icon
التغطية الحية

مقدمات لخصخصة القطاع الصحي في سوريا.. كيف سيعالج السوريون بـ 25 دولارا؟

2024.05.31 | 17:18 دمشق

آخر تحديث: 31.05.2024 | 17:45 دمشق

الهيئة العامة لمشفى دمشق ـ AFP
الهيئة العامة لمشفى دمشق ـ AFP
دمشق ـ علي أحمد
+A
حجم الخط
-A

يسعى النظام السوري إلى خصصة القطاع الصحي، الذي يشهد تراجعا كبيراً في المستوى، من حيث جودة الخدمات المقدمة وتوافر المعدات الطبية والأدوية اللازمة، عدا نقص الكادر الطبي نتيجة الهجرة المستمرة إلى خارج البلاد. ورغم ذلك يستمر تقديم الخدمات بالحد الأدنى للمرضى. وأخيرا عانى كثيرون في مشافي الدولة شحا كبيرا في المواد والمستلزمات الطبية إضافة إلى توقف كثير من الأجهزة الطبية عن العمل.

تمهيد لخصخصة القطاع الصحي

وبدأت تصدر تصريحات من مسؤولين في النظام ضمن القطاع الصحي الحكومي تتحدث عن صعوبة الاستمرار في تقديم الخدمات الطبية للسوريين مع تلميح بتغيير أسعار الخدمات المقدمة في مشافي الهيئات المستقلة، حيث انتشر تصريح لمصدر حكومي في جريدة الوطن المقربة من النظام (لم تسمه) للنظام في أواخر شهر نيسان الماضي مفاده أن هنالك مشروع قرار لأسعار جديدة للوحدات الطبية في المشافي الحكومية والخاصة لتشمل أجور العمليات وتكلفة الصور الشعاعية والمعاينات ومختلف الإجراءات الطبية.

وبحسب المصدر نفسه تم تشكيل لجنة من الجهات المعنية تضم نقابة الأطباء في سوريا، حيث درست هذه اللجنة واقع الأسعار تماشياً مع التغييرات الكبيرة الحاصلة في أسعار المواد والتكاليف الطبية، وخاصة أنه لم يطرأ تعديل على أجور الوحدات الطبية منذ عام 2004 باستثناء كلفة التحاليل الطبية التي جرى تعديلها مؤخراً وهذا بخصوص الهيئات المستقلة ذات الطابع نصف الحكومي.

وأضاف المصدر أن كلفة صورة المرنان المغناطيسي لا تتجاوز 15 ألف ليرة سورية في مشافي الدولة في حين تصل كلفتها لما يفوق المليون ليرة سورية في المراكز الشعاعية الخاصة.

ولم تتوقف التصريحات هنا بل تبعه تصريح للدكتور نزار عباس مدير مشفى الأسد الجامعي في دمشق لإذاعة "شام إف إم" حول صعوبة استمرارية تقديم الخدمات الطبية في حال لم تتوفر صيانة للأجهزة وتغيير لسعر الخدمات المقدمة.

وقال موظف من وزارة الصحة التابعة للنظام لموقع تلفزيون سوريا، (طلب عدم ذكر اسمه) إن "هذه كلها مقدمات لخصخصة القطاع الصحي في سوريا وجعل جميع الخدمات الطبية مأجورة وترك هامش بسيط مجاني ولفئة محددة".

وبحسب المصدر "سيتم تغيير الشكل التي تقدم فيه الخدمات الطبية وأجرتها وبالتالي سينعكس ذلك إيجاباً على نوعية الخدمات وتحسينها ولكن ليس بالمجان"، ويرى المصدر نفسه أن هذه الخطوة ستحمّل المواطن السوري عبئاً إضافياً يزيد من صعوبة الواقع الاقتصادي الحالي.

قرارات تخدم الحكومة والمسؤولين

اعتاد السوريون على صدور قوانين لا تصب في مصلحتهم ولا تخدمهم، وفي حال كانت القرارات لخدمة المواطن يتم تطبيقها بشكل عكسي بحيث تخدم حكومة النظام والمسؤولين بدلا عن المواطن السوري.

لكن وفي حال صدقت الشائعات والتمهيدات التي يقوم بها مسؤولون في قطاع الصحة السوري حول خصخصة هذا القطاع، فإن هذا القرار سيعود بنتائج سلبية على المرضى في بلد متوسط الرواتب الشهري فيه لا يصل لـ 25 دولارا وكلفة الصورة البسيطة نحو نصف راتب موظف في المراكز الشعاعية الخاصة. وهذا قد يعرقل علاج المرضى وتقديم الخدمات لهم.

