icon
التغطية الحية

من مطار اللاذقية إلى معسكرات سيبيريا.. سوريون وعرب في حرب روسيا بأوكرانيا

2024.08.30 | 09:07 دمشق

آخر تحديث: 30.08.2024 | 09:59 دمشق

165555
مقاتلون لصالح روسيا - أ ف ب
تلفزيون سوريا ـ عصام خوري
+A
حجم الخط
-A

كوببيون، سوريون، مصريون، عراقيون، ومن آسيا الوسطى، هم عماد المقاتلين المرتزقة الذين جلبتهم روسيا لمساندتها في معاركها ضد أوكرانيا.

كثير منهم وُضع في مقدمة الجبهات الأوكرانية-الروسية، حيث حصل موقع "تلفزيون سوريا" بالتعاون مع المركز التشيكي السلوفاكي للدراسات المشرقية ومركز التنمية البيئية والاجتماعية في نيويورك على معلومات حصرية تفيد بمقتل عدة مقاتلين سوريين ومصريين في جبهة Soledar (سوليدار) في العام 2023، وهي المدينة المدمرة المجاورة لـ Bakhmut Raion (باخموت رايون) في دونيتسك بأوكرانيا.

وبحسب مصدر مقرب من أسرة أحد القتلى، فإن ذوي القتلى حصلوا على مبلغ وقدره 8 آلاف دولار في شهر آذار 2024 كتعويض مالي عن وفاة ذلك المقاتل. وبرأي أصدقاء ذلك القتيل، يتم التلاعب بأسر القتلى من قبل الوسطاء المسؤولين عن التجنيد، حيث ينص العقد المكتوب باللغة الروسية على أن أجرة المقاتل المتعاقد هي 7 آلاف دولار، يتم دفعها على دفعتين: الأولى ألف دولار قبل السفر، والثانية بعد مضي سبعة أشهر وتكون خمسة آلاف، مع إمكانية تمديد العقد. كما يتضمن العقد تعويضاً بقيمة 15 ألف دولار في حالة الوفاة، إلا أن الوسطاء المسؤولين عن عملية التجنيد يسرقون الأموال بحجة أن معظم العقود المبرمة كانت عبر شركات أمنية مرتبطة بشركة فاغنر، التي تغيرت سياستها بعد مقتل قائدها وانضمامها إلى الجيش الروسي. وفعلياً، ليس لدى أسرة القتلى إمكانية اللجوء إلى المحاكم، كما أن حاجز اللغة يعيق أي إمكانية للمطالبة بالتعويضات الحقيقية المبرمة، واللافت للنظر أن كثيراً من المجندين لا يحتفظون بنسخ من عقود العمل، كما لم يتركوا عند ذويهم نسخاً تثبت تعاقدهم الرسمي مع هذه الشركات.

ومن المهم الإشارة إلى أنه ليس جميع المرتزقة الأجانب في الشركات الأمنية الروسية مقاتلون، بل قسم منهم مخصص للقيام بدوريات حراسة للقطع العسكرية، وبعضهم مسؤولون عن التجول في أحياء مقاطعات لوغانسك ودونيتسك بهدف حفظ الأمن مع الدوريات الروسية. 

أما الغالبية فهم موزعون على مناجم الملح التي قد يختبئ بها معارضون أوكرانيون، وهذه الفئة غير مقاتلة، وهي بعمومها شخصيات لا تتقن اللغة الروسية، أما من يتقنها فيوضع في الصفوف المتقدمة من المعركة ويحصل على حوافز مالية أعلى.

مسار المجندين.. من مطار اللاذقية إلى موسكو

ومنذ نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لوحظ أن معظم المجندين الجدد من مناطق الشرق الأوسط يتم نقلهم إلى موسكو عبر مطار اللاذقية غربي سوريا، ومن مطار موسكو يتصلون مع ذويهم، ثم يُنقلون جواً إلى مطار عسكري غير معلوم لهم، وهناك تنقطع الاتصالات. 

القسم الأكبر من المصريين مجندون في الأساس للقتال ضمن ميليشيا فاغنر في ليبيا، ومن قرر منهم الاستمرار في الخدمة ضمن الجيش الروسي، يتم نقله نحو مرفأ طرطوس السوري، ومنه ينقلون إلى مطار حميميم، وصولاً إلى موسكو. وقد اشترط مؤخراً على المجندين المتعاقدين أن يتقنوا بعض الجمل الروسية ليبينوا استعدادهم الجدي للتعاطي بشكل مسؤول مع المهام التي ستوكل لهم.

ومنذ لحظة التعاقد بشكل رسمي، يتم أخذ الهواتف الجوالة من المجندين، ولا تسلم لهم حتى في روسيا. ففي العام 2022، نشر عدد من المتطوعين عدة فيديوهات من داخل القواعد العسكرية الروسية، وتبين في تلك الفيديوهات حصولهم على وثائق روسية، كما يطلب منهم تغطية رؤوسهم بسترة صوفية مفتوحة عند العيون والأنف والفم فقط، وبهذه الطريقة لا تظهر معالمهم. سببت تلك الفيديوهات ضجة إعلامية كبيرة مناهضة لروسيا، الأمر الذي دفع الرئيس بوتين في أيار 2023 للإعلان صراحة عن قبول جيشه للمتطوعين من أرجاء العالم، مع فرصة تجنيسهم.

