تظهر محاولات السوريين من المغتربين واللاجئين لإسعاد ذويهم في الداخل السوري مع اقتراب عيد الأضحى، ولا سيما أولئك الذين لم يروا عائلاتهم وأصدقاءهم منذ سنوات طويلة نظراً لكونهم مطلوبين للنظام من أجل الخدمة الإلزامية أو حتى بسبب معارضتهم للنظام.
الأمر الذي دفع عدداً كبيراً منهم إلى عدم الاكتفاء بتحويل مبالغ مالية للأهل والأصدقاء، بل أيضاً رغبوا في تقديم أشياء ذات قيمة معنوية كالهدايا والحلويات أو الأضاحي.
وقد انتشرت في الآونة الأخيرة صفحات على الفيس بوك وحسابات على الإنستغرام معنية بتنسيق الهدايا وترتيبها داخل سوريا، وتحديداً في مناطق سيطرة النظام، بما يتناسب مع طلب الزبائن من المغتربين خارج سوريا.
وتنشط هذه الحسابات إلكترونياً خلال المناسبات والأعياد؛ إذ يزداد الطلب على الهدايا وتبدأ المنافسة على تقديم أفضل العروض لجذب الزبائن.
مشاريع شبابية برأسمال بسيط
بدأت مشاريع "الهدايا" بالانتشار إلكترونياً خلال السنوات السبع الأخيرة بالتزامن مع تفتّح أعين الشباب السوري على مفاهيم التجارة الإلكترونية والتسويق الرقمي والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تزايد عدد هذه المشاريع بعد بدء بعض الخبراء في المجال بنقل خبراتهم إلى البقية بإقامة دورات تدريبية عن التجارة الإلكترونية والتسويق على السوشال ميديا وإدارة المشاريع الناشئة.
إحدى الشابات، وهي خريجة اقتصاد وحاصلة على ماجستير في الاقتصاد قررت البدء بمشروعها الخاص منذ عام 2019 عبر إنشاء صفحة على فيس بوك باسم "ساعي الحب" وهي مختصة بتنسيق الهدايا التي يطلبها المغتربون من السوريين وإيصالها إلى أصحابها ضمن دمشق.
المشروع بسيط لكونها كانت تقوم بتنسيق الهدايا بمساعدة والدتها، بينما يقوم أخواها بإيصالها إلى أصحابها. وهو ما يوضح أن مشروعها كما بقية المشاريع إما فردية أو عائلية؛ حيث يبدأ الشاب أو الشابة بتنفيذ الفكرة عبر إنشاء حسابات على منصات التواصل الاجتماعي وتعلُّم أساسيات التسويق Social media Marketing من أجل زيادة الوصول والتفاعل والانتشار على نطاق واسع لتحصيل الزبائن.
وتعاني هذه الصفحات من صعوبات في البدايات حتى تنتشر وتصبح مألوفة بالنسبة للزبائن وموثوقة، الأمر الذي يجعل نجاحها "ضربة حظ" وقد يكون عملها في البدايات قليلاً أو شبه معدوم.
وبسؤال أستاذ التسويق الإلكتروني (جهاد.ع)، أوضح لموقع تلفزيون سوريا أن العديد من الصعوبات تواجه الشباب العاملين في هذه المشاريع عند تأسيسها وقد لخصها بما يأتي:
- موسمية العمل: يزداد العمل في الأعياد والمناسبات مثل رأس السنة وعيد الميلاد وعيد الأم، وعيد الفطر وعيد الأضحى.
- رأسمال صغير: يكون رأسمال المؤسسين غير كافٍ لتطوير مشاريعهم أو تنفيذها في البداية، ما يضطرهم إلى الطلب من الزبون تحويل المبلغ المطلوب حتى يستطيعوا البدء بتنسيق الهدية.
- مشكلات بناء الثقة: يخشى بعض الزبائن أن تكون الصفحات وهمية أو من صفحات النصب الإلكتروني؛ وبالتالي سيخسرون أموالهم إذا حوّلوا المال إليها ولا سيما بعدم وجود ترخيص لهذه الصفحات أو مكان ثابت (مكتب، مقرّ عمل).
