التعيينات في بلاد المحسوبيات

2022.09.10 | 06:24 دمشق

التعينات في بلاد المحسوبيات
+A
حجم الخط
-A

كثيرا ما نسمع كلمة المحسوبيات لا سيما في البلاد العربية فلان محسوب على فلان، وآخر من طرف فلان. وهذا واسطته كبيرة.. لكن يبقى السؤال هل كل هؤلاء تم تعيينهم وفقا لمؤهلاتهم وكانوا في المكان الصحيح؟

إن أكثر ما تشهده البلاد العربية من فساد هو المحسوبيات التي ساهمت بشكل أساسي في الانهيار الاقتصادي والاجتماعي لتحقيق مأرب وغايات شخصية، ضاربين بعرض الحائط المصلحة العامة، إلى أن أصبح المجتمع قائما على طبقتين، طبقة من ذوي الثراء الفاحش وطبقة تجاوزت خط الفقر نزولا بمراحل، ناهيك عن التخطيط الفاشل الذي أثمر انهيارا تلوى الآخر لم تتكبد نتائجه إلا الطبقة المعدمة لتدفع ثمن ثراء هؤلاء الذين ليس لديهم هدف إلا تدمير البلاد والشعوب والثراء على دمائهم.

الموظف أصبح راتبه موزعا على مواصلات سفر لمدينته ليرى أهله وكأنه في المغترب، ومصاريف الحياة من آجار سكن ومعيشة بحيث لا يستطيع ادخار أدنى مصروف يعول به عائلته

سوريا هي من إحدى هذه الدول التي شهدت هذه الظاهرة منذ عقود، وبالتحديد منذ استيلاء حزب البعث على السلطة، ولم يقتصر الأمر على هذه الظاهرة بل دفع ثمنها من لم يكن لديه محسوبيات ليتم التعيين الوظيفي بشكل ممنهج قائم على وضع المرء بالمكان غير المناسب سواء على الصعيد العلمي أو البيئي، أضف لانعدام الخبرات ببعض الأماكن والتأهيل العلمي من تخصص وشهادات، فتجد أن إحدى أسباب زيادة الهجرة الداخلية هي التعينات العشوائية التي يتم فرزها للمحافظات الأخرى لمن أسعفهم الحظ وتم تعينهم حسب المؤهل العلمي باستثناء منطقته، فنجد ابن الشام قد تم تعيينه في حمص على سبيل المثال وابن حلب في اللاذقية وابن اللاذقية في الشام وهكذا إلى أن أثمرت النتائج إلى انهيار المنظمومة الأسرية والمجتمعية فالموظف أصبح راتبه موزعا على مواصلات سفر لمدينته ليرى أهله وكأنه في المغترب، ومصاريف الحياة من آجار سكن ومعيشة بحيث لا يستطيع ادخار أدنى مصروف يعول به عائلته لاسيما أن الراتب في الأصل لا يتناسب مع مصاريف الحياة منذ ذلك الوقت..

الهدف دائما إشغال المواطن بإيجاد الحلول للعودة لأهله فهو أمام خيارين إما الاستقالة ودفع التعويضات، أو يلجأ إلى واسطة يسعى جاهدا إليها ليتم نقله لمدينته وهذا طبعا ليس بالمجان هناك تسعيره دائما، ففي كلا الحالتين سيدفع هذا المواطن، أما من فاز بمنصب يتناسب مع مؤهله العلمي تجده قد تم تعينه بالمحسوبيات لخدمة ذوي المناصب في الدولة ولتنفيذ التعليمