رسمت وزارة الخارجية الهولندية في تقرير جديد لها "صورة مرعبة" عن الوضع في سوريا. وتحدثت الخارجية الهولندية في التقرير الذي رصد الوضع في سوريا على المستوى الاقتصادي والأمني والسياسي والعسكري في الفترة ما بين حزيران 2022 وتموز 2023 عن ازدياد التضخم والفقر والجريمة والاعتقالات والقمع والمخدرات التي أصبحت ركيزة بـ "اقتصاد مفترس" لا يفكر بالصالح العام ويديره نخبة من رجال الأعمال المقربين من رئيس النظام بشار الأسد والأجهزة الأمنية والجيش.
ولم يطرأ أي جديد بخصوص وضع اللاجئين السوريين القانوني في هولندا وفق التقييم الجديد الذي اعتمد على عدة مصادر ومنظمات حقوقية وإنسانية وأممية.
سوريا.. "اقتصاد مفترس" لا يفكر بالصالح العام
وقالت وزارة الخارجية الهولندية في تقرير لها في تقييمها السنوي حول سوريا إن "قرابة تسعين في المئة من مجمل السوريين يعيشون في فقر ويقدر أن 15.3 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة".
وتحدث التقرير عن زيادة التضخم في البلاد وأن ما تبقى من الاقتصاد انقسم بشكل رئيسي بين النخبة السورية والأجهزة الأمنية.
وذكر التقرير نقلاً عن مصادر أن رجال الأعمال قد انضموا إلى الفرقة الرابعة في جيش النظام بقيادة ماهر الأسد لتأمين تجارتهم.
ووصف أحد المصادر وفق التقرير الاقتصاد السوري بأنه اقتصاد مفترس لا يفكر فيه أحد بالصالح العام، بل يسعى فقط إلى تحقيق مصالحه الخاصة.
كما أشار التقرير إلى أن تجارة المخدرات والابتزاز وأموال الفدية والأموال القادمة من الخارج أصبحت ركائز مهمة للاقتصاد السوري.
وتطرق التقرير إلى زلزال شباط الذي ضرب سوريا وتركيا، وقال إن النظام السوري والفصائل المسلحة المدعومة من تركيا اتُهمت بعرقلة المساعدات الإنسانية وإعطاء الأولوية للمناطق التي تختارها.
وقالت الخارجية إن "المساعدة ذهبت إلى المناطق الموالية للحكومة أو عائلات مقاتلي الجيش الوطني وليس إلى المناطق حددتها المنظمات الإنسانية كأولويات".
كما أشارت الخارجية الهولندية إلى أن "اختلال سيادة القانون والإفلات من العقاب على الجرائم - لا سيما المرتكبة من قبل الأطراف والأفراد المرتبطين بحكومة الأسد - خلقت بيئة تزدهر فيها الجريمة"، لافتة إلى "تصاعد الجريمة في سوريا في السنوات الأخيرة (..) واحتلت البلاد المرتبة الثامنة بالجريمة على مؤشر (نومبيو)".
وتحدث التقرير عن تفشي الفساد والرشوة والمحسوبية في مناطق النظام في سوريا.
النظام يحمي الجماعات الإجرامية
أما عن سوق الجريمة في سوريا كسوق المخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر فقالت الخارجية إن الميليشيات التابعة للنظام قامت بتزويد الجماعات الإجرامية بالأسلحة كما ضمنت عدم اعتقال أعضاء تلك الجماعات.
وأشار التقرير إلى أنه "من المعروف أن بعض الجماعات الموالية للحكومة، مثل الشبيحة وقوات الدفاع الوطني، تستخدم أساليب شبيهة بالمافيا، وشاركت في مجموعة واسعة من الأنشطة الإجرامية، بما في ذلك الخطف والابتزاز والاتجار بالمخدرات والبشر".
وذكر التقرير أن "قيادات القوات المسلحة السورية وعائلة الأسد يُقال إنهم متورطون بشكل وثيق في إنتاج وتجارة المخدرات الكبتاغون، وتجلب تجارة الكبتاغون المليارات للدولة السورية".
مضيفاً "لأن كثيراً من الشباب لم ير أي مستقبل في البلد الذي مزقته الحرب تحولوا إلى المخدرات ولتلبية احتياجاتهم الحياتية، ارتكب متعاطو المخدرات جرائم مثل السرقة والخطف".