بحديثه لموقع تلفزيون سوريا، يخبرنا (فادي عابدين) وهو مغترب سوري يعمل في الإمارات، عن أنه قام بتنسيق هدية لوالدته ووالده قبيل عيد الأضحى، وتتضمن الهدية ملابس لكليهما "كسوة العيد".
يقول (فادي): "تواصلت مع صفحة نشطة على الفيس بوك مختصة بتنسيق الهدايا، ولكوني حوّلت لوالدتي مبلغاً مالياً من أجل شراء اللحمة والحلويات وحاجيات المنزل منذ بداية الشهر الحالي، فقد خشيت ألا تشتري لنفسها ملابس جديدة، فطلبت من الشابة المسؤولة عن الصفحة ما أريد من ملابس لكليهما وقامت بعرض الخيارات المتاحة عبر تصويرها وإرسالها إليّ، فاخترت المناسب منها ثم أخبرتني أن كلفة الهدية كاملة واصلة إلى منطقة باب مصلى هي 3 ملايين و200 ألف".
أما عن طرائق التحويل فتختلف بحسب الزبون، إذ يخبرنا الأستاذ (جهاد.ع) أن تحويل المال هي مسؤولية الزبائن ولا علاقة لمقدّم الخدمة بها. ويتم الدفع من خلال:
- حوالة عبر وسيط (بسعر السوق السوداء) ويكون التسليم باليد
- حوالة عبر شركات الصرافة المرخصة في مناطق النظام مثل الفؤاد والفاضل
- حوالة عبر الويسترن يونيون إلى تركيا ثم إلى دمشق
بينما يوضح (فادي عابدين) أنه قام بالدفع من خلال حسابه البنكي في بنك "بيمو" من خلال التطبيق الخاص بالبنك، وهي من الحالات النادرة التي يتعامل بها السوريون؛ يقول: "معظم السوريين المغتربين ليس لديهم حسابات في بنوك سوريا أصلاً".
ويشرح الأستاذ (جهاد.ع) لموقع تلفزيون سوريا أسباب انعدام وسائل الدفع الإلكتروني في سوريا، بكونها ناتجة عن العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري وعلى البنوك العاملة في مناطقه أو على أصحاب هذه البنوك المحسوبين على النظام.
يقول: "نظام البنوك في سوريا منفصل ومعزول عن نظام البنوك العالمي، فبطاقة البنك في سوريا لا تعمل إلا في سوريا، بينما البطاقات البنكية في الإمارات مثلاً تعمل في أي مكان في العالم. وبطاقة الصراف دورها محصور في سحب المال من الصراف ولا يمكن الدفع من خلالها".
ولا تحصل هذه الصفحات على تراخيص تجارية وذلك خوفاً من فرض الضرائب والرسوم عليها من قبل مالية النظام، ولا سيما أنّها مشاريع فردية صغيرة لا تملك رأسمال كافياً.
ويحتاج ترخيص شركات "الأفراد" أو ما يعرف بشركة الأشخاص محدودية المسؤولية إلى إيداع "تجميد" مبلغ 50 مليون ليرة سورية في البنك، فضلاً عن تكاليف بقية الإجراءات والتجديد السنوي والرسوم.
وبالعودة إلى صاحبة فكرة "ساعي الحب" فقد استطاعت الشابة تأمين مبلغ سفرها إلى ألمانيا "طالعت حق سفرتها" وفق أقوال أحد الزبائن المتعاملين معها، بينما استمرت عائلتها في المشروع نفسه داخل سوريا.
حلويات وأضاحي العيد
تنوعت عروض العيد التي تقدمها صفحات الهدايا على مواقع التواصل الاجتماعي وصارت العروض تتناسب مع المناسبة ومتلقي الهدية ومكانه؛ إذ لم يعد يقتصر الأمر على الشوكولا والأجهزة الإلكترونية كالموبايلات والورود والملابس، بل أصبح متاحاً تقديم وجبة غداء أو منسف أو مستلزمات التنظيف كهدية!.
وقد استطاع موقع تلفزيون سوريا رصد هذه العروض والتواصل مع أحد الحسابات "أبشر Absher Talabat" التي تنشط على إنستغرام وتقدم خدماتها في حلب ودمشق وحمص، رغم كون مؤسسيها من أهالي محافظة حلب.
