من دون مقدمات أعلنت الملحقية الثقافية في القنصلية الإيرانية بحلب عن مسابقة بعنوان "نصر قريب"، وفتحت باب المشاركة فيها لعشرة أيام، ومثلها لإجراءات التحكيم، ثم وزّعت الجوائز في الثاني من هذا الشهر في حفل نظمته في خيمة نُصبت ضمن حرم القنصلية.
في كلمته الافتتاحية، قال المسؤول الثقافي في القنصلية إنّ هذا الاجتماع "ذريعة للالتقاء والتعرف إلى بعضنا"، أمّا القنصل، نواب نوري، فصرح أن المهرجان "لدعم المقاومة من قبل الفنانين في حلب".
وفي الإعلان الذي نشرته القنصلية أوضحت أن المحاور العامة لمواد المهرجان هي: فلسطين منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، وفكر المقاومة الإسلامية ومحاربة الصهيونية، واستراتيجيات المقاومة عبر الزمن، والمقاومة ونصرة المظلومين، والمقاومة من أجل السلام، ودور المرأة في المقاومة، وعظمة طوفان الأقصى، وشهداء طريق القدس.
وبيّنت أن الإسهامات المطلوبة تتوزّع على أربعة محاور؛ أدبي وفني وإخباري وإبداعي.
ويبدو أن ما يقرب من مئتين من المشاركين، بحسب إحصاءات الجهة المنظمة، كانوا مستعدين بموادهم المتوافقة سلفاً مع معايير المسابقة، أو قابلين لإنجازها في الوقت القصير المتاح؛ بقدر ما كانت القنصلية جاهزة لإعداد الديكورات وشهادات التقدير ولجان التحكيم بما تيسر.
ووضعت نصب عينيها تأليف أكبر عدد من القلوب بتفريع المحاور إلى حقول، لكل منها ثلاثة فائزين، وربما أربعة إن قررت اللجنة منح الجائزة الأولى لاثنين تكراراً من دون مناصفة، ليحصل كل منهما على مبلغ الدرجة كاملاً، وهو مليون ونصف مليون ليرة للأول، أي ما يزيد قليلاً على مئة دولار أميركي، كما يقول الإعلان الذي يوضح أن إمكانية المشاركة تبدأ من عمر الخمس سنوات وتصل إلى الطلاب والخريجين والأساتذة الجامعيين والباحثين والشعراء والكتّاب والمثقفين والشيوخ.
لم تعلن القنصلية قائمة الفائزين بالمسابقات، لكن التبريكات والأخبار ومقاطع الفيديو الشخصية دلّت على أن الجوائز المتطايرة وقعت على أهلها من وجهة نظر المهرجان، فقد فاز أنطوان بصمه جي، مدير مكتب جريدة "تشرين" في حلب، بالمركز الأول في التحرير الصحفي كما هنأته صفحة "السوريون الأرمن" على فيس بوك.
وحاز المسؤول في العمل الشبابي في "حزب البعث" الجائزة الأولى في البحث العلمي من قبل لجنة في إيران، ونالت مراسِلة "إذاعة دمشق" في حلب المركز الثاني في القصة القصيرة، كما أحرز موظف الغرافيك في القنصلية نفسها المركز الأول في التصميم الغرافيكي، مهدياً فوزه إلى "سماحة القائد المجاهد الشهيد السيد حسن نصر الله. عهداً منّا أن نستمر على نهجك".
وهو ما فعله جمال طرابلسي، المحكّم في لجنة القصة والفائز، في الوقت نفسه، بالمركز الأول في الشعر، حين أهدى قصيدته "الحزن المضيء" إلى "الشهيد المناضل الأممي الشيخ حسن نصر الله قدس الله سرّه ولكلّ شهداء القضيّة"، مضفياً لمسة علمانية تتناسب مع موقعه السابق كمدير لمكتب "المقاومة السورية" في حلب، وهو فصيل موال عُرف بسبب قائده المنشق التركي معراج أورال الذي أسّسه باسم "الجبهة الشعبية لتحرير لواء إسكندرون"، واتهم بارتكاب مجازر.