كما ذكرت الخارجية أن "الأجهزة الأمنية السورية والميليشيات التابعة للحكومة السورية ارتكبت عمليات قتل وقتل خارج نطاق القضاء خلال الفترة التي تناولها التقرير".
اعتقالات فقط لطلب الفدية
ونقل تقرير الخارجية الهولندية عن تقارير حقوقية أن "السلطات السورية كانت مسؤولة عن النسبة الكبرى من الاعتقالات التعسفية: 88٪ من الاعتقالات التعسفية في عام 2022"، مشيرة إلى تورط الأطراف المسلحة الأخرى بالاعتقالات التعسفية أيضاً.
و"لا يزال 135253 شخصاً محتجزين في مراكز الاعتقال السورية السجون لأسباب سياسية" بحسب ما نقلت الخارجية، مشيرة إلى صعوبة الحصول على معلومات دقيقة حول الاعتقالات.
ولفت التقرير أنه "كثيراً ما نُفِّذت الاعتقالات من دون أي أساس قانوني أو قضاء مستقل، وكثيراً ما نفذتها أجهزة الأمن خارج نطاق القضاء"، مشيراً إلى أن أي شخص تعتبره السلطات السورية معارضاً أو تهديداً للحكام الحاليين معرض لخطر الاعتقال".
ونقلت الخارجية عن مصادرها أن "السلطات السورية اعتقلت أشخاصاً لمجرد طلب فدية للإفراج عنهم (..) من بين الأسباب الأخرى للاعتقال التهرب من الخدمة العسكرية، أو اتهامات كاذبة من الجيران".
وتحدث التقرير عن وفاة 133 سورياً تحت التعذيب كانت قوات الأمن مسؤولة عن وفاة 115 منهم نقلاً عن تقارير حقوقية مشيرة إلى أن الأطراف الأخرى متورطة بوفاة البقية.
وذكر التقرير أن قوات النظام السوري "قامت بتعذيب أشخاص بسبب صلاتهم المزعومة بالمعارضة"، مشيراً إلى أن اللجوء إلى التعذيب لم يتغير منذ بداية الحرب.
وتطرق التقرير إلى أساليب التعذيب في سجون النظام وأبرزها: "الدولاب وبساط الريح وصعق الأعضاء التناسلية بالصدمات الكهربائية، الجلد، اقتلاع الأظافر، الحرق بالسجائر، حرق الأعضاء التناسلية".
وذكر التقرير أن الابتزاز أحد الدوافع وراء عمليات الاعتقال والاحتجاز التي قامت بها الأجهزة الأمنية والميليشيات التي كانت تتمتع باستقلالية كبيرة وحرة في استغلال السكان في المناطق التي يسيطرون عليها".
وأضافت الخارجية الهولندية أن "الرشى أو الفديات أصبحت ركيزة مهمة للاقتصاد السوري".
وبحسب التقرير "تنتشر شبكات الاحتيال والابتزاز، التي ترعاها الأجهزة الأمنية بشكل أساسي، في المناطق الحكومية. كما يدفع أفراد الأسرة الفدية للأشخاص المفقودين أو الأشخاص الذين ماتوا بالفعل - غالباً في أثناء احتجازهم.. تم دفع الأموال لمسؤولين حكوميين، بما في ذلك القضاة، أو إلى وسطاء.. في بعض الحالات، كانت الأسرة تدفع آلاف الدولارات للإفراج عن قريبهم"، وفق التقرير الحكومي الهولندي الذي استند إلى مصادر ومنظمات حقوقية وإنسانية".
وذكر التقرير أنه "يمكن احتجاز السكان المحليين عند نقطة تفتيش، على سبيل المثال لعدم حيازتهم الأوراق الصحيحة، لكن حتى رجال الأعمال الموالون للحكومة السورية وقعوا ضحايا لعمليات خطف من قبل أجهزة الأمن أو الميليشيات السورية ولم يُطلق سراحهم إلا بعد دفع فدية".
