زاد الاعتياد على شكل حياة أهل المخيمات وقصصهم في الشمال السوري، وأصبحت معاناتهم روتينية ولم تعد أخباراً ملفتة يجب التوقّف عندها والعمل من أجل تحسين واقعها، حيث انتشرت منذ الصيف الماضي أمراضٌ جلديّة خاصّة لدى الأطفال؛ بدأت بعددٍ قليل من الإصابات ثم زادت بحسب شهادة الأهالي، الذين يجدون صعوبة في تأمين الدواء والعلاج الخاص وانتظار طابور العلاج المجاني.
وتتفاقم حالات المصابين بالآفات الجلدية مع مخاوف الانتشار والانتقال إلى آخرين، إمَّا كعدوى أو بسبب قلَّة استخدام مواد النظافة الشخصيّة، أو عدم الحصول على العلاج، إلى جانب أسباب أُخرى مؤديَّة إلى هذا النوع من الأمراض.
مرض فطري غير "الجرب"
"الجرب" من أكثر الأمراض الجلديَّة انتشاراً وشهرةً، وهو أوّل ما يتبادر إلى الذهن عند التَّحدث عن صعوبة الظروف الحياتيّة وعدم توفّر بيئة نظيفة وشُح المياه في معظم مناطق الشمال السوري، إضافةً لارتباطه بالعدوى، الَّتي أصابت عدداً من أفراد أحد المخيمات بظهور حبوبٍ وحكّةٍ شديدة، خاصَّةً في الليل، لكنَ هذا المرض الجلدي لم يكن "الجرب".
وبحسب ما أخبرنا به "أبو خليف" عن مرض جلدي أصاب أطفاله، قائلاً لـ موقع تلفزيون سوريا: "منذ أكثر من عام ظهر كمرض فطري يسبّب مثل (حزاز بالعاميَّة) يصيب اليدين، ثمَّ انتقل فجأة إلى رأسهم، خاصة الفتيات، حبوب صغيرة يخرج منها سائل ثمّ دم ويسبب حكّة، أخذتهم لعدة أطباء ولم يكن هنالك نتيجة، حتَّى زرنا طبيب استطاع علاجهم".
وأشار "أبو خليف" إلى أنّه "لم يقدر على تكاليف العلاج والاستمرار بها لستة أشهر لإتمامه، إذ يلزم للعلاج شامبو وحبوب وإبر وفيتامينات، وهذا المرض مُعدٍ، حيث طلب منهم الطبيب ألا يختلط الأطفال المصابون مع بقية أفراد العائلة، وأن يناموا على فراش خاصَّ بكل واحد منهم، كذلك غسيل الملابس والطعام، وأن تكون جميع المستلزمات والاحتياجات الشخصيَّة منفصلة".
وتابع: "نعيش نحن بخيمة، لا يوجد لدينا هذه القدرات ولا الاستطاعة"، مشيراً إلى وجود أكثر من 20 إصابة بمرض فطري في الرأس بين الأطفال في أحد مخيّمات منطقة أرمناز في ريف إدلب، حيث يعانون من تساقط الشعر وصعوبة النوم بسبب الحكِّة.
وهذا ما حصل مع حسناء (اسم مستعار) وابنتيها (ثماني سنوات وأربع سنوات) وهم من سكّان المخيم نفسه الذي يقطنه "أبو خليف"، واصفةً الإصابة بالقول: "يبدأ حَبْ ليتحوّل بعدها إلى قشرة في الرأس، وهو التهاب فطري في فروة الرأس، ولا يُشفى بسهولة، أحصل على مراهم طبيَّة من المشفى يرَّطبوا مكان الإصابة لفترة ثمَّ يعود كما كان".
"سَعفة الرأس / الجسم"
لنعرف أكثر عن هذا المرض الفطريِّ المُعدي، شرحت لنا طبيبة الجلديَّة ولاء محمد مراد يحيى، بعدما شاهدت عدداً من الإصابات في المنطقة المذكورة، قائلةً: "السَعفة (الرأس والجسم) عدوى فطرية تُسبّب طفحاً جلدياً على شكل حلقة على الوجه أو الذراعين أو الساقين أو الصدر أو البطن كما تصيب فروة الرأس، وتسبّب حكّة شديدة وهي معدية في حال التَّماس المباشر، واستعمال ذات الأدوات الشَّخصيَّة للمصابين".
وتابعت: "تنتشر العدوى بين أفراد العائلة الواحدة عن طريق المناشف وليف الاستحمام، وتنتقل أيضاً من التَّماس بالحيوانات المصابة كالقطط، العصافير، الكلاب، الأغنام، لذلك لاحظنا انتشارها بكثرة في المخيمات، وبالنسبة لسَعفة الرأس ممكن انتقالها عن طريق الحلاقة من فروة شخصٍ إلى آخر".
هذا كان التوصيف الطبي الأكثر تحديداً، فكلمة "حزاز/ حزازيّة" كما وضَّحت الطبيبة يتم إطلاقها على أي آفة جلدية تسبّب الحكِّة والإحمرار، مؤكّدة على أهمية الفحص الطبي السريري، وأنّ أكثر ما يؤذي في الأمراض الجلديَّة استخدام المرضى للأدوية من دون مراجعة طبيَّة، وهذا يؤثر على العلاج أيضاً، موضحةً: "علاجها بسيط جداً وتستجيب للعلاج بسرعة، لكن استعمال الأدوية المضادَّة للفطور بشكل عشوائي تُشكّل مقاومة لدى الفطور، كما أنّ الرطوبة والتَّعرق وقلِّة الاستحمام تؤخّر الشفاء أيضاً".
