لم يعد ركوب التكسي الصفراء في العاصمة السورية دمشق أمراً سهل المنال على الملايين من المواطنين، وقلما تجد سيارة تكسي فيها ركاب، على العكس تماماً يبحث السائقون عن أي راكب وقد لا يجدون 5 أو ستة في اليوم كله.
وتشهد مناطق سيطرة النظام السوري أزمات مركبة، فشلت حكوماته المتعاقبة في إيجاد أي حلول لها، متسببة بمفاقمتها وزيادة أبعادها المأساوية على السكان الذين لا يجدون ما يطعمون أطفالهم.
وتعاني المحافظات السورية التي يسيطر عليها النظام من أزمة وقود خانقة، يتخللها انقطاع طويل للتيار الكهربائي، حيث تغرق البلاد في ظلام دامس بصورة شبه مستمرة، حيث تصل الكهرباء إلى بعض أحياء دمشق لمدة 15 دقيقة في اليوم الواحد وقد لا تصل في مناطق أخرى، في وقت تكون الكهرباء فيه أفضل وذلك في المناطق الراقية والقريبة من القصر الرئاسي.
وتسبب نقص مادة البنزين، المادة المشغلة لمعظم السيارات في سوريا، بخلوّ الطرقات الرئيسية من حركة المرور، وازدهرت السوق السوداء التي تُباع فيها المحروقات المسروقة بخمسة أضعاف على الأقل.
كل ذلك انعكس على سوق التكسي، التي تعود بالدخل على الكثير من العائلات السورية، فقد يصل عدد من يعمل على سيارة تكسي واحدة إلى سائقين أو ثلاثة أحياناً لمدة 24 ساعة.
خسائر متراكمة
في الوقت الحالي، لا يتم تشغيل معظم سيارات التكسي في دمشق وريفها لأنها ستخسر ويضطر السائق المالك أو السائق العامل على نسبة من الأرباح أن يدفع من جيبه لتعويض الخسائر.
وقال عمار لبابيدي أحد سائقي التكسي في دمشق، إنه منذ عدة شهور توقف عن الخروج والتجول بسيارته في دمشق بحثاً عن راكب أو زبون، لأنه سيخسر 100 بالمئة.
وأضاف لبابيدي لموقع "تلفزيون سوريا" أن الوضع الاقتصادي لا يسمح بأن نخسر أيضاً، فنحن في الأساس ندفع تكاليف يومية زائدة عن طاقتنا بسبب الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار كل شيء حتى الهواء.
وأشار إلى أن السيارة كانت تعيل عائلتين على الأقل، وأحياناً أكثر، حالياً لا يمكن أن تكفي عائلة واحدة فقط، لأن خروجها إلى الطريق يعني صرف البنزين الموجود فيها ومع عدم وجود ركاب سنعود بالخسارة ليلاً.
مع أن التكاسي بدأت العمل كسرافيس نقل لعدة أشخاص وليس كما كانت في السابق مقتصرة على عدة ركاب، بسبب غلاء الأجرة بسبب ارتفاع أسعار الوقود في السوق السوداء.
ويبدأ سعر الراكب بالتكسي كسرفيس في دمشق بحسب المسافة ولكن بما لا يقل عن 5 آلاف ليرة سورية، ويصل إلى 10 آلاف ليرة سورية في حال كانت التوصيلة بعيدة.
أما أجرة التكسي لطلب خاص فتكون بحسب المكان الذي يريد الذهاب إليه، وقد يصل إلى 35 ألف ليرة من وسط دمشق لأقرب نقطة بريف دمشق ما يقدر بـ 13 إلى 16 كيلومتر، وهذا يعني صرف نحو 4 ليترات بنزين على أقل تقدير، ما يعني الخسارة في حال أبقى السائق الأجرة على حالها، بحسب لبابيدي.
ويقول سائقو التكاسي في دمشق، إنهم يلمسون عزوفاً شعبياً واسعاً عن ركوب التكسي بشكل عامي، وأصبح من النادر أن يركب الشخص التكسي لوحده، طالباً من السائق أن يكون التكسي لنقل عدة أشخاص سواء عبر انتظار ركاب أو بركوب آخرين في الطريق إلى المكان الذي يريده.
كم سعر ليتر البنزين في دمشق؟
ويبدأ سعر ليتر البنزين في السوق السوداء بدمشق من 13 ألف ليرة وقد يصل إلى 20 ألف ليرة، ما يجعل أي خط توصيل مهما قل عدد كيلومتراته مكلفاً جداً.
ويكفي الليتر الواحد بحسب لبابيدي لـ 10 كيلومتر وقد يقل أو يزيد بحسب نوع السيارة وصرف المحرك وسنة التصنيع، خصوصاً أن سيارات التكسي في سوريا بمعظمها قديمة.
وما يلفت الانتباه منذ فترة على الطرق الدولية دمشق - عمان، دمشق - بيروت، دمشق - حمص، وصولاً إلى شوارع العاصمة السورية الفرعية وجاداتها وأسواقها، وجود عدد كبير من بسطات بيع البنزين اللبناني المهرَّب، وهو ذو لون بنفسجي ومعبَّأ في عبوات شفافة ذات سعات مختلفة تتراوح بين 10 ليترات و4 ليترات وليترين وليتر واحد، وبأسعار مختلفة لا تقل عن 11 ألف ليرة لليتر والذي قد يعد مغشوشاً، فيما يبدأ الجيد من 13 ألف ليرة.
من جانبه قال أحمد اليمان مدير مكتب تكسي بدمشق، إن إيقاف السيارة أفضل حل لتجنب الخسارة في الوقت الحالي، لأن تجول السيارة بالشوارع والأحياء بحثاً عن راكب يسبب مشكلة كبيرة لنا بسبب غلاء البنزين وندرته في السوق السوداء أحياناً.
وأضاف اليمان لموقع "تلفزيون سوريا" أن المكتب يمكن أن يسمح بتجول السيارة حين تأتي رسالة البنزين المدعوم، لأن السعر يكفي ويمكنك أن تحقق ربحاً وفيراً.
أسعار السوق السوداء ببنزين مدعوم
وتقوم بعض مكاتب السيارات بتأمين بنزين مدعوم من النظام بسعر قليل، في المقابل تطلب من الركاب أسعار البنزين الموجود في السوق السوداء.
يُذكر أن السعر الرسمي لمادة البنزين الممتاز (أوكتان 90) المدعوم في سوريا، والذي يجري تسلمه عبر "البطاقة الذكية"، هو 3 آلاف ليرة سورية لليتر الواحد.
ومع وقوف السيارة يطلب السائق من الراكب سعراً محدداً ويقوم بتشغيل العداد شكلياً فقط لأن شرطة المرور قد توقفه وتخالفه إن لم يفعل ذلك، وهي وسيلة أخرى للحصول على رشوة أيضاً.
ورغم قلة الركاب واستجداء السائقين أي راكب في الطريق، إلا أنهم يسوقون الحجج بارتفاع الأسعار مثل تضاعف أسعار البنزين وتغيير الزيت والصيانة وتكاليف التصليح والرشاوى وغيرها، وهو ما قلل من نسب راكبي التكاسي في دمشق بشكل عام.
ومؤخراً انتشرت في دمشق مجموعات واتساب وتطبيقات يمكنك عبرها طلب تكسي من باب البيت إلى المكان الذي تود الوصول إليه ضمن اتفاق مسبق، وغالب من يعمل فيها سيارات غير مرخصة للعمل بشكل "تكسي عمومي".