تواجه حرفة "الموزاييك الدمشقي" (فن تطعيم جزيئات الخشب المختلفة بالصدَف) خطر الاندثار، في ظل عدم توافر المقومات الأساسية لصناعة "الموزاييك"، بسبب ارتفاع تكاليف صناعتها إلى عشرات الملايين، خاصة أن إعداد القطعة الواحدة يحتاج من أسبوعين إلى شهر، إضافة إلى تراجع أعداد العاملين بالحرفة، بعد هجرة غالبيتهم إلى خارج البلاد خلال السنوات الماضية.
نظام الأسد اعترف بأن حرفة "الموزاييك الدمشقي" تواجه خطر الاندثار، في ظل عدم وجود شبان يرغبون في تعلم الصنعة، خاصة أن الموجودين حالياً أصبحوا من كبار السن الذين توقفوا عن العمل، وفق ما نقلته صحيفة تشرين الرسمية لدى نظام الأسد عن شيخ كار حرفة الموزاييك الدمشقي، فؤاد عربش.
سوق باب شرقي للموازييك خال من الزبائن
موقع تلفزيون سوريا زار سوق "باب شرقي" في العاصمة دمشق، والذي بدا خاليا من الزبائن، فيما كانت البضائع تملأ الرفوف، إذ تقف أسعار قطع "الموزاييك الدمشقي" عائقاً أمام الراغبين باقتنائها، إذ يتراوح سعر القطع التي اعتاد الناس شراءها كهدايا بين 60 إلى 80 ألف ليرة سورية.
التقى "تلفزيون سوريا" مع "أبو شادي" صاحب أحد المحال في "باب شرقي"، وحدثنا عن معاناة حرفيي "الموزاييك الدمشقي"، في ظل ما تشهده سوريا في السنوات الأخيرة، مؤكداً أن أساسيات صناعة "الموزاييك" غير متوفرة، بسبب فترات التقنين الطويلة، إذ لا يمكن للحرفيين استخدام "الشلة" وهي جهاز قطع الخشب الكهربائي لإظهار الرسومات والأشكال الهندسية.
وأضاف: "لم أعد قادراً على تطويع الخشب، بدون اعتمادي على الآلات الكهربائية، بسبب تقدم العمر".
وبين أنه يعمل وحده في الورشة داخل المحل لكونه غير قادر على تحمل تكاليف جلب عامل، بسبب ارتفاع الأجور، التي يمكن أن تصل إلى أكثر من 200 ألف ليرة في الشهر، مشيرا إلى أن محله لا يمكنه تحمل مثل هذه التكاليف في ظل انعدام حركة البيع.
الاعتماد على الأخشاب المستوردة
وأشار إلى أن سوق صناعة "الموزاييك الدمشقي" يعتمد في الوقت الحالي، على الأخشاب المستوردة من الصين، كما تنتشر في الأسواق أصناف من "الموزاييك" مصنوعة من الأخشاب الصناعية "MDF".
وتابع: "كنا نستطيع صناعة بعض الأثاث كالصناديق وساعات الحائط الخزفية والطاولات بلوني الخشب البني الغامق والفاتح بعد أن كنا نصنعها بألوان عديدة عن طريق خشب الجوز والكينا والليمون والسرو والمشمس".
هجرة أصحاب المهن إلى خارج سوريا
وأكد أن معظم ورشات صناعة "الخزفيات والأنتيكا والنحاسيات والسيوفية"، أغلقت أبوابها بسبب هجرة أصحابها، أو بسبب الغلاء وانعدام حركة البيع وتراجع السياحة في البلاد، موضحاً أن معظم المحلات الموجودة في السوق تعتمد حالياً على القطع الفنية المستوردة من الصين، حيث يبيعها التجار على أنها "شرقيات" وإنتاج محلي، بعد أن آلت معظم الحرف اليدوية للسقوط في البلاد.
وعن سؤال "تلفزيون سوريا" عن طبيعة الزبائن، أفاد "أبو شادي" بأن البيع يقتصر على التذكارات الدينية للحجاج الإيرانيين واللبنانيين والعراقيين (المقربين من الميليشيات الإيرانية)، مضيفا: "تحولنا من محلات تبيع التراث السوري إلى محلات لبيع التذكارات الدينية التي لا تمت لهويتنا بصلة".
وأشار إلى أن حرفة "الموزاييك" انتشرت في دمشق لقربها من الغوطة حيث ساعد تنوع الأشجار في الحصول على ألوان مختلفة للأخشاب، حيث يستخدم خشب الجوز للون الأسود، والليمون للون الأصفر، والكينا للأحمر، كما يمكن صبغ خشب الحور للحصول على الألوان المطلوبة.
ويعتبر "الموزاييك الدمشقي" من أقدم المهن العريقة التي اشتهرت بها مدينة دمشق، من خلال تطعيم الخشب بالصدَف أو ما يسمى "الموزاييك"، ووصلت صادرات سوريا من "الموزاييك" إلى الأسواق الخارجية قبل عام 2011، إلى نحو 100 مليون ليرة (ما يعادل مليوني دولار حينذاك)، وفق إحصاءات رسمية.