إيران وإسرائيل.. والتعويل على تفاهمات بوتين - ترامب

2024.11.17 | 02:52 دمشق

sdf
+A
حجم الخط
-A

ما تزال الحرب تتصاعد ميدانياً بين حزب الله وإسرائيل، حيث تتزايد حماوة المعارك وتستخدم في الميدان أسلحة نوعية جديدة، فمن جهة تعمل إسرائيل على رفع مستوى الاستهداف في قرى الجنوب اللبناني من جهة، ومناطق الضاحية الجنوبية لبيروت وبعلبك من جهة أخرى، في ظل الإعلان عن مرحلة ثانية في الجبهة البرية، بالتوازي أدخل حزب الله أسلحة نوعية في المعركة، لتصل لاستهداف محيط هيئة الأركان الإسرائيلية ووزارة الحرب.

وهذا التسارع في حدة المعارك دفع المراقبين والمحللين لمعرفة أسباب هذا التطور، إن كان مرحلة متطورة في المواجهة، أو في إطار التفاوض تحت النار، لفرض وقائع تفاوضية وسياسية جديدة على الظرف السياسي الجديد في الشرق الأوسط.

بالمقابل كان لافتاً أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قد أعلن عن فريق عمله الجديد، والذين تجمعهم صفة واحدة وهي أنهم أقرب إلى إسرائيل في الفكر والسياسة، إلى درجة بدا فيها ترامب بينهم وكأنه أقل حدة، وأبرز ملامح شعارات هذا الفريق الموقف الحاد تجاه مؤسسات أممية، ومطالباتهم في تعديل مهام حلف الناتو، والعلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك العلاقة مع الصين، والأهم مواقفهم المنحازة لإسرائيل في ملفات الشرق الأوسط، ومن المفترض أن يستكمل ترامب تعييناته على الوتيرة نفسها، أي طاقم صلب وأكثر تشدداً تجاه خصوم واشنطن.

واللافت في تعيينات ترامب هو تعيينه مبكراً لمبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط وهو رجل الاعمال والمصرفي "ستيفن ويتكوف"، والذي يتبنى نظرية أن المشاريع والصفقات التجارية هي التي تمنع الحروب والصراعات، ما يعني أن إسراع ترامب في الإعلان عن اختيار مبعوثه الإقليمي يدلل على الجدية في الإعلان عن ملامح سلوك الإدارة في الشرق الأوسط، والأهم من ذلك الإعلان أنه بدأ حراكه بالمنطقة لوقف الحرب الدامية المستمرة منذ أكثر من عام.

وهذه الخطوة تؤشر إلى أن مستشار بايدن لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين أصبح ملزماً بالتنسيق مع ويتكوف، وإلا أصبحت من دون فائدة. وهو ما قد يكون هَدَف إليه ترامب وسط ما يُحكى عن ورقة تسوية يعمل هوكشتاين على تحقيقها.

وعليه لا بد من استشراف سياسة أميركية ضاغطة فور دخول ترامب إلى البيت الأبيض برفقة هذه المجموعة السياسية المحيطة به، وبالتالي لا بد من توقع سعي ترامب إلى فرض تسوية سياسية تكرس معادلة شرق أوسطية جديدة، ولكن بعد إطالة أمد الحرب لأسابيع أو ربما لأشهر إضافية، تصل للثلث الأول من العام المقبل.

وقد لا يكون السبب الوحيد لذلك السعي لإفساح المجال أمام إسرائيل لتحقيق نقاط ميدانية، وبهدف تعزيز موقعها التفاوضي، بل أيضاً لتأمين الظروف الإقليمية والدولية المؤثرة وإنضاجها، لإنجاح ولادة تسوية تقف على أرض صلبة وثابتة، لإظهار ترامب أنه جلب اتفاقاً سياسياً مهماً لمنطقة تشوبها الصراعات والحروب والنزاعات.