الموالون يتمتعون بحرية أكبر من غيرهم
وتناولت الخارجية في تقريرها وضع الحريات في البلاد وقال التقرير "سُمعت أصوات انتقادية للسياسة الاقتصادية والحكومة. حدث هذا بشكل رئيسي من المناطق الموالية للأسد.. هناك يمكن للناس التعبير عن رأيهم والنقد بسهولة أكبر من الأشخاص من مناطق على سبيل المثال كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً.. والمجموعة الأخيرة تتم مراقبتها عن كثب والتعامل معها بقسوة أكبر"، مشيراً إلى أنه "من المستحيل انتقاد الرئيس أو عائلته علانية".
وبحسب التقرير "لم تعتد السلطات السورية على نسيان ومسامحة الماضي وبحسب المصادر فقد واجه أفراد عائلات المعارضين السياسيين وناشطي حقوق الإنسان مشكلات من السلطات السورية، التي اعتقلتهم من دون تهم رسمية واحتجزتهم لفترات أطول، وفي بعض الحالات عذبتهم وكان سبب استهداف السلطات الأقارب لتحديد مكان وجود المعارضين وناشطي حقوق الإنسان أو جعلهم يوقفون أنشطتهم".
وتابع "اعتقلت السلطات السورية بانتظام مدنيين، بمن فيهم طلاب وموظفون حكوميون ومحامون انتقدوا الفساد والظروف المعيشية الصعبة في المناطق الحكومية على وسائل التواصل الاجتماعي"، وفق التقرير الذي قال إنه "وجهت إليهم تهمة عامة تتمثل في "تقويض الروح المعنوية للأمة" وسلسلة من التهم الأخرى المتعلقة بقانون الجرائم الإلكترونية الصادر في أبريل 2022".
النظام يراقب وسائل التواصل الاجتماعي بتقنيات حديثة
وأشار التقرير إلى أن "السلطات السورية استخدمت التقنيات الحديثة، التي تم الحصول عليها بشكل أساسي من إيران وروسيا، لمراقبة حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لأعضاء المعارضة والناشطين، وتم نشر المئات من المتخصصين في الكمبيوتر لتصفية ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى جانب المراقبة الإلكترونية، لا تزال السلطات السورية تعتمد بشكل كبير على المخبرين البشريين في سوريا".
اقرأ أيضا: ألمانيا تضبط مصنعاً لإنتاج "الكبتاغون" يديره سوريان
وأشار التقرير إلى عودة بعض النازحين واللاجئين إلى قراهم ومدنهم وقال إن "الظروف الحالية في سوريا لم تشجع على العودة بالإضافة إلى ذلك، كان النازحون معرضين لخطر الاعتقال من قبل السلطات السورية عند عودتهم إلى منطقة حكومية وتم تسجيل 77 حالة اعتقال محلي تعسفي بحسب منظمات حقوقية".
ووفق التقرير "كانت العودة إلى أماكن معينة استعادها النظام السوري من المعارضة، مثل داريا جنوب غربي العاصمة دمشق حيث لا تزال العودة مستحيلة بعد سنوات بسبب الظروف المحلية"، مشيراً إلى "أن الحكومة لم تضمن عودة آمنة وكريمة".
ونقلت الخارجية عن مصادر بأن "السلطات السورية لم يكن لديها مصلحة في عودة اللاجئين، لأن العديد من اللاجئين اعتبروا أعضاء معارضة محتملين".
ما هي مخاطر العودة إلى سوريا؟
وتطرق التقرير إلى مخاطر عودة اللاجئين إلى سوريا وقال إن "الجهاز الأمني في سوريا يتكون من أجهزة مختلفة لا تشارك بعضها مع بعضٍ المعلومات الهيكلية.. كان من الممكن أن تصدر خدمة أمنية معينة تصريحاً أمنياً لشخص ما، بينما لا يزال الشخص نفسه مدرجاً في قائمة المطلوبين من خدمة أخرى".
وقال "قد يواجه السوريون العائدون إلى الأراضي الحكومية عدداً كبيراً من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي، التعذيب والاختفاء القسري والابتزاز وسوء المعاملة.. لأنه لا توجد مراقبة هيكلية للسوريين العائدين و لا توجد نظرة عامة على جميع السوريين العائدين، ولم تتمكن المصادر من تقديم أرقام دقيقة من مختلف انتهاكات حقوق الإنسان".
وذكر التقرير أن "العائدين من البلدان التي تعتبرها السلطات السورية معادية يواجهون مخاطر أمنية متزايدة عند عودتهم".