في الأيام الماضية، وصلت طفلة يتيمة تبلغ من العمر تسع سنوات، إلى مستشفى المجتهد في دمشق، برفقة جدها بحالةٍ إسعافية بسبب حُماض بالدم الناتج عن فساد أقلام الأنسولين في الجو الحار، ولمن لا يعلم فإن أقلام الأنسولين المسُتَخدمة في علاج مرضى السكري يلزمها مكان رطب وبارد بعيداً عن الحرارة وأشعة الشمس لتبقى صالحة للاستخدام، ما يعني بالضرورة وضعها في براد أو ثلاجة، وهو أمرٌ أشبه بحلمٍ صعب التحقق في بلدٍ تصل فيه ساعات قطع الكهرباء في أحيانٍ كثيرة وتحديداً في الأحياء الفقيرة لحوالي 24 ساعة وقد تتجاوز 48 ساعة قطع مقابل نصف ساعة وصل! ما زاد من معاناة مرضى السكري في سوريا وتحديداً الأطفال منهم.
"ترمسة الماء" لإنقاذ أطفال السكري
وقد ازدادت مؤخرا نسب إصابة الأطفال بمرض السكري في دمشق، ما دفع إحدى الجمعيات للقيام بحملة تبرع في تلك الأحياء لشراء "ترمسة ماء" لاستخدامها كحافظة أدوية للأطفال المصابين بمرض السكري الذين تفسد أدويتهم بسبب الانقطاع المستمر والطويل للكهرباء، ويتم استخدام "ترمسة الماء" تلك كحافظة للأقلام بعد وضع قطع ثلج في داخلها، وهي إحدى الحلول التي ابتكرها أهالي الأطفال المرضى للحفاظ على حياة مرضاهم.
هذا الحل جاء بعد فقدان الأهالي الأمل بتحسن التيار الكهربائي في ظل الوعود المتكررة التي تطلقها وزارة الكهرباء في حكومة النظام. وعودٌ تذهب أدراج الرياح مع كل صيفٍ يأتي وشتاءٍ يرحل، آخرها كان ما صرَّح به وزير الكهرباء عن تحسنٍ ملحوظ بالكهرباء سيلمسه السوريون منتصف الشهر الحالي، ليكشف مصدرٌ في الوزارة أخيرا بأن كمية توليد الكهرباء انخفضت من 2300 ميغا واط إلى 1700 بسبب نقص توريدات الفيول، ما يعني زيادة إضافية في ساعات التقنين.
الكهرباء في سوريا لأصحاب النفوذ
تناقضٌ واضح يلمسه الجميع في أداء الوزارة التي تُعفي أصحاب منشآتٍ سياحية كالمنتجعات وغيرها من أصحاب النفوذ من التقنين بحجة شرائهم لخطوطٍ ذهبية، حيث تتوفر الكهرباء وتنتهي كل أزمات غياب المشتقات النفطية التي يتم احتكارها ومنعها عن السوريين، فيما تخضع أحياءٌ ومناطق و منشآت حيوية هامة على رأسها المشافي لتقنينٍ جائر على الرغم من خطورة وحساسية قطع الكهرباء في مثل تلك الأماكن، والأمثلة كثيرة على ذلك ففي واحدة من أكبر المراكز الطبية في سوريا يتم قطع الكهرباء في أوقاتٍ مختلفة ولحجج عدة منها عدم تأثير قطع الكهرباء على سير العمل على اعتبار التقنين فيها يحدث في الطوابق والمكاتب الإدارية التي يمكنها الاستغناء في عملها عن الكهرباء! وهنا الحديث عن مشفى المواساة، فيما أكد مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا من داخل مشفى الأسد الجامعي عن اضطرار العاملين في المشفى لتجهيز المرضى ممن هم على قائمة العمليات قبل ساعات طويلة قد تصل لأكثر من ست ساعات من موعد عملياتهم، لإنزالهم إلى غرف العمليات بسبب توقف معظم المصاعد الموجودة في المشفى وخروجها عن الخدمة مع انقطاع الكهرباء، باستثناء واحد أو اثنين يتم الاستعانة بمولدة لتشغيلهما مع ساعات الصباح الأولى ليُنَقل بهما المرضى.
ويذكر المصدر ذاته حادثة توقف أحد مصاعد المشفى نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي، أثناء وجود وزير الصحة السابق في حكومة النظام محمد إياد الشطي الذي كان بداخله عند توجهه إلى مكتبه الكائن في الأسد الجامعي، ما أدى لإصابته بوعكةٍ صحية جراء انتظاره لمدةٍ زمنية لا بأس بها داخل المصعد، ويُنقَل مكتبه بعد تلك الحادثة إلى الطابق الأرضي، خاصةً مع إمكانية تكرار الحادثة، التي لا تقتصر على المشافي فقط وإنما تحدث في كثيرٍ من الأماكن.
وينسحب المشهدٌ هذا يعلى باقي المشافي كمشفى ابن النفيس الذي اشتكى فيه أهالي مرضى غسيل الكلى من تعطل المصاعد فيه، الأمر الذي يضطر مرافقي المرضى من حملهم للوصول إلى لقاعات غسيل الكلى في المشفى.
في حين أن معاناة السوريين مع انقطاع التيار الكهربائي لا ينحصر أثرها على سلامتهم وصحتهم فقط ولا تقتصر على زمانٍ ومكان أو فصلٍ بعينه، بل تمتد لتشمل كل القطاعات والأوقات والفصول، فمن شتاء بارد خالٍ من وسائل التدفئة يحرم السوريين من أبسط حقوقهم إن كان لجهة الاستحمام بمياهٍ دافئة، ما سبب انتشار أمراضٍ جلدية كالجرب والقمل خاصةً بين أطفال المدارس، إلى صيفٍ حار يُفاقم الأمر صعوبةً خاصةً مع موجات الحر القاسية التي تتزامن مع انقطاعٍ للمياه لساعاتٍ وأيامٍ طويلة قد تمتد لأسابيع نتيجة غياب الكهرباء، إضافة للاستغناء المطلق عن المونة لعدم توفر مكان بارد لحفظها، ما حول الآلات الكهربائية لإكسسوارات، وتحديداً الثلاجات التي بات معظم السوريين يعتبرونها بحكم "النملية" في تهكمٍ على ما وصل إليه الوضع من سوءٍ، سواء في العاصمة دمشق أو في المحافظات والمدن والأرياف البعيدة، حيث السوريون ضريبة الاحتكار والفساد وسرقة ثرواتهم النفطية.