبا وآسيا لدى منظمة العفو الدولية.

وأضاف "بالسون": "من المستحيل استخدام هذا النوع من الأسلحة في تلك المناطق السكنية المكتظة مع ضمان عدم فقدان المدنيين لأرواحهم".

"روسيا تأكل الأخضر واليابس"

يرى ناشطون في المعارضة السورية بأن حالة الإفلات من العقاب التي تمتعت بها روسيا وهي تمارس عنفها لتدعم النظام السوري، أصبحوا يلمحوها من جديد بين أطلال المدن الأوكرانية وخرائبها، فالروس "على استعداد لالتهام الأخضر واليابس" برأي رضوان الحمصي، وهو ناشط سوري يقيم في الجنوب التركي، حيث استخدم هنا هذا المصطلح الذي يُعبّر عن تدمير الروس لكل شيء.

وتابع قائلاً: "إنهم لا يكترثون بالمجتمع الدولي ولا بغيره، وهذا ما رأيناه في سوريا، إذ إن حرق المدارس ليس بجديد علينا، فهي أرض يريدون احتلالها، وسيكون لهم ذلك".

وخلال هذا الأسبوع، وفي الوقت الذي يُعيد فيه الكرملين تقييمه للمجهود الحربي في أوكرانيا عقب هزائمه المذلة في أرجاء مختلفة من تلك البلاد، عيّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائداً عسكرياً جديداً ليتولى شؤون الحرب، وهو شخص اكتسب خبرة من الحرب السورية، لأن الجنرال ألكساندر دفورنيكوف كان أول قائد عسكري يشرف على الحرب الجوية الروسية التي قامت دفاعاً عن نظام الأسد.

ولهذا كتبت عنه صحيفة فاينانشال تايمز قائلةً: "من خلال الوقت الذي أمضاه هذا الرجل في سوريا بات يُعرف في الغرب بأنه من خلق حالة تفوق جوية سمحت للطائرات الروسية والسورية بتنفيذ جولات قصف مدمرة على إدلب وحلب قتل فيها عشرات المدنيين".

التضليل الإعلامي أداة للحرب

وفي أوكرانيا كما في سوريا، اشتد ضباب الحرب وتصاعد بسبب حملات التضليل الإعلامي والدعاية، إذ بعدما أعلن مسؤولون أوكرانيون عن احتمال وقوع غارة بالسلاح الكيماوي في مدينة ماريوبول خلال هذا الأسبوع - تلك الغارة التي اكتنفها الكثير من اللغط مع عدم التحقق من المعلومات من قبل وسائل إعلامية مستقلة - توجّهت الأنظار عندئذ إلى الأساليب التي استخدمتها روسيا عند تدخلها لصالح النظام السوري وذلك من خلال استخدامها الموثق لعناصر كيماوية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السوريّة.

وكما أن الدور الروسي الذي أسهم في إنشاء "ممرات إنسانية" في سوريا مع إرغام المدنيين على الخروج من المدن التي عاد النظام ليسيطر عليها، تكرّر أيضاً وبشكل جلي وواضح في مناطق عديدة تعرضت للاجتياح الروسي بشرقي أوكرانيا.

ولهذا تعتبر منظمات حقوقية دولية ما يجري في أوكرانيا استمراراً لما سبق أن شهدناه في سوريا وفي حروب سابقة جرت في الشرق الأوسط. إذ خلال الشهر الفائت أعلنت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية آغنيس كالامارد، بأن فشل مجلس الأمن الدولي في التصرف بشكل حازم تجاه أوكرانيا، والذي أسهم فيه بشكل كبير حق النقض الذي تتمتع به روسيا في هذا المجلس، يعتبر فشلاً آخر من قبل هذا المجلس كما ينظر إليه على أنه "تكرار لما شهدناه في سوريا" بحسب وصفها.

ولم تسلم الولايات المتحدة من انتقاداتها عندما قالت: "إن الأزمة القائمة في أوكرانيا الآن، أي الغزو... ليس مجرد خرق للقانون الدولي، بل إنه عدوان وتجاوز لميثاق الأمم المتحدة يشبه ما رأيناه عندما غزت الولايات المتحدة العراق".

السوريون لا بواكي لهم

مقارنة أوكرانيا بسوريا لا تصح عندما نتحدث عن التعاطف والدعم الذي أبدته أوروبا للاجئين الأوكرانيين، حيث فتحت الحكومات الغربية الباب على الغارب أمام الأوكرانيين، وأخذت تعالج طلبات لجوئهم بسرعة، كما عبّرت بكل حماسة عن تضامنها مع محنة أوكرانيا.

بيد أن تلك الصورة كانت مختلفة قبل أكثر من خمس سنوات، عندما قدم الآلاف من السوريين بحثاً عن بر الأمان في أوروبا، إلا أنهم سرعان ما ألفوا أنفسهم وقد وصموا بوصمة عار جعلتهم يمثلون تهديداً غريباً عن البلاد ومشكلة لا ترغب أي حكومة أوروبية بالتعرض لها.

ومع ذلك، يلحق المعارضون السوريون لنظام الأسد اليوم بركب أوكرانيا، إذ نشرت وكالة "فرانس برس" تفاصيل العملية التي يعمل عليها خبراء جنائيون سوريون لمساعدة الأوكرانيين على توثيق جرائم الحرب وإعداد تقارير حول الهجمات بالأسلحة الكيماوية، في حين تقدّم منظمة لأطباء موجودة في محافظة إدلب التي يسيطر عليها الثوار دروساً عبر الإنترنت للمسعفين الأوكرانيين عن طريقة معالجة المصابين في حال التعرض لغارات جوية وقصف متواصل.

اقرأ أيضاً.. أطباء سوريون يسافرون إلى أوكرانيا لتقديم المساعدة

يقول رائد الصالح رئيس منظمة الدفاع المدني السوري، وهي منظمة تطوعية اشتهرت باسم (الخوذ البيضاء): "إذا حوسب بوتين على جرائمه في أوكرانيا، فإن هذا يعني بأنه سيُحاسب على جرائمه في سوريا أيضاً، ولكن إن نجا بوتين من المحاسبة، فعندئذ سيصبح موعد الجريمة التالية مسألة وقت ليس إلا".

 

 المصدر: واشنطن بوست