icon
التغطية الحية

هل يمكن تشكيل حكومة واحدة لإدارة الشمال السوري؟

2022.10.30 | 16:31 دمشق

المؤقتة والإنقاذ
شعار حكومتي "المؤقتة والإنقاذ" شمالي سوريا
+A
حجم الخط
-A

يبدو المشهد الميداني في الشمال السوري في غاية التداخل والتعقيد، خاصة بعد أحداث "الاقتتال" الفصائلي الأخير بين الفيلق الثالث من طرف، و"هيئة تحرير الشام" وبعض فصائل الجيش الوطني من طرف آخر، فبالإضافة إلى تعدد القوى والتحالفات العسكرية الحاكمة على الأرض، والتي فشلت كل المحاولات لتوحيدها في جسم عسكري واحد، "تتمزق" هذه المناطق بين حكومتين؛ "مؤقتة" تابعة للائتلاف الوطني، و"إنقاذ" تابعة لـ"تحرير الشام"، مما يزيد الواقع تعقيداً.

إلا أن "الاقتتال" الأخير ترافق مع تسريبات وإشارات حول إمكانية إخضاع مناطق المعارضة في الشمال السوري لإدارة واحدة. وهذا ما ألمح إليه الاتفاق الموقّع بتاريخ 14 تشرين الأول الجاري، بين "الفيلق" و"الهيئة" بعد سيطرة الأخيرة على مدينة عفرين، وهو الاتفاق الذي سارع الفيلق الثالث إلى حذفه من معرفاته الرسمية بعد دقائق فقط من نشره.

فيا ترى هل يمكن تشكيل حكومة أو إدارة مدنية موحدة لإدارة مناطق المعارضة في الفترة المقبلة، خاصة بعد وجود تسريبات من أنقرة بالدفع بهذا الاتجاه؟

إمكانية دمج "المؤقتة" و"الإنقاذ"

الحديث عن دمج الحكومتين يبدو صعباً جداً في الوقت الراهن؛ بسبب وجود فرق بنيوي في طبيعة عمل كلٍ منها، إذ يوضح الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان هذا الفرق في حديثه لموقع تلفزيون سوريا بقوله: إن الإدارة الواحدة الشرعية في مناطق الشمال السوري -الحكومة المؤقتة- هي فعلياً لا تدير الشمال السوري، فالمجالس المحلية المرتبطة بشكل مباشر مع الولاة الأتراك، هي من تدير هذه المناطق، وبالتالي هناك مشكلة بنيوية في هذه الحكومة تجعلها غير قادرة على أن تكون نموذجاً قابلاً للتوسع لإدارة كل مناطق المعارضة.

ويضيف "علوان" أما في الطرف المقابل، أي في مناطق "هيئة تحرير الشام" فنرى أن "حكومة الإنقاذ" موجودة بشكل فعلي على الأرض، وتدير بشكل مباشر جميع القطاعات الخدمية في إدلب، لكنها تعاني مشكلة الارتباط بـ"الهيئة" المصنفة إرهابية أمام المجتمع الدولي، وبالتالي على المستوى السياسي والقانوني هي إدارة غير مقبولة.

أما الباحث في شؤون الإدارة المحلية بمركز عمران للدراسات أيمن الدسوقي، فيرى أنه على الرغم من أن سيناريو "الدمج" قائم نظرياً، إلا أن تحققه مرهون بعدة شروط داخلية وخارجية لم تتبلور بعد.

ويشير "الدسوقي" في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن الدمج إما يكون تفاوضياً، بمعنى تفاوض القوى الفاعلة في شمالي وشمال غربي سوريا، على رؤية موحدة وخطة عمل متكاملة لبناء نموذج حوكمي واحد، يكون قادر على إدارة ملفات الأمن والاقتصاد وغيرها من الملفات في تلك المناطق.

أو يكون بحسب "الدسوقي" قسرياً؛ سواء بالتغلّب وفرض المُتغلب مشروعه في الحكم والإدارة، وهذا ما تحقّق سابقاً في إدلب وعلى مراحل، ويلفت "الدسوقي" إلى أن تحققه في الشمال السوري هو رهن إضعاف الكتل العسكرية الفاعلة، الأمر الذي لم يتحقق بعد، وإن لاحت مؤشراته في الأحداث الأخيرة، مردفاً: لا أعتقد أن ذلك قائم في ظل الأنباء عن ضغط التركي لإجبار "الهيئة" على الانسحاب من المناطق التي تقدمت إليها.

إلا أن تشكيل مثل هكذا حكومة مرتبط بتوفر رغبة إقليمية ودولية، وهذا ما يؤكده الباحث في مركز حرمون للدراسات د. سمير العبد الله، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا بالقول: إن "الأهم هو الرغبة التركية بذلك، وعدم اعتراض أميركا وروسيا، فكل السوريين والفصائل والائتلاف والحكومة المؤقتة، القرار ليس بيدها، وتنفذ رغبات بعض الدول، فالأمر متعلق برغبة تلك الدول أكثر من رغبة الفصائل والمعارضة".

