هل مبادرة بايدن جدية حقاً؟

2024.06.14 | 06:10 دمشق

جو بايدن
+A
حجم الخط
-A

أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، في خطاب له يوم الجمعة 31 أيار/ مايو الماضي عن مبادرة سياسية تجاه أزمة قطاع غزة مكونة من ثلاث مراحل، المرحلة الأولى تتضمن وقفاً كاملاً لإطلاق النّار مع انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع المناطق المأهولة بالسّكان في غزّة، وإطلاق رهائنَ إسرائيليين لدى حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، خصوصاً النساء والأطفال والمرضى، مقابل إفراج إسرائيل عن مئات الأسرى الفلسطينيين لديها، كما تتضمن هذه المرحلة أيضاً دخول 600 شاحنة مساعدات يومياً، على ألاّ يتجاوز تنفيذ هذه المرحلة مدّة ستة أسابيع من تاريخ موافقة جميع الأطراف على هذا المقترح، وذلك قبل الدخول في المرحلتين الثانية والثالثة من المبادرة المتضمنتين إنهاء الأعمال العسكرية، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزّة، وانطلاق عملية إعادة إعمار كبرى للقطّاع المنكوب في بداية المرحلة الأخيرة من المبادرة.

هذه باختصار النقاط الأساسية التي أوردها بايدن في خطابه، والذي كرّر فيه عبارة "حان الوقت" أكثر من مرّة. لكن قد يبدو لنا أنّ لهذه العبارة مقاصد أخرى كثيرة إذا ما أُخذت في سياقها السّياسي الرّاهن. واللحظة السّياسية التي يُشكّل قطّاع غزّة خلفيتها الحيوية تقف أمام استحقاقات كبرى ثلاث: الانتخابات الرّئاسية الأميركية في تشرين الثّاني/ نوفمبر القادم، والانتخابات الرئاسية الإيرانية نهاية شهر حزيران/ يونيو الجاري، وأيضاً، الدّعوة إلى انتخابات إسرائيلية مبكّرة التي ما زال يُطلقها خصوم بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي.

فعلى الصعيد الأميركي يبدو أنّ الوقت قد حان كي يُعيد الحزب الديمقراطي ترتيب بيته الدّاخلي قبل موعد الاستحقاق الرّئاسي في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، فبعد انطلاق حملة "غير ملتزم" في ولاية ميشيغان في شمالي الولايات المتحدّة تبيّن أنّ الحزب قد خسر ما يُقدّر بـ 39 ألف صوت في الانتخابات التمهيدية لولاية نيويورك، أي نحو 12% من إجمالي عدد الأصوات، وحملة "غير ملتزم" هي حركة أطلقها مجموعة من الشباب، على خلفية موقف الحكومة الأميركية من أحداث غزّة، وتدعو إلى عدم انتخاب جو بايدن ، وعدم دعم أيّ من المرشحين للرّئاسة، والاقتراع عوضاً عن ذلك بورقة بيضاء.

وتحظى الحملة بدعم عدد من الجماعات المؤيدة للفلسطينيين، من بينها "الصوت اليهودي من أجل السلام المناهض للصهيونية"، و"اليهود اليساريين من أجل العدالة العرقية والاقتصادية"، وقد حققت الحملة نجاحات عدّة في ولاية ميشيغان خلال فبراير/شباط الماضي حين رفض أكثر من 100 ألف ناخب ديمقراطي منح أصواتهم لبايدن. كما حصلت الحملة في ولاية ويسكونسن على دعم 8.4% من الناخبين، وفي ولاية كونيتيكت نالت نسبة 11.5%، مقابل نحو 15% في ولاية رود آيلاند. فإذا أضفنا هذه الأرقام الملحوظة، وإن كانت تبدو غير ذات تأثير كبير في الوقت الحالي، إلى تظاهرات الجامعات التي اندلعت تضامناً مع ضحايا العدوان الاسرائيلي على غزّة، واحتجاجاً على موقف إدارة بايدن منها، نجد أنّ القاعدة التقليدية للحزب، والمتمثّلة في طلّاب الجامعات، قد بدأت تتضرّر بالفعل. وهذا ما استدعى موقفاً أميركياً أكثر حزماً تجاه إسرائيل بدا من خلال تصريحات بايدن وبعض مسؤولي إدارته عن تحميل حكومة نتنياهو مسؤولية المجاعة التي ضربت القطّاع بسبب الحرب، ولعلّ الخشية من فقدان أصوات وازنة في ولايات متأرجحة هي ما دفعت جو بايدن لإطلاق مبادرة سياسية تُظهره بمثابة الرجل القادر على إيجاد حلول لأزمات سياسية معقدّة.

إيران بدورها مقبلة على انتخابات رئاسية مبكرة أواخر شهر حزيران/ يونيو الجاري بغية انتخاب خلفٍ للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي قُتل في حادث مروحية شهر أيار/ مايو الماضي. ولعلّ ذلك أحد أسباب التعاطي الإيراني الإيجابي مع مقترح بايدن

إيران بدورها مقبلة على انتخابات رئاسية مبكرة أواخر شهر حزيران/ يونيو الجاري بغية انتخاب خلفٍ للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي قُتل في حادث مروحية شهر أيار/ مايو الماضي. ولعلّ ذلك أحد أسباب التعاطي الإيراني الإيجابي مع مقترح بايدن، فإيران وباقي الأطراف الإقليمية تُدرك أنّ ركوداً سياسياً أميركيا سيبدأ قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية هناك، وبالتالي فإنّ ضياع الفرصة الآن سيعني تأجيلا إلى بداية السنة الجديدة، لذا بدت إيران وكأنّها موافقة على المقترح الأميركي، الأمر الذي تجلّى ربّما بعملية تبادل الأسرى التي جرت يوم السبت، إذ أطلقت إسرائيل سراح 200 معتقل فلسطيني مقابل أربعة رهائن لدى حماس، وبالتأكيد ما كان هذا الأمر ليتم لولا موافقة إيران. أمر آخر يبدو مقنعاً لرغبة إيران في تهدئة الأوضاع في غزّة، وهو أنّ عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر قد عرقلت مسار التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وهو ما أعاد لإيران دورها المحوري في قضايا المنطقة، وتسبّب في تصدّع الحلف الإقليمي المعادي لها. لكنّ هدوء الأوضاع في غزّة قد يعني أنّ هناك صيفاً ساخناً ينتظر الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية، وهو ما تريد إيران والولايات المتحدّة تجنبه في الوقت الحالي، إيران لترتيب ساحتها السياسية في عهدٍ رئيسٍ جديد، والولايات المتحدّة ترقباً للساحة الأوكرانية.

إسرائيلياً يبدو التناقض بين الأطراف السياسية الداخلية أشدّ وضوحاً، فرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يريد إطالة أمد الحرب أطول فترة ممكنة علّه يستطيع استرجاع بعض من شعبيته قبل الدخول في الانتخابات الحكومية المبكرة، وفي نفس الوقت يضع خطّة لحربه باسترجاع الأسرى وإنهاء قدرات حماس العسكرية، دون أن يكون هناك مانع جدّي لديه لعودة حماس منزوعة القوة لحكم القطاع. وبالفعل، فقد أظهرت آخر استطلاعات الرأي في إسرائيل تراجع شعبية منافسيه الرئيسيين: الزعيم اليميني المتطرف إيتار بن غفير، والوزيرين يتسائيل سموتريش وبيني غانتس، وأظهرت الاستطلاعات أيضاً تفوق نتنياهو من حيث كونه الشخصية الأنسب لرئاسة الحكومة، ومردّ ذلك في رأينا هو خلاف الأولويات بين الفريقين، فعلى عكس نتنياهو، يرى خصومه أنّ الأولوية هي لطرد حماس نهائياً من المشهد السياسي، ولو كان ذلك على حساب حياة الرهائن الإسرائيليين لديها. لذا فإنّ موافقة نتنياهو المشروطة بتبادل الأسرى ستعطيه دفعاً قوياً أمام الرأي العام الإسرائيلي المتأثر كثيراً هذه الفترة بمعاناة أهالي المحتجزين.

حماس تنظر بإيجابية إلى مبادرة تعيدها إلى حكم قطاع غزة، وتظهرها بمظهر المنتصر بعد إطلاق مئات الرهائن على الرغم من التضحيات الكبيرة في الأرواح والممتلكات التي تكبدها أهالي القطاع، ولكن برأيها أنّ هناك مشكلة كبيرة في المبادرة الأميركية التي طرحها الرئيس بايدن، وهي أنّها حتى هذه اللحظة ما زالت مجرّد خطابٍ أُلقي في مناسبةٍ ما، ولم يصل للحركة، أو لأي طرف آخر، وثيقة خطية منه، ممّا يضع إشارات استفهامٍ كثيرة حول جدية المبادرة!.