مضى شهرٌ على حصارٍ خانقٍ جديد فرضته قوات النظام السوري على قاطني مخيم الركبان بريف حمص، والذي تسبّب في ندرة معظم السلع الغذائية والأدوية، وسط غياب أي دورٍ للمنظمات الإنسانية، ما جعل النازحين يواجهون واقعاً معيشياً مأساوياً.
وعانى سكان مخيم الركبان من سلسلةٍ من الحصارات الخانقة التي بدأت منذ آذار 2017، وفي كل فترة يسمح النظام بدخول بعض الاحتياجات الضرورية إلى المخيم ثم يعود ويفرض حصاراً جديداً.
دخول أول شحنة من الأردن
خلال هذا العام، تعرض مخيم الركبان للحصار المطبق من قبل نظام الأسد ثلاث مرات، الأول كان مطلع العام، والثاني في آذار الماضي.
أما الحصار الثالث فبدأ منذ العاشر من أيار الفائت، إذ منعت قوات النظام السوري الشاحنات التي تحمل المواد الغذائية والخضراوات والفواكه من الدخول إلى المخيم.
وقال رئيس المجلس المحلي في مخيم الركبان، درباس الخالدي، لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "السلع الغذائية والبضائع كانت تدخل إلى المخيم عن طريق التهريب، بعد دفع المهربين إتاوات لحواجز النظام، التي تسمح بدخول 10 - 20 % فقط من احتياجات السكان وبشكلٍ متقطع، ولذا تكون أسعار المواد داخل المخيم ثلاثة أضعاف سعرها في مناطق النظام".
ومع زيادة الضغوط على النظام بسبب الحصار الخانق الذي يفرضه على أبناء الركبان، أفادت "شبكة الركبان"، أن سياراتٍ محملة بالطحين والأرز والسكر والزيت والغاز دخلت الخميس الماضي، إلى المخيم قادمةً من الأردن للمرة الأولى.
وقامت سيارات تابعة "لجيش مغاوير الثورة" الموجود في قاعدة التنف الأميركية، بإدخال تلك المواد إلى مخيم الركبان، وسلمتها إلى أحد تجار المخيم لبيعها هناك بأسعارٍ مناسبة.
عملية إدخالِ السلع للمخيّم بتلك الطريقةِ هي الأولى منذ خمسةِ أعوام، إذ كانت المواد الغذائيّة والأدوية تدخل عن طريق التهريب.
أسعار جنونية في مخيم الركبان
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" لائحة بأسعار السلع الأساسية في مخيم الركبان، حيث بلغ سعر كيلو أرز الكبسة "نوع أول" 9 آلاف ليرة سورية، أرز الكبسة "نوع ثاني" 6 آلاف، أرز مصري 4500.
كيلو الطحين 115 ألفاً، السكر 3500، البرغل 6500، العدس الأحمر 7 آلاف، الشاي 30 ألفاً، الزيت النباتي 5 لتر بـ 75 ألفاً، السمن النباتي 20 ألفاً، لحم الغنم 25 ألفاً، الفروج إن وجد 15 ألفاً.
وتتراوح أسعار الخضراوات مثل البطاطا والبندورة والبصل والثوم بين 3500 - 4500، في حين تصل أسعار الفواكه إلى 12-13 ألفاً.
كذلك تشهد أسعار المحروقات ارتفاعاً كبيراً في مخيم الركبان، حيث يبلغ سعر لتر البنزين 8500 - 9000 ليرة، ولتر المازوت 4500 - 5000 ليرة، في حين بلغ سعر أسطوانة الغاز 150 - 175 ألف ليرة.
الخبز ليس في متناول الجميع
تأمين رغيف الخبز مشكلة أخرى تؤرق قاطني مخيم الركبان، حيث يصل سعر ربطة الخبز وزن 400 - 500 غرام إلى ألفي ليرة سورية.
ويوجد فرنا خبز في مخيم الركبان، وقال رئيس المجلس المحلي في الركبان إن "الطاقة الإنتاجية للفرنين تبلغ حالياً ألف ربطة خبز يومياً، لكن هذا الرقم غير ثابت، وتختلف طاقاتهما الإنتاجية بحسب كميات الطحين التي تصل إلى المخيم".
وخلال السنوات الخمس الماضية من الحصار، توقف الفرنان عن العمل أكثر من مرة، بسبب نفاد كميات الطحين التي تصل إلى المخيم.