علاج متوفّر وعائلات عاجزة
"لدي ثلاث فتيات مصابات، لكنّ العلاج مُكلِف ولم نستطع إكماله"، هذا ما قاله والد أحد العائلات المصابة في المخيّم، وحالهم كحال كثير من العائلات والمصابين في عدم القدرة المادية على تكاليف العلاج والمتابعة به، مع أنَّه متوفر بحسب الطبيبة ولاء: "بالنسبة للمضادات الفطرية سواء المُوقِفة لنمو الفطور أو القاتلة لها، متوفرة الحمد لله، لكن أسعار بعضها مرتفع كعبءٍ أول، والعبء الثاني الاضطرار للعلاج لفترات طويلة وبمشاركة بين مجموعات دوائية مختلفة، والاضطرار كذلك للتحاليل الدورية بعد الاستعمال الطويل للأدويَّة الفطريَّة".
ولم تكن فقط الإصابة بـ"سعفة الجسم" هي المرض الجلديَّ الوحيد المُنتشر، بل أشار الأهالي إلى انشتار الجرب، الأكزيما، واللشمانيا -(حبّة السّنة/ حبّة حلب) كما يُطلق عليها بالعاميَّة- والَّتي تحدث بسبب لدغات ذباب الرمل، وبحسب ما شرحت لنا الطبيبة، فإنّ أكثر هذه اللدغات تحصل في فصل الصَّيف، وتحتاج بعدها إلى فترة حضانة ما يقارب ستة أشهر، لتظهر آفات غير عرضيَّة غالباً في الأماكن المكشوفة من الجسم، وتترك ندبة بعد العلاج، مؤكّدةً أنّ العلاج الجائر أحياناً بغير إشراف طبي يؤدي إلى إمكانية أنْ تسوء النَّدبة.
"الجرب" الأكثر انتشاراً
وأشارت الطبيبة ولاء إلى انتشار مرض "الجرب" في الشمال السوري، خاصَّة في المخيمات، حيث تتجاوز نسبه الإصابات فيها الـ50%، وذلك نتيجة الاحتكاك الدائم والاكتظاظ وعدم التَّوفر الكافي لوسائل تعقيم الملابس متل الكوي والغلي، وأكثر من 20% لسكّان المنازل، وذلك نتيجة قلَّة الوعي لدى المرضى والتّنقل بحرية والزيارات العائلية، إضافةً للاحتكاك الذي حصل خلال كارثة الزلزال.
- اقرأ أيضاً.. "الجَرَب" يغزو مخيمات المهجّرين شمال غربي سوريا
وتحدّثت عن العلاج قائلةً: "بالنسبة للعلاج متوفر بالطبع، لكن استخدامه بشكل عشوائي أدَّى إلى ما يمكننا القول عنه مقاومة من قبل الطفيلي، وهذا ما سبب زيادة العبء على المرضى من ناحية تكاليف العلاج المتكرر، والشيء الثاني هو عدم علاج كل أفراد العائلة، نتيجة قلَّة الوعي والاقتصار على الأشخاص المصابين فقط، ما يجعل المرضى يتأخرون بالشِّفاء ويُعيد انتقال العدوى بين أفراد العائلة".
أما عن الوقاية وأهمية العلاج، قالت الطبيبة ولاء: "نشر الوعي في الدرجة الأولى، عدم تنقّل المصابين، الامتناع عن زيارة الأقرباء والأصحاب خلال فترة الإصابة، التزام المنزل حتّى التشافي، وبالنسبة لأفراد المنزل المخالطين قبل ظهور الأعراض لا يوجد داعي لاستبدال الأغراض الشخصية أو رميها، فقط تعقيم الملابس والأدوات الشخصية والفراش بالحرارة (غلي أو كوي أو الشمس الحادَّة)، أو عن طريق المبيدات أو تخزين الأغراض بأكياس مغلقة لعدَّة أيام ما يؤدي إلى موت الطفيلي نظراً لعدم وجود مُضِيف يتغذّى على جسمه".
ومخاطر عدم العلاج بالدرجة الأولى هي انتشار العدوى، وبالدرجة الثانية "تقوبؤ جلدي" (القوباء مرض جلدي شائع شديد العدوى يصيب الرضع والأطفال بشكل أساسي، وتظهر عادةً على شكل تقرّحات حمراء على الوجه، خاصةً حول الأنف والفم، وعلى اليدين والقدمين، وخلال أسبوع تقريباً، تنفجر التقرحات وتكوِّن قشوراً بلون العسل".
يشار إلى أنّ الحد من انتشار هذه الآفات الجلدية، خاصّة في مخيمات الشمال السوري، مرتبط بزيادة تأمين احتياجات الوقاية، كأن يكون لكلِّ فرد في العائلة أغراضاً شخصيَّة خاصَّة أو توفير العلاج بشكلٍ كافٍ، بالتَّوازي مع الاهتمام بالتوعية الصحيّة اللازمة، وهذا شكل من أشكال الحلول الطارئة لا يُغني عن رفع جودة الحياة لسّكان تلك المناطق.