كلما تصفحنا مواقع التواصل الاجتماعي نجد أخباراً وردوداً تبين التدهور الأخلاقي الذين وصلنا إليه في نقد الأمور، ولا يخرج علينا من يعالج أو يقارب الأنفس من بعضها بل على العكس نجد الانقسامات فورا بين مؤيد ومعارض، وكلا حسب البيئة والنشأة التي نشأ عليها تاركين العقل والإنسان فينا على زاوية اللا أعلم هناك من يفكر عني ويفتي.. نحن بهذا المقال لا نقوم بدراسة فقهية لرأي الدين بقضية لطالما يتناولها الأغلبية كلما ارتقت إحدى الشخصيات المعروفة لبارئها، وتبين أنها ليست على الملة المحمدية (كشيرين أبو عاقلة وميشيل كيلو وغيرهم الكثير من الشخصيات السورية والعربية)، سنتناول الأمر من الجانب الإنساني مستشهدين أيضا بآيات الرحمن التي وجدت لسلام الناس ورحمة منه عز وجل.
كم من الشخصيات التي قدمت تضحيات لما فيها خدمة للبشرية سواء بالكلمة أو بالفعل لنصرة الحق، وكم كانوا في حياتهم أيقونات للكثيرين من كل الملل بأخلاقهم وصلاحهم ورسائلهم التي حملوها على أكتافهم نصرة لقضية أو مبدأ، وعند رحيلهم ومعرفة عقيدتهم يخرج علينا البعض بإفتاءات ليست من الإنسانية والدين من شيء من قبيل إجازة الترحم عليهم أو عدم جوازها لينقسم الشارع بين مؤيد ومعارض، ضاربين عرض الحائط أولا برحمة الله التي وسعت كل شيْ، وقيمة وقيم ذلك الراحل وما قدمه للناس.
سؤال لطالما يرد على خواطر الأغلبية؟ لماذا أرسلت الكتب السماوية للبشرية وهل هي متصلة أم منفصلة؟ إذا كانت متصلة فالمفروض أنها تكون لهدف واحد والمفروض أنها لأجل الإنسان وارتقائه وتطويره ابتداءً من القيم الإنسانية والتي هي الأساس وتليها المعرفة وتوظيفها بما يخدم البشرية وليس العكس. وإن كانت منفصلة هنا يكون المولى عز وجل قد فضل شعوباً على شعوب ومن ثم الحساب بناء على التفضيل وحاشا لله فهو العدل.
متى نعي أن الناس سواسية عند الله مهما كانت ملتهم المتبعة أو انتماؤهم أو عرقهم.. الخ وأن الأفضلية والتكريم لمن اتقى لقوله عز وجل (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13
هل نحن عالمون بما في الصدور وما مدى إيمان كل أحد فينا وبماذا آمن حتى نتجرأ على الله ونصدر أحكاما وفتاوى تجيز الرحمة أو لا تجيزها؟
الخطاب للناس، والناس تشمل كل من على الكوكب ولا تختص بفئة أو نوع أو ملة، وأنهى قوله إن الله عليم خبير.. أي إنه العليم بما بنفس كل واحد منا على هذا الكوكب، العليم بما لا نعلم فكيف نطلق أحكامنا على ما نجهل ونفرز البشرية ونقرر من له الجنة ومن له النار؟ هذه الآية تشير إلى أن التقييم الحقيقي والنهائي لله عز وجل ومبني على التقوى.
من جهة ثانية هل نحن عالمون بما في الصدور وما مدى إيمان كل أحد فينا وبماذا آمن حتى نتجرأ على الله ونصدر أحكاما وفتاوى تجيز الرحمة أو لا تجيزها على البعض وإرسالهم للجنة أو النار أليس هذا إشراك بالله؟ السؤال هل الإشراك بالله فقط أن نضع مع الإله إلها آخر؟ أم أنه أيضا أن تضع نفسك بمنزلة الإله وتطلق أحكاما وتشاركه بالأحكام وتقول هذا من عند الله.. فهل الله غافل عن أحكامه وأنت علمت بها وأكملت النقصان؟ حاشا لله
سيخرج البعض ليقول هناك آيات تشير وتجيز عدم الترحم على من كفر بالله أو أشرك به، ردنا: أكيد هناك من كفر وأشرك وألحد لأنه لو شاء ربك لجعلهم أمة واحدة، لكن ليس نحن من نقرر ونحكم بأن هذا كفر وهذا أمن ونحن نجهل السرائر والبواطن.. فكم من أناس أوحوا لك بإيمانهم وكانت خفاياهم باطلة ومفسدة في الأرض، كم هناك من مسلمين فقط على الهوية ويعيثون في الأرض فسادا كما البعض من غير المسلمين أيضاً فهل وجب الترحم عليهم؟! هل سنرسل وفدا لكل شخص ليستكشف ما إذا كان مؤمنا ومسلما أم لا لنجيز عليه الترحم أو لا؟ الأديان السماوية وحتى الأحكام الأرضية وجدت لخدمة وتهذيب وارتقاء الإنسان فينا وليس للطائفية والمللية وتفرقة الناس ونشر البغضاء وبث الفتن والتحريض المبطن تحت مسمى الدين والدين منها براء، واجبنا نحن إن كنا مؤمنين بحق أن نلتزم بتعاليم ربنا كما أرشدنا بقوله: ( ﴾ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ﴿125﴾النحل
أين نحن اليوم من القيم الإنسانية والمبادئ والأخلاق التي دعت إليها كل الشرائع السماوية وكذلك الأرضية؟ أين نحن من الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن؟ ما نجده اليوم هو تنفير وليس ترغيب وبث للفتن والأحقاد بين البشر من خلال تصدير فتاوى التي لا تحمل بين طياتها إلا البغضاء والضغينة والتعالي لتشعل النفوس غضبا وكرها ونقمة وتفرقة بين شعوب الأرض الواحدة. كيف سأقنع الآخر بسماحة هذا الدين وأنت تفرق بين البشر وتجيز هذا وتبطل هذا، وتكفر هذا وتنجي ذاك وكأن صكوك الغفران بين يدي أصحاب الفتوى.
الدعوة للإسلام والسلام لا تكون ببث الكراهية وإذهاب الناس عن القضية الأساس بإشغالهم هذا حلال وهذا حرام فالحرام بين والحلال بين.. والدعوة بالصلاح والمفغرة لا يتعارض بالمطلق مع الإله الرؤوف الرحيم فهو العليم الخبير.
الإسلام مشتق منه السلام فأين نحن من السلام والإسلام ونحن ننجرف وراء فتاوى لا تحمل إلا الكبر والعجرفة، كما أنه لا أحقية لنا بنشر أفكارنا أو معتقداتنا ومطالبة الآخرين عدم المساس بها واحترامها، ونحن بالمقابل نشتم ونكفر أقواما أخرى.. وهناك تحذير إلهي بهذا فهل التزمنا به؟
ماذا على الصعيد الإنساني والقيمي والأخلاقي؟
ما يحدث اليوم لا يرتقي للإنسانية والقيم الأخلاقية من شيء، ماهو إلا أداة لأضعاف الشعوب إذ لا يقتصر الأمر على فقد القيم الإنسانية فحسب بل يعتبر حجر أساس في تفكك النسيج الوطني المكون من عدة أطياف أنتج لوحة إبداعية رسمت عبر عصور طويلة بألوان المحبة والتآخي والتعاون بعيدة عن الانتماء الديني، ما يجمعهم الدم والأرض والوطن والقيم الأخلاقية التي تربوا عليها سنين طويلة واضعين أمام أعينهم أن الدين لله والأرض والوطن للجميع، وإن كان جارك بخير فأنت بخير مهما كانت ملتهم ودينهم، فليس علينا محاكمتهم أو حسابهم هناك رب يحاسب الجميع لذا كنت تجد ذاك الانسجام والتعاضد بين أبناء أطياف الشعب الواحد المبني على القيم الإنسانية والرحمة من الجميع..
من فينا ينسى أناسا عظاما رحلوا وكانوا من أطياف وملل أخرى، من خلال نضالهم بقي أبناء الشعب الواحد يدا واحدة وحققوا السلام بينهم ولأرضهم؟
في سوريا على سبيل المثال من منا ينسى موقف فارس الخوري رحمه الله وقوله للمستعمر آنذاك منعا لتفكيك النسيج الوطني وحفاظا على وحدة الشعب والأرض (إن كانت الحجة هي حماية الأقلية فأشهد أن لا إله إلا الله) ورفع يومها على الأكتاف من ققبل المسلمين فحقق الشعب الانتصارات، آنذاك بلغت شعوبنا التقدم والحضارة والحرية وكانت من أرقى المراحل التي مرت على سوريا.. من فينا ينسى أناسا عظاما رحلوا وكانوا من أطياف وملل أخرى، من خلال نضالهم بقي أبناء الشعب الواحد يدا واحدة وحققوا السلام بينهم ولأرضهم؟ تلك البلاد التي تمتاز بتعدد الأطياف والملل إذا لا تخلو حارة من الأحياء القديمة إلا وفيها المسلم والمسيحي وحتى اليهودي بمرحلة سابقة وهناك حي باسمهم في دمشق القديمة وكانوا يحيون بسلام ويتشاركون الأفراح والأتراح.. والعقيدة كل مسؤول عن عقيدته ما يجمعهم هو القيم والأخلاق والإنسان الذي كرمه الله والأرض، أين نحن اليوم؟
ما يجري اليوم ما هو إلا مفسدة للشعوب بأخلاقها وقيمها لإضعافها ليسهل احتلالها وتقسيمها ولتبقى أسيرة لقمة العيش حتى ولو كان الثمن سفك دم لأجل البقاء.
نقول كفوا أيديكم وارحموا العباد من فتاوى تصيب دين الله بمقتل والدين منها براء، فتاوى لا ترتقي لفكر العباد فكيف برب هذا الكون جل وعلا، فالله واحد رب الناس أجمعين وهو بعباده خبير بصير ورحمته وسعت كل شي ولم تقتصر على أمة، فهو ليس بظلام للعباد.. ولاتنس أنك لم تختر دينك بل ولدت وكان حظك إما عائلة مسلمة أو مسيحية أو أي من المعتقدات الأخرى.. بالختام رحم الله كل من مات شهيداً للحق ولكلمة الحق والإنسانية.