ولمساعدة النازحين على تأمين رغيف الخبز الذي يعتبر مادة أساسية، يقوم بعض أهل الخير بين الفينة والأخرى، بالتبرع بكمياتٍ من الطحين للأفران، أو توزيع الخبز مجاناً على العوائل المحتاجة.
يقول أبو حسين من قاطني مخيم الركبان: "وضعنا يزداد بؤساً يوماً بعد يوم، فالأسعار مرتفعة جداً وأغلب النازحين فقراء، وحتى ربطة الخبز ليست في متناول الجميع".
شح في المياه
في الرابع من حزيران الحالي، خفّضت منظمة "اليونيسيف" كميات المياه الواصلة إلى مخيم الركبان، ما زاد مأساة النازحين.
وقال مدير "شبكة تدمر الإخبارية"، محمد حسن العايد، لموقع تلفزيون سوريا: إن "كميات المياه انخفضت إلى نحو الربع، من 700 إلى 100 - 150 متراً مكعباً يومياً، بسبب تخفيض منظمة اليونيسيف دعمها لمنظمة عالم أفضل، وهي الجهة التي تقوم بجلب المياه من البئر الموجودة في الأراضي الأردنية إلى مخيم الركبان، ويديرها شخص أردني يُدعى آدم أبو أنس".
انخفاض كميات المياه في مخيم الركبان، انعكس بشكلٍ سلبي على النازحين وحمّلهم أعباء إضافية هم بغنى عنها.
يقول أبو حسين: "جاء تخفيض كميات المياه في أسوأ توقيت، حيث نعيش في منطقة صحراوية ودرجات الحرارة مرتفعة جداً، ولذا يزيد استهلاكنا للمياه مقارنةً بفصل الشتاء، وهذا دفعنا لشراء المياه من الصهاريج الجوّالة".
يتراوح سعر برميل المياه ما بين 1500 - 2000 ليرة سورية، لكن أبو حسين أفاد أن الكلفة تزداد كلما كانت مسافة الخيمة أبعد، مشيراً إلى أن البائعين استغلوا زيادة الطلب على المياه وقاموا برفع السعر، ليصل في بعض الأحيان إلى 3 آلاف للبرميل الواحد.
واقع طبي مأساوي
الواقع الطبي في مخيم الركبان يتدهور يوماً بعد يوم، في ظل نقص الكوادر والمعدات الطبية، إضافةً إلى شحٍ كبير في الأدوية.
"مركز شامنا" يعتبر النقطة الطبية الوحيدة في مخيم الركبان، وتقتصر خدماته على الإسعافات الأولية، ولا يوجد فيها معدات طبية ولا أدوية، ويعمل فيها أشخاص تلقوا بعض التدريبات البسيطة في مجال التمريض.
يقول أبو عدي من سكان مخيم الركبان: "تأثر الواقع الطبي كثيراً بعد وفاة شكري شهاب مدير النقطة الطبية الوحيدة في مخيمنا نهاية العام الماضي، حيث كان يقوم بمهام طبية عديدة، كما أننا ننتظر طويلاً في المركز الطبي بسبب الازدحام، إضافةً إلى افتقاره إلى الاختصاصات أو إجراء العمليات".
تتولى مجموعة من القابلات في المخيم إجراء الولادات الطبيعية، أما في حال كان هناك سيدة بحاجة إلى ولادة قيصرية، تضطر للتوجه إلى مشافي النظام، ما قد يحرمها من العودة مجدداً للمخيم.
كذلك يشتكي أهالي المخيم، من حرمان أطفالهم من اللقاحات، حيث إن آخر مرة تطعّم بها الأطفال باللقاح كانت في عام 2019.
ويفتقر المخيم أيضاً إلى أغلب الأدوية، خاصة أدوية الأمراض المزمنة مثل الضغط والقلب والسكري والصرع والأدوية الالتهابية، إلى جانب حليب الأطفال وخافضات الحرارة.
أما الأدوية المتوفرة فتزيد أسعارها بنحو 50 % عن مناطق النظام، بسبب خطورة تهريبها والإتاوات المفروضة عليها، ما يهدد حياة سكان المخيم، خاصة مع غياب الخدمات الطبية والإسعافية في المخيم، الذي يخلو من وجود الأطباء بالكامل، وفق ما أفادت "شبكة الركبان".
ويقع مخيم الركبان داخل المثلث الحدودي ضمن منطقة الـ 55 التي تسيطر عليها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ويقيم فيه أكثر من سبعة آلاف نازح، في حين اضطر الكثير من النازحين إلى الخروج من المخيم خلال السنوات الماضية، بسبب الحصار الخانق الذي يفرضه النظام.