مؤتمر باريس.. المشاغبة الأميركية على طموحات فرنسا

2024.10.25 | 04:35 دمشق

آخر تحديث: 25.10.2024 | 04:35 دمشق

مؤتمر باريس
+A
حجم الخط
-A

على أصوات المدافع وفوهات البنادق، ينعقد مؤتمر باريس للبحث في تأمين الدعم للبنان، بالتزامن مع الاتصالات الجارية على المستوى السياسي والجهود الدولية لتأمين التسوية المطلوبة لإرساء هدنة مستمرة وطويلة الأمد، والمساعدة، بدءاً من إجراء الاستحقاق الرئاسي، وعلى عكس ما جرى مع غزة، فقد بات واضحاً أن مؤتمر باريس هو مؤشر فعلي أن لبنان ليس متروكاً، وهي الرسالة الأهم التي يحملها انعقاد المؤتمر في ظل التباين الإسرائيلي – الفرنسي.

لكن بالتوازي فإن المؤشر الأبرز في مسار التطورات الإقليمية هي حالة الصراعات الصامتة داخل محور الممانعة، وخاصة في ظل التباينات بين إيران وحزب الله من جهة، وبين نظام بشار الأسد في دمشق ومن خلفه روسيا من جهة أخرى، والتي باتت تعبر عنه بشكل أكثر وضوحاً.

وبدا أن حزب الله ومن خلفه كل المؤيدين للخط السياسي الذي يسير به، يعيشون صراعاً حيال البرودة السورية التي يبديها الأسد، والتي يدفع ثمنها حزب الله وحماس، بعكس ما كان عليه الوضع في حرب العام 2006، حين وفر النظام لحزب الله جزءاً من مقومات الصمود العسكري والاجتماعي.

وفي تموز الماضي، وبعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، أوفد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستشاره العسكري وأمين مجلس الأمن القومي سيرغي شويغو إلى إيران، بهدف تحييد سوريا وعدم إشراكها في أي رد انتقامي تخطط له إيران، وقبل ذلك كان بوتين قد تفاهم مع الأسد على عدم التورط في تداعيات الحرب التي اندلعت في غزة.

لكن التباين بلغ ذروته مع بدء الحملات الجوية الواسعة على حزب الله في لبنان، يومها جرى كلام عن استهداف مقرات الفرقة الرابعة السورية، والتي يقودها ماهر الأسد. وأبلغت إسرائيل القيادة في موسكو تحذر فيها من أي تورط للأسد في الحرب الدائرة في لبنان، وحتى بعدم السماح باستخدام الأراضي السورية لمهاجمة إسرائيل.

وهذه الرسالة الفجة، انطوت على رسالة أبلغ وأشمل عبر قصف معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا، بعد أن كانت قد استهدفت معبر القصير الخاضع لسيطرة حزب الله. وسمع وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته الأخيرة لدمشق والتي تلت محطة بيروت، موقف سوريا بالنأي بنفسها عن النزاع الدائر في لبنان، وهذا الموقف بدأ نواب وكوادر حزب الله لا يخجلون من الحديث عنه.

في هذا المسار يستغل الإسرائيليون أي فرصة لتنفيذ ضربات أقوى وأقسى، خصوصاً في ضوء التحضير لتنفيذ الرد المنتظر على إيران، في حين تحاول واشنطن تخفيف حدة هذا الرد، والاتفاق على خطوط عريضة مع نتنياهو بعدم استهداف المنشآت النووية والنفطية. كل ذلك يبقى غير محسوم، وخاصة أن نتنياهو يستخدم السياسة نفسها التي استخدمت في الحرب الضروس على قطاع غزة.

وفي حين تواصل إدارة بايدن تحركاتها ومساعيها في سبيل وقف إطلاق الحرب وإتمام صفقة الأسرى في غزة، وصفقة تعديل الـ1701 في لبنان، وخاصة عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار، إذ سعت واشنطن عبر كبار مسؤوليها إلى إقناع حكومة نتنياهو بضرورة الاعتماد على خطة اليوم التالي لإنجاز صفقة التبادل، على اعتبار أن حماس باتت أضعف من السابق.

ومن هنا كان الشغب الأميركي على مؤتمر باريس يندرج في إطار الترتيب الزمني للتحولات، وخاصة أن هنالك محطات يجب إنجازها قبل الدعوة إلى عقد المؤتمر لكي يصبح منتجاً ومثمراً.

لكن الأهم هو حالة التباينات التي بدأت تتكشف ما بين إدارة بايدن وباريس، حول الملف اللبناني، وهو ما يفسر خفض مستوى المشاركة الأميركية في مؤتمر دعم لبنان على الرغم من أن الدعوة كانت قد وُجهت إلى وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الذي يجول في المنطقة وإسرائيل.

وقد فُسّر ذلك بأنه في إطار الاعتراض الأميركي المستمر لمبادرات إثبات الحضور التي تقوم بها إدارة ماكرون، صحيح أن جولة وزير الخارجية الفرنسية والتي كادت أن تحقق تقدماً حاسماً أجهضتها زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لبيروت.

إلا أن هنالك من يعتقد بأن زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين جاءت لتقطع الطريق على الورقة التي أعدتها فرنسا حيال تصورها للحل في لبنان، ولتستبق مؤتمر باريس بالمشاغبة عليه، وما عزز هذا الاعتقاد أنّ مهمة هوكشتاين الأخيرة لم تحمل جديداً حقيقياً يسمح بتحقيق خرق في مسار الأحداث، وبالتالي يستوجب حصولها قبل أسبوعين من موعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ومن هنا كان الشغب الأميركي على مؤتمر باريس يندرج في إطار الترتيب الزمني للتحولات، وخاصة أن هنالك محطات يجب إنجازها قبل الدعوة إلى عقد المؤتمر لكي يصبح منتجاً ومثمراً. عبر إنجاز التفاهمات السياسية في لبنان وغزة، وفي طبيعة الحال سوريا، ومن ثم تحديد الصيغة النهائية للتسوية في جنوبي لبنان، لكي تصبح النتائج قابلة للتطبيق.

بالمقابل فإن أطرافاً عربية تعتبر أن اندفاعة فرنسا هي بهدف حرصها على حجز دورها الأساسي للمرحلة المقبلة، خصوصاً أن العمل القائم هو تحديد مساحات حضور اللاعبين الإقليميين في المنطقة، إذ تدرك باريس أنها تلقت ضربات كبيرة خصوصاً في أفريقيا وبعض دول آسيا، وأنها تطمح لتركيز ما تبقى من نفوذ خارجي لها عبر المياه الدافئة في البحر المتوسط، حيث صراعها المستمر والدائم مع الأتراك والذي يستمر بشكل صامت.

عليه فإنه لا رهان كبيراً على مؤتمر باريس، ولا توقعات متفائلة بأن يكون مدخلاً واضحاً لوقف إطلاق النار، خصوصاً مع سعي الجانب الإسرائيلي إلى قطع الطريق أمام فرنسا وأوروبا للعب أي دور في المفاوضات، إلا أن لبنان ينتظر مشاركة أميركية فعالة. لكن العاملين على خط التحضير للمطالب اللبنانية بدأوا بالتشكيك حول إمكانية أن تفي الدول المشاركة بالتزاماتها تجاه ما سيصدر عن المؤتمر. في ظل الهروب الغربي من إدانة إسرائيل على جرائمها المتمادية بحق لبنان، بعد صمت طويل على مستوى الإبادة التي تحصل في غزة والضفة ومشاريع التهجير.