لكن الأهم والأبرز كانت زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلية رون دريمر، والأكثر ارتباطاً بنتنياهو، لواشنطن، بعد زيارة مطولة لموسكو، وهذه الزيارة تأتي عقب زيارة أجرتها وفود أمنية وعسكرية إسرائيلية وروسية باتجاه موسكو – تل أبيب، وهذه الزيارات التي شهدت اجتماعات موسعة، كانت تتناقش في ثلاث ملفات رئيسية: أهمها الواقع الميداني في سوريا، وملف تبادل الاسرى بين حماس وإسرائيل، إضافة للملف اللبناني.

والأهم أن الإعلام الإسرائيلي تقصد تسريب مضامين اللقاءات التي تتحدث عن طلب تل أبيب من موسكو بالعمل على لعب أدوار أساسية في جنوبي سوريا أولاً في ظل توافد عناصر وميليشيات مقربة من إيران وضبط إيقاعها، والأهم أن إسرائيل تطمع بدور روسي بضبط حركة الحدود بين لبنان وسوريا ومنع تهريب الأسلحة لحزب الله وحماس وفصائل أخرى في لبنان،  في مقابل أن تعمل إسرائيل على لعب دور متقدم في التفاوض الروسي – الأميركي.

والأكيد أن بوتين الذي يعول على وصول صديقه التاريخي للبيت الأبيض مهتم بزيادة حجم الأدوار الموكلة إليه مقابل رفع العقوبات الدولية عن بلاده، وهي تعتبر نفسها ممر إلزامي لأي اتفاق إقليمي، لتعديل موازين القوى الميدانية القائمة الآن، وتكريس معادلة جديدة. والأهم أن موسكو تريد أن تشمل الصفقة سلة متكاملة تطاول الملف الأوكراني.

بالمقابل فإن الغاية الإسرائيلية هي إحراز تقدم وفوز كامل على حزب الله وحماس ومن خلفهما إيران، فيما تسعى واشنطن في الوقت نفسه إلى إنهاء كل أشكال التأثير الإيراني على لبنان وسوريا والعراق (بالحد الممكن) لذلك فإن روسيا تعمل على التحضير ضمن مؤسساتها السياسية والأمنية للائحة أهداف مرجوة من أي تفاهم مع واشنطن.

ولا يخفي الدبلوماسيون الروس في دول المنطقة، أن الأمور ستصب لمصلحة مشاريعهم، بدليل أن الكلام الروسي الرسمي حتى الآن أمام الوسطاء أنها لا تريد فتح نزاع مع إيران، وهو ما يجعل دورها الضابط للإيقاع مهمة شاقة، لكنها تكون ناجزة إذا كانت صفقة ترضي إيران ولا تنزع الشرعية الإقليمية عنها.

وقد تكون التسوية الشاملة التي تفكر عنها بها روسيا تتضمن إدخال طهران فيها من خلال ترتيب الملف النووي وإطلاق عجلة المفاوضات التي تفضي لرفع العقوبات الأميركية والسماح باستعادة الأموال المجمدة في مصارف أوروبية، ووفق ما أوحى به ترامب، فهو قد لا يمانع باتفاق نووي جديد مع طهران، شريطة منع تسليح حلفائها في الشرق الأوسط ودول أخرى.

لكن الأهم هو موقف إيران وسلوكها المحتمل أمام لعبة الصفقات، وتحديداً أمام موسكو التي بدأت تتباين معها في سوريا، ورفض موسكو استخدام طهران لأسلحة نوعية روسية في معركة الدفاع عن أمنها أمام الضربات الإسرائيلية المتتالية، وهو ما يوحي أن الصفقة الكبرى التي يعمل عليها ترامب في الشرق الأوسط، بحاجة لإنضاج أكبر ورفع الضغوط للحد الأقصى، وعليه فإن الذهاب في اتجاه الخطوات التنفيذية لإنضاج بنود التسوية سيحتاج إلى بدء ممارسة إدارة ترامب لمهماتها رسمياً، أي عملياً حتى الثلث الأول من 2025.