معوقات داخلية وخارجية

يصطدم مشروع الإدارة الموحدة لمناطق الشمال السوري بجملة من التحديات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، نظراً لتعدد وتداخل الفاعلين بالملف السوري بشكل عام.

من أبرز المعوقات الخارجية برأي "العبد الله" هو التصنيف الدولي لـ"هيئة تحرير الشام" وهي المنظمة الراديكالية، التي تصنّفها العديد من الدول كمنظمة إرهابية، نظراً لارتباطها سابقاً بتنظيم القاعدة، واتباعها سياسة التوغل والتدخل في المناطق التي تريد السيطرة عليها عبر شتى السبل حتى تتمكن من السيطرة عليها وإزاحة خصومها.

وهذا ما يشير  إليه "علوان" بالقول: إن "المجمع الدولي لن يقبل أن يكون هناك أي تمدد لأي شيء مرتبط بتحرير الشام إلى مناطق المعارضة الحليفة للمجتمع الدولي، أي مناطق شمال وشرقي حلب، والتي تخضع بشكل أو بآخر للفصائل والمجالس المحلية والحكومة المؤقتة، وهي كلها تابعة للائتلاف، وهذه هي المعارضة الرسمية المُعترف بها دولياً".

وهذا ما بدا واضحاً من موقف الولايات المتحدة الرافض للتمدد الأخير لـ"تحرير الشام" باتجاه عفرين وريف حلب الشمالي.

أما بالنسبة للعوائق الداخلية، فيأتي في مقدمتها بحسب "الدسوقي" تفاوت الرؤى تجاه ملف الإدارة بين القوى الفاعلة بما تمثله من امتدادات إقليمية، إضافة إلى تخوّف هذه الفصائل والقوى العسكرية من فقدان الدور والمكاسب المادية المترتبة على قيام هكذا مشروع.

وهذا ما يؤكده "علوان" بقوله: من أبرز العوائق الداخلية هو فوضى إدارة المناطق في شمالي حلب، إضافة إلى الخلافات الفصائلية المتكررة، والتي أدت بالنهاية إلى "تجييش" المجتمعات المحلية وتوزيع النفوذ الإداري والمجتمعي في تلك المناطق.

يضاف إلى التحديات الداخلية أيضاً العامل الاقتصادي وعائدات المعابر، إذ كان هذا العامل أحد أهم أسباب الصدام الأخير بين (الهيئة والفيلق)، وهنا يتساءل "العبد الله" أنه في حال تشكيل مثل هكذا حكومة كيف سيكون توزيع هذه العائدات بين الفصائل، إذ يُخشى هنا من هيمنة طرف عسكري واحد على هذه الحكومة، واحتكاره لعائدات هذه المعابر.

الموقف التركي

كما أشرنا سابقاً فقد تواردت أنباء غير مؤكدة في الفترة الأخيرة عن رغبة تركيا بتشكيل إدارة محلية موحدة لإدارة هذه المناطق، من دون الرجوع إلى الولاة الأتراك كما هو الحال في مناطق "المؤقتة".

فتركيا ما زالت هي صاحبة الكلمة العليا في الشمال السوري، وهي الوحيدة التي يمكنها القيام بمثل هذه الخطوة، ويردف الباحث "العبد الله" لكنها تحتاج للتنسيق مع أميركا وروسيا بشكل أساسي، فلا يمكن نجاح مثل هذه الخطوة من دون موافقة هذه الدول عليها، فتركيا بحسب "العبد الله" لها مصلحة كبيرة في استقرار الأوضاع في الشمال السوري في الفترة المقبلة ليعود من أراضيها المزيد من اللاجئين إلى تلك المنطقة، أو على الأقل لا يعبر لاجئون جدد باتجاهها.

إلا أن "الدسوقي" يرى غير ذلك، فتركيا برأيه ليست بوارد الانخراط بشكل مباشر في هكذا توجه، لأن ذلك سيكون مرهقا لها مع اقتراب الانتخابات، فضلاً بأن دمج الحكومتين يعني إحداث تغير في الجغرافية السورية، وهذا برأي "الدسوقي" قد يهدد الاتفاقيات المعقودة بين تركيا والقوى الفاعلة، التي ترغب في تجميد الوضع دونما تغيرات جذرية.

"لا حكومة موحدة في المدى المنظور"

بناء على ما سبق من تحديات ومعوقات يرى "العبد الله" أنه لن يكون هناك حكومة موحدة في المستقبل القريب، فعدم وجود الكثير من المؤسسات، والهياكل الحكومية التي يمكن دمجها أو التنسيق بينها بالنسبة لـ (المؤقتة والإنقاذ) يجعل هذا الأمر غير وارد في الفترة المقبلة.

وهذا ما يؤكده "وائل علوان" بقوله: لن يكون هناك حكومة واحدة لإدارة الشمال السوري في المدى المنظور ، خاصة بعد الرسائل السلبية التي قدمتها "تحرير الشام" على المستوى الداخلي والخارجي بعد اقتحامها لمنطقة عفرين ومحاولة اقتحامها اعزاز، هذه الرسائل ستجعل قيام أي "حكومة موحدة" مستبعد في الوقت الحالي.