سابقاً، تم استحداث نظام الهيئات المستقلة للمشافي حيث يدفع المريض ضمنها أجوراً رمزية مقارنة بالمشافي الخاصة وكان الغرض منها تقديم الخدمات نفسها وبأسعار أقل، ولكن اليوم هذه الهيئات بقيت على الأسعار القديمة ما قبل 2011 والخدمات المقدمة ضمنها تتراجع جودتها.

الخاسر هم الفقراء

يقول "ماهر" وهو مريض راجع إسعاف أحد مشافي الهيئات وأجري له استئصال زائدة بشكل إسعافي واضطر لشراء أدوية وشاش طبي وكفوف عقيمة خاصة بالعمليات وأنه أيضاً اضطر لدفع مبلغ كبيرا ثمناً لمواد التخدير، ويؤكد أنه لو علم بأنه سيدفع هذه المبالغ كان توجه إلى أحد المشافي الخاصة وحصل على الخدمة المقدمة نفسها ولو اضطر لدفع مبالغ أكبر.

سألنا ماهر عن رأيه في حال التغت مجانية المشافي كلها، فوجد أن الفقراء في هذه الحالة سيموتون بسبب عدم قدرتهم على دفع تكاليف العلاج، "فالفقير يقصد مشافي الدولة ليتعالج مجاناً أو بأجور رمزية، وفي حال زادت هذه الأجور سيتجنب كل الفقراء دخول المشافي لعدم توفر المال الكافي للعلاج" على حد قوله.

"سميرة" سيدة خمسينية (طلبت عدم ذكر اسمها كاملا) وضعها المادي يعتبر دون المتوسط، وأحيانا لا تكون قادرة على دفع أجرة المعاينة البسيطة في مشافي الهيئات المستقلة.

اضطرت "سميرة" الشهر الماضي لإدخال طفلها إلى الإسعاف في أحد المشافي وتضيف أنها "اشترت المحقنة والقثطرة الوريدية وبعض الأدوية وهو ما اعتبرته فوق طاقتها، فكيف سيكون الحال ان اضطرت لأن تدفع أجوراً كاملة لدى دخولها الإسعاف" تقول لموقع تلفزيون سوريا.

هل سيحسن رفع الأجور من جودة الخدمات الصحية؟

قد يجد شخص ما أن قراراً كخصخصة القطاع الصحي سيعود بالنفع على المصلحة العامة وسيحسن من الواقع الصحي في البلاد، يستند أصحاب هذه النظرية إلى فكرة أن عائدات الخصخصة ستزيد من أجور العاملين في القطاع الصحي وستسهم في صيانة الأجهزة الطبية واستمرار توريد المستلزمات الطبية بشكل دائم.

بحسب "سمير" طبيب عامل في القطاع الصحي منذ نحو عشرين سنة، (طلب عدم ذكر هويته)، "حالياً هنالك معاناة كبيرة يعانيها العاملون جميعاً في هذا القطاع وسبب المعاناة هو سوء الوضع الاقتصادي الحالي، ويجد أن تطبيق مثل هذا القرار سيحسن من واقع هؤلاء العاملين خاصة أن الرواتب سيئة جداً، وعند تحسين الدخل الشهري للعامل في المجال الطبي فمستوى تقديمه للخدمة بالطبع سيتحسن".

ويتابع "تخيل أن تعطي ممرضة راتباً شهرياً يوازي 100 دولار شهرياً أو أن تعطيها 20 دولاراً شهرياً فأيهما أفضل من ناحية تحسين الخدمة المقدمة؟".

وبحسب الطبيب فإن واقع الأطباء سيتغير، فعمل الطبيب ضمن مشافي الدولة في حال تطبيق القرار بشكل صحيح هو أفضل من عمله ضمن مشافي خاصة ويحميه أكثر قانونياً في حال تعرض مريضه لأي خطأ طبي، بينما في المشافي الخاصة يتخلى أصحاب هذه المشافي عن الطبيب فور وقوعه في مشكلة.

وعدا تسهيل كل الإجراءات الطبية من صور أشعة وتحاليل، فبدل من أن يضطر الطبيب ليطلب تحاليل من خارج المشفى لعدم توفرها ضمن هذا المشفى، يجريها ضمن المشفى الحكومي ويختصر وقتاً وجهداً وهذا غيض من فيض بخصوص تسهيل العمل وجودته على حد قوله.