كشفت مصادر خاصة لموقع "تلفزيون سوريا" أن مكتب تنسيق العمل الإنساني في شمالي سوريا هو "إطار سياسي" يتبع لحكومة الإنقاذ في محافظة إدلب، تم تأسيسه بهدف "ربط الدول المانحة بمناطق شمال غربي سوريا".
بعد أكثر من شهرين من توقف عبور المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وبُعيد الإعلان عن "التفاهم" بين الأمم المتحدة والنظام السوري لتمديد دخول المساعدات من باب الهوى لمدة ستة أشهر، زار وفد أممي مكتب تنسيق العمل الإنساني في إدلب، ما يشير إلى "تفاهم ثلاثي" بين الأمم المتحدة والنظام السوري و"حكومة الإنقاذ"، بشأن آلية المساعدات في شمالي سوريا.
كيف بدأت القصة؟
في 11 تموز الماضي، فشل مجلس الأمن الدولي في تمديد قرار آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، بعد استخدام روسيا حق النقض "الفيتو"، ما أدى لتوقف دخول المساعدات من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا بشكل كامل، في حين يشهد معبر باب السلامة حركة ضعيفة جداً، رغم الاستثناء المعمول به حتى منتصف تشرين الأول.
ومن جراء ذلك، يعيش أكثر من 4 ملايين شخص في شمال غربي سوريا بلا مساعدات، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تزيد من معاناة من يقطن في هذه المنطقة، حيث يتخذ معظم سكانها من الخيام ملجأً ومن المساعدات الأممية قوتاً.
وفي 9 آب الماضي، أعلنت الأمم المتحدة التوصل إلى ما سمته "التفاهم" مع النظام السوري، لتمديد دخول المساعدات عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا عبر معبر باب الهوى لمدة ستة أشهر، وحمل الإعلان الأممي في طياته عبارات يلفها الغموض.
وتهرّب نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، من الإجابة بوضوح عن الأسئلة التي طُرحت عليه، في لقاء بُث على شاشة "تلفزيون سوريا" حول بنود "التفاهم".
وقال حق إن الاتفاق جاء بعد محادثات بين وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، وحكومة النظام السوري، "بهدف السماح للأمم المتحدة وشركائها بمواصلة تقديم المساعدة الإنسانية عبر الحدود، بالحجم اللازم وبطريقة مبدئية تسمح بالانخراط مع جميع الأطراف لأغراض السعي إلى وصول المساعدات الإنسانية بطريقة تحمي الاستقلال التشغيلي للأمم المتحدة".
وذكر المسؤول الأممي أن "الموافقة، التي أعاد النظام السوري التأكيد عليها في الأيام الأخيرة، توفر أساساً للأمم المتحدة وشركائها لإجراء عمليات إنسانية عبر الحدود بشكل قانوني عبر معبر باب الهوى".
وعلى الرغم من تأكيد المسؤول الأممي على "وصول المساعدات الإنسانية بطريقة تحمي الاستقلال التشغيلي للأمم المتحدة"، إلا أن غياب التفاصيل يثير مخاوف العمال الإنسانيين من أن يكون "التفاهم" مع النظام السوري فيه موافقة على شروطه السابقة أو جزء منها، بينما اعتبرت منظمات إنسانية سوريا "التفاهم" بأنه " انصياع للنظام".
ما هو مكتب "تنسيق العمل الإنساني"؟
بعد أيام على إعلان الأمم المتحدة، أجرى وفد أممي زيارة إلى مكتب تنسيق العمل الإنساني في إدلب، وذلك بعد اتفاق أبرمته الأمم المتحدة مع مكتب تنسيق العمل الإنساني، منح المكتب بموجبه تفويضاً للوكالات الأممية والمنظمات الإنسانية لإعادة استئناف دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى إلى شمالي سوريا.
وتأسس مكتب تنسيق العمل الإنساني أواخر العام 2022 في إدلب، على أنه وسيط غير ربحي، يعمل على تعزيز التنسيق بين منصات الدعم الدولية والإقليمية والعالمية والمنظمات الإنسانية المنفذة والتي توجد في شمالي سوريا، بهدف "تحسين العمل الإنساني وجعله أكثر فعالية ومرونة في مواجهة التحديات والأزمات".
ويهدف المكتب، وفق ملفه التعريفي، لتسهيل عمل الجهات الإنسانية، وتوجيه وتنسيق الدعم، اعتماداً على دراسات وبيانات الجهات المعنية في الداخل السوري، وتقييم عمل المنظمات والجهات العاملة في ملف العمل الإنساني.
ما علاقة "حكومة الإنقاذ"؟
وكشفت مصادر خاصة لموقع "تلفزيون سوريا" أن المكتب يتبع لـ "إدارة الشؤون السياسية"، وهو إطار سياسي يتبع لوزارة التنمية في "حكومة الإنقاذ" بمحافظة إدلب، ويأخذ دور وزارة الخارجية، ما يعني أن دوره "الربط بين الدول المانحة ومناطق شمالي سوريا".
وقالت المصادر إن مهام المكتب "إنسانية وخدمية وربما سياسية"، مشيراً إلى أن "الملف الإنساني في شمال غربي سوريا بات كما أراد النظام السوري وحليفته روسيا، مرتبطا بالملفات والمناكفات السياسية والدولية".
وذكرت أن "التفاهم" الذي أعلنته الأمم المتحدة مع النظام السوري بشأن تمديد دخول المساعدات عبر باب الهوى لستة أشهر، "رفضته حكومة الإنقاذ وأثار حفيظتها، واستنكرت تجاوزها وعدم الرجوع إليها، كونها الجهة الفاعلة في المنطقة، ولها موقفها من أي تفاهم أو اتفاق يخص المنطقة".
وأشارت مصادر "تلفزيون سوريا" إلى أن ذلك "قد يكون سبباً مباشراً لإعادة تفعيل مكتب تنسيق العمل الإنساني في شمال غربي سوريا، إذ تسعى الأمم المتحدة لاسترضاء حكومة الإنقاذ وإشراكها في التفاهم الذي سيبدأ بموجبه دخول أولى قوافل المساعدات الإنسانية عبر باب الهوى الأسبوع المقبل".
العمليات الإنسانية شمالي سوريا تحت خطر تحكم النظام السوري
وتعليقاً على ذلك، قال خبير الاستجابة الإنسانية في سوريا وعضو الشبكة السورية للصحة العامة، الدكتور محمد كتوب، إن "عمل الأمم المتحدة بموافقة النظام السوري يجعل عملية إدخال المساعدات بأكملها تحت خطر تحكم النظام بها، بدلاً من أن تكون بموافقة من مجلس الأمن".
وأضاف أن النظام السوري "غير أسلوبه من الرفض إلى الموافقة، ليجعل يده هي العليا في قضية المساعدات الإنسانية بدلاً من مجلس الأمن، ما يمكنه من الفوز بالمزيد من المساعدات، والمزيد من التفاوض مع كل تجديد".
واعتبر الدكتور كتوب أن "الأمم المتحدة تدفع اليوم ثمن تجاوبها مع النظام، وعدم اتخاذها خطوات جريئة بتجاوز موافقة مجلس الأمن وموافقة النظام مسبقاً، الأمر الذي جعل حكومة الإنقاذ تحذوه بالمثل، وتفاوض ليكون لها يد أيضاً في العملية".
وعن موقف المجتمع الدولي، قال إن "الدول المانحة لم تحاول استخدام نفوذها لجعل الوكالات الأممية تعمل دون موافقة النظام السوري أو مجلس الأمن"، مشيراً إلى أنها "حتى الآن مترددة في إحداث سابقة قد تستخدم في صراعات أخرى".
وأشار الدكتور كتوب إلى أن الأمم المتحدة "زادت الموضوع تعقيداً باعتمادها موافقة النظام السوري"، موضحاً أنه "بدلاً من تجاوز موافقة مجلس الأمن لتحقيق استدامة أكبر للبرامج الإنسانية، ذهبت الأمم المتحدة للعمل تحت موافقة النظام، وهو ما قد يضر بالعمليات الإنسانية في المنطقة".