كم يتقاضى المرتزق؟

هذا الإعلان الرسمي الروسي جعل قضية تجنيد المرتزقة مهنة لمختلف الوسطاء المتعاقدين مع الشركات الأمنية التابعة للجيش الروسي. ففي كوبا، يتقاضى المجندون مبالغ أعلى من المقاتلين القادمين من الشرق الأوسط، حيث تصل قيمة الراتب الشهري إلى 2500 دولار، ووفق تقرير جريدة بزنس إنسايدر يحصل المتعاقد الكوبي عند توقيع العقد على دفعة أولى مقدارها 2000 دولار.

سياسة التكتم العسكري عند الروس ناجحة لحد بعيد، فبعد الضجيج الإعلامي الكبير الذي لحق الروس نتيجة لنشر بعض الفيديوهات ومعرفة حجم المجندين الأجانب المنتمين إلى ميليشيا فاغنر، قررت القيادة العسكرية الروسية نقل عموم المتعاقدين المرغوب في تجنيدهم عسكرياً، أو حتى في حماية المقار العسكرية إلى معسكرات التدريب في قاعدة تيكسي في سيبيريا. ووفرت هذه الاستراتيجية الروسية عدة نقاط من أبرزها:

  • العزلة وضمان عدم التواصل مع الأقارب: فالقواعد مثل قاعدة تيكسي هي قواعد كبيرة وبعيدة عن المدن، وفيها أنظمة مراقبة صارمة، ومن الصعوبة على أي مرتزق أجنبي مغادرة القاعدة بهدف الحصول على هاتف خليوي للتواصل مع أهله، أو حتى الاطلاع على الأخبار من خارج المنظومة الإعلامية الروسية.
  • الاعتياد على المناخ البارد: معظم المجندين قادمون من مناطق معتدلة أو حارة، لذا فترة تأهيلهم في مناخ بارد لمدة أربعة إلى ستة أشهر ستكون مفيدة لهم كي يعتادوا على مناخ أدفأ من سيبيريا، وهو جبهات أوكرانيا، الباردة نسبياً مقارنة مع بلدانهم الأصلية. ووفق تسريبات من مرتزقة مصريين، يتم نقل قسم من المرتزقة بعد شهر من سيبيريا نحو قواعد روسية عسكرية شمالي منغوليا، التي يقترب مناخها من مناخ أوكرانيا.
  • اختبار صلابة المقاتل: التجهيز النفسي أمر مهم في القتال، فخلال أربعة إلى ستة أشهر من التدريب البدني والعسكري في منطقة معزولة، تُبنى صداقات بين المرتزقة الأجانب ومقاتلي الجيش الروسي، وهذا الأمر يعزز روح العمل المشتركة بين الطرفين، ويعزز صلابة المقاتل في المعارك.
  • التقوية اللغوية: يخضع المجندون لدروس تقوية باللغة الروسية، كي يتمكنوا من إدارة المعدات الروسية وفهم أوامر مرؤوسيهم الروس.

سيبريا.. موقع ممتاز للتأقلم

جميع تلك الأمور جعلت من سيبيريا موقعاً بدائياً لتهيئة المقاتلين المرتزقة، وبعد فترة يتم توزيع المقاتلين على عدة قواعد من بينها قاعدة زابايكالسكي، وقاعدة كانسك في كراسنويارسك كراي، للتدرب على مهام مختلفة.

وكما يبدو، هذه الاستراتيجية ناجحة لحد بعيد، فبعد اندماج المرتزقة الأجانب المدربين في سيبيريا ومناطق شمالي منغوليا في المعارك الروسية-الأوكرانية، لوحظ عدم نشرهم على صفحات التواصل الاجتماعي لأي من الفيديوهات عن حياتهم الجديدة التي تبين مواقع انتشارهم، مما يعطي انطباعاً عن الالتزام العسكري الذي فرض عليهم.

من زاوية أخرى، قد يأتي تأخر اندماج المرتزقة في المعارك كاستراتيجية أمنية روسية جديدة بغية مراقبتهم وضمان عدم عمالتهم لأطراف دولية بحيث يسربون معلومات عن تلك القواعد ونوع التدريبات، وبهذا الشكل يتم تجنب أية مفاجآت عسكرية كالتي حدثت بعد تمرد ميليشيا فاغنر على الجيش الروسي.

حرب روسية مستمرة في أوكرانيا

أيضاً توفر هذه الاستراتيجية حالة رضا لدى المقاتل المرتزق، حيث يعرف أن الجيش الروسي لن يزج به في الصفوف الأمامية مباشرة ويتخلى عنه، كما كانت ميليشيا فاغنر تفعل، فهذا المرتزق كلف تأهيله تدريباً لشهور طويلة، والهدف الروسي تحويله لآلة قتل خالية من المشاعر الإنسانية.

مشروع روسيا في تجنيد المقاتلين المرتزقة يعطي انطباعاً أن الروس مستمرون في حربهم ضد أوكرانيا، ويستغلون جغرافية بلادهم الكبيرة في تهيئة كثير منهم للانخراط العسكري بغية تعويض الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف الجيش. وفعلياً، القضاء على هذا المشروع شبه مستحيل، لأن الروس يستغلون حالة الفقر في العديد من البلدان المضطربة، أو تلك التي تمتلك حكوماتها أيديولوجيا معارضة للولايات المتحدة الأميركية. 

ويرى خبراء أن الحرب الأوكرانية الروسية تبدو وكأنها حرب عالمية، وعلى المعسكر الغربي التفكير الجدي في إقصاء الحكومات المناصرة لموسكو مثل إيران، العراق، سوريا، والمساعدة في تهيئة حكومات لديها الصلاحية لتجريم حالة التجنيد التي ابتكرتها موسكو في تلك البلدان.