وبسؤالهم عن عروض هدايا عيد الأضحى، أوضحت المسؤولة عن الحساب (زينة) بأنها تتضمن: الأضاحي، وعروض الوجبات مثل: المناسف، والمشاوي والبيتزا والبروستد والشاورما والكبة والحلويات العربية. إلى جانب عروض تلبي احتياجات العائلة، مثل: سلة الغسيل، السلة الغذائية، سلة اللحوم النيئة، سلة الفطور.
كما أوضحت (زينة) أن أسعار السلّات المطروحة في العرض تتراوح بين 65 يورو ومئة يورو، وكان من الغريب تعاملهم بما يعادل اليورو، في الوقت الذي يتعامل السوريون في أسعارهم بما يعادل الدولار ومن النادر ذكر اليورو في مناطق سيطرة النظام.
تقول زينة: "كلفة السلة الغذائية الكبيرة 97 يورو، أما سلة اللحوم النيئة فبـ 68 يورو... ويتضمن ذلك جميع التكاليف من التنسيق والتوصيل. بعضهم يرغب في دفع زكاة أمواله عبر تقديم سلات غذائية للمحتاجين".
وتذكر (زينة) أن أحد المغتربين في السعودية تواصل معها من أجل تنسيق سلات غذائية متوسطة الحجم والكلفة لتوزيعها على الفقراء، كما طلب منها صوراً للحظات التوصيل والتسليم للمستحقين.
(سليم م) وهو مهندس معلوماتية مقيم في بغداد تحدث لموقع تلفزيون سوريا بأنّه قام بالتواصل مع الصفحة المذكورة آنفاً من أجل توصيل حلويات العيد إلى عائلته في مدينة حلب، على أن تصل إليهم الحلويات أول أيام العيد المبارك صباحاً، يقول: "كلّفني كيلو من الحلويات الناشفة وكيلو من الحلويات العربية ما يعادل مبلغ 72 يورو، قمت بتحويلها إلى حساب بنكي في تركيا تابع لهم، ليتسلّموها هم في حلب، وقد أخبروني بأنها أصبحت جاهزة للتسليم".
العيد لأصحاب الحوالات فقط
لم يعد غريباً على السوريين في الخارج أو الداخل، كون الحوالات المالية التي تصل من المغتربين هي المحرك للاقتصاد، وهي المعيل والمعوَّل عليه في الإبقاء على رمق الحياة لعائلات كاملة في مناطق سيطرة النظام، ولا سيما مع ضعف القدرة الشرائية وكون الأجور التي يتقاضاها الموظفون تنتهي مع أيام الشهر الأولى، كما أنها لا تغطي في أفضل الحالات 2.3 من احتياجات الأسرة.
ومن المتداول على لسان السوريين عندما يمرّون من أمام أحد المطاعم أو المقاهي المزدحمة في دمشق، أنَّ "هذه المظاهر لم نكن لنراها لولا الحوالات الخارجية". وعلى النقيض من ذلك، يعيش من ليس لديه أحد في الخارج حياة الفقر والفاقة، مع غياب مظاهر الفرح والرفاهية عن بيته وأولاده في الأعياد وغيرها.
وصارت عمالة الأطفال مُشرَّعة في دمشق، بينما لجأ كبار السن إلى التسول أو الالتحاق بأعمال مُنهكة رغم مشكلاتهم الصحية وانحناء ظهورهم.
في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، توضح (سوسن) البالغة من العمر 36 عاماً وهي أم لثلاثة أطفال، بأنها انتظرت "العيد الكبير" أي عيد الأضحى حتى تستطيع شراء الملابس لأطفالها، وتكتم (سوسن) غصّتها بينما تقول "حتى العيد بهالبلد صار لناس وناس".
تقول: "لم أستطع أنا وزوجي شراء ملابس جديدة للأطفال في عيد الفطر الفائت، ولا سيما بعد التكاليف الكبيرة التي دفعناها خلال شهر رمضان. وأقنعنا الأطفال بأننا سنشتري لهم في العيد المقبل، ولكنني لم أستطع شراء كل شيء لهم... اكتفينا بشراء بعض القطع البارحة من محال البالة في منطقة كشكول... حتى نكون وفينا بوعدنا معهم".