وهذه بالذات، أي سيرة المجازر، ما يريد أن ينساه أمجد بري، الذي سبق أن روى بتأثّر قصة صدام عائلته الشهيرة الدامي مع الجيش الحر في أول دخوله إلى حلب، قبل أن يؤسّس جمعية ثقافية فنية رياضية باسم "بيت القصيد" ويحصل على الجائزة الأولى في القصة القصيرة في مهرجاننا هذا، كما حكمت لجنة يترأسها ناقد ستفوز إحدى قريباته بالمركز الأول في حقل الرسم.
في المحور الإبداعي، الذي ضبطته لجنة تحكيم واحدة، فازت متسابقة بعينها في المركز الأول عن فئة الخط، والثاني عن الرسم، والثالث عن الصناعات الإبداعية.
وعلى الرغم من أن اللجنة قرّرت منح جوائز الرسم لخمسة متسابقين بدلاً من ثلاثة فقد ارتجلت كذلك مسابقة رسم خاصة للأطفال، وقرّرت عرض كل منتجات "المحور" في الفناء، فكانت، كما قال تقرير قناة "العالم-سورية" الإيرانية مادحاً مباشرتها الحميدة في ظنه، أعمالَ مَن "وضَع بيكاسو وفنه جانباً"، والتفت إلى رسم رموز كرسوا حياتهم لأمتهم، في حين أن الكاميرا تُظهر بورتريهات لقاسم سليماني وحسن نصر الله.
لم يقتصر التنافس على الأفراد، ففي حلب اليوم تجمعات ثقافية ناشئة تائهة تزجي وقت أعضائها القلائل بمستوى معيّن من الأنشطة تجعلهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا..
غير أن الاستسهال لم يكن الطريق الأمثل برأي الفائز بالمركز الثالث في فئة الشعر، طالب الحقوق الذي أصدر مؤخراً ديواناً أول حمل اسمه مرتين "مهنديات عاشق"، إذ يقول إنه أيقن اليوم "أنك إن تعبت ستحصد تعبك ومهما شقيت ستحصد ثمار بذل جهدك وكدك وسهرك الليالي".
وكان قد أنشد، في قصيدته العمودية "قدس" التي قدّمها للمهرجان: "وبعد الليل يبزغ نور فجرٍ/ ويعقبُ فجرنا أمل وشمسُ // أخي يا أيها العربيُّ صحواً/ وحاذر ما يُحاكُ وما يُدَسُّ"، مستحقاً تهنئة أبناء حارته في صفحة "حي المشارقة وتوابعها".
ولم يقتصر التنافس على الأفراد، ففي حلب اليوم تجمعات ثقافية ناشئة تائهة تزجي وقت أعضائها القلائل بمستوى معيّن من الأنشطة تجعلهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، مثل جمعية "بيت القصيد" التي أعلنت عن سعادتها لأنها "حصدت" اثنتي عشرة جائزة في المهرجان هي حصيلة مشاركات أعضائها، و"درع التميز" الذي نالته كجمعية.
غير أن زميلة لها تدعى "القيثارة"، برئاسة منظّم حفلات هو أحمد النعيمي، قالت إنها جنت عدداً أكبر من الجوائز فضلاً عن حصولها على "درع التكريم" كأفضل جمعية مشاركة، أما جمعية "العقل المشع" فلم تستطع أن تنافس إلا بفائز وحيد بجائزة التصوير عمِل، من بين أشياء كثيرة، مراسلاً حربياً.
في كلمة المسؤول الثقافي في القنصلية قال إن أهم أسباب تنظيم المهرجان "أداء التكليف تجاه محور المقاومة"، الذي يمر بظروف صعبة جداً.
وفي الحقيقة إنه من معالم صعوبة الموقف أصلاً اقتصار الأعلام المنصوبة خلف المسؤول الثقافي على ستة؛ علم بلاده، وأعلام فلسطين ولبنان والعراق واليمن، وسوريا التي أقيم الحفل في خيمة طارئة على أرضها ولم تمنحه قاعة رسمية معتبرة في إحدى مؤسسات الدولة التي زعم الإيرانيون أنهم قاتلوا سوريين للمحافظة عليها!