هل طوت الضربات الإسرائيلية مرحلة حزب الله الذهبية؟

2024.10.16 | 06:06 دمشق

455555555552
+A
حجم الخط
-A

لم يعد لدى لبنان اليوم ما يمتلكه من أوراق قوية لتجنب الأسوأ، باستثناء نجاح الجهود القطرية والعربية في وقف إطلاق النار. وهو اليوم يحاول استثمار نقطتين أبدى فيهما حزب الله جانباً من الليونة: وقف القتال بمعزل عن جبهة غزة، والتزام القرار 1701.

وأرسلت بيروت إشارات واضحة إلى القوى الدولية والإقليمية في المنطقة تؤكد الرغبة في التعاون، لعله يخرج من عنق الزجاجة. ويبدو أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومعه رئيس المجلس النيابي، يراهنان على أن تقليص حجم الضربات على الضاحية الجنوبية في الأيام الأخيرة ربما يشكل بصيص أمل.

لكن رهان لبنان لا يبدو في محله، لأن موافقة حزب الله على وقف حرب الإسناد كانت كافية لإرضاء إسرائيل في الأشهر الأولى من حرب الإسناد، لكن الوسطاء تبلّغوا من نتنياهو مؤخراً أن وقف الحرب وحده لم يعد كافياً، وأن ما بات مطلوباً حالياً هو أكبر بكثير من وقف النشاط الحربي. وهو يختصر بنزع سلاح الحزب وحلفائه تماماً، لئلا يشكل في أي يوم في المستقبل خطراً على إسرائيل، كما شكلت حركة حماس خطراً عليها يوم 7 أكتوبر 2023. ويعني ذلك تطبيق القرار 1701 بكامله.

وهناك قناعة إقليمية بأن إسرائيل وحزب الله يخبئان النيات الحقيقية التي يريدانها من القرار 1701. فحزب الله لا يقبل من هذا القرار، في أقصى الحدود، أن يتجاوز التوازنات التي كانت قائمة في الجنوب ولبنان كله قبل 8 أكتوبر 2023، أو قبل انتشار مقاتليه في المنطقة المحاذية للحدود.

يعمل الإسرائيليون على نشر فكرة أنهم لن يوقفوا الحرب قبل تدمير السلاح، أو المساهمة في الحراك الداخلي المتزايد الداعي لنزعه.

أما مسألة إمساك الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية وحدهما بأمن المنطقة الحدودية وحتى جنوب الليطاني، فقد بقيت إشكالية لبنانية داخلية طوال عقدين من الزمن. لكن أزمة القرار 1701 الحقيقية تكمن في أنه يقضي بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها القرار 1559 الذي ينص على تولي الجيش وحده مسؤولية الأمن في لبنان كله، لا في الجنوب فحسب.

وهذا يعني أنه يشجع عملياً على نزع سلاح حزب الله بشكل كامل، وتحديداً السلاح الدقيق والنوعي، وهو ما يرفضه حزب الله بكل ما يملك من قوة، ويعتبره مسألة حياة أو موت.

يعمل الإسرائيليون على نشر فكرة أنهم لن يوقفوا الحرب قبل تدمير السلاح، أو المساهمة في الحراك الداخلي المتزايد الداعي لنزعه. وهم يتلقون في ذلك دعماً من واشنطن التي ترفض ضرب الأحياء الآهلة والمرافق الحيوية في لبنان، لكنها تدعم الهدف الإسرائيلي المتمثل في القضاء على سلاح حزب الله. والموقف يعبر عنه الأميركيون في كل النقاشات الدائرة دبلوماسياً مع أطراف فاعلة في الشرق الأوسط.

وكذلك يطالب الفرنسيون بتنفيذ جدي للقرار 1559، لكنهم يفضلون أن يتم ذلك عبر التفاوض الداخلي والخارجي، وليس عبر الحرب والدماء. لكن الخشية الأكبر أن يكون نتنياهو وفريقه في صدد منح لبنان مهلة قصيرة، في الوقت المستقطع لحسم الخيار تجاه إيران، لكي يعلن حزب الله موافقته على التنفيذ الكامل للقرارين 1701 و1559، وإلا فإن الحرب ستستأنف تصاعدياً.

وهناك اعتقاد أن تركيز العمليات الإسرائيلية على بيروت الكبرى، والبقاعين الغربي والشمالي، هو أحد أبرز المؤشرات على أن نتنياهو أسقط القرار 1701 من حساباته. وبدأ يتجه لترسيخ أمر واقع جديد على الأرض، غايته ضرب مخزون الأسلحة لدى حزب الله، وتفكيك بنيته العسكرية، وخاصة الصواريخ البالستية والدقيقة، وبعضها موجود في البقاع.

الحديث عن اليوم التالي للحرب بات أبعد مما يتصوره أحد، وإن تم ربط مصيره بما يمكن أن يقود إليه الرد الإسرائيلي على إيران والرد على الرد، والذي قد لا يكون حاسماً.

لكن الأهم، وما هو غير معلن من قبل الإسرائيليين، هو الانتقال إلى مرحلة التصفيات ضد شخصيات مفصلية في الحزب، وتدير ملفات داخلية ترسخ حضور الحزب الداخلي. وهذا الأمر ظهر باغتيال رئيس وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، ما يعني أن الإسرائيلي مصر على المساهمة في إحداث تغييرات عميقة في دور الحزب السياسي وليس العسكري فقط.

والاغتيال يدلل أيضاً على أن نتنياهو يريد قطع وإغلاق أي قناة اتصال مع المجموعات الأمنية التي يديرها صفا في سوريا، والتي بدأت تتحدث عن تململ بعد الإخلاءات الحاصلة في القصير وريف دمشق، ما يدل على التمسك الإسرائيلي بمسألة تحجيمه وإنهائه عسكرياً، على أن يُترجم ذلك بالمعنى السياسي من خلال تغيير الوقائع السياسية أو موازين القوى في لبنان وسوريا.

ورغم ذلك، يسعى الحزب للتأكيد على أن الأمر يتعلق بمجريات المعركة الميدانية، وخصوصاً العملية البرية وإمكانية حزب الله للتصدي لها، لأن الحزب لا يزال يشير إلى أجواء متقدمة حول قدراته في المعركة البرية. لذا فإن محاولة اغتيال وفيق صفا، إشارة إسرائيلية إلى الانتقال نحو مرحلة جديدة قد لا تكون محصورة بشخصيات عسكرية أو أمنية داخل الحزب، إذا ما طالت نواباً وقيادات في ملفات أكثر سياسية.

في المقابل، توسعت المخيلات بحثاً عن السيناريوهات المقبلة، وبدت المحاولات متعددة من أجل مقاربة جديدة للأزمة تبدأ بمساعي انتخاب رئيس للجمهورية ليتولى ترميم المرحلة واستيعاب حالات الإحباط المتوقعة. في ظل عدم القدرة على تطويق وإنهاء الحرب بكل مظاهرها بعد القرار بالمضي بحرب الإسناد، برعاية إيرانية مباشرة، بعدما انغمست إيران فيها على ساحتي لبنان واليمن وإدارة الشؤون الحزبية، وخصوصاً الشق العسكري منها.

من هنا تغيرت معطيات عدة ربطت بين ما يمكن أن تقوم به قيادة حزب الله، وما نشأ على هامشها من مواجهة إسرائيلية ـ إيرانية مباشرة، دفعت إليها الضربات المتبادلة، وآخرها الصواريخ الإيرانية البالستية البعيدة المدى رداً على اغتيال عدد من القادة اللبنانيين والفلسطينيين في طهران والضاحية. فباتت المواجهة في حاجة إلى من يعالجها على المستوى الدولي.

وعليه، ظهر واضحاً أن الحديث عن اليوم التالي للحرب بات أبعد مما يتصوره أحد، وإن تم ربط مصيره بما يمكن أن يقود إليه الرد الإسرائيلي على إيران والرد على الرد، والذي قد لا يكون حاسماً. وإن ربطت مواعيد الحل بالانتخابات الأميركية قد لا يكون ذلك كافياً، إن كانت الحاجة ماسة إلى أن تمسك الإدارة الأميركية الجديدة بزمام الأمور مطلع السنة المقبلة. ولذلك، فقد طوي البحث عن اليوم التالي على قاعدة ما يمكن أن يأتي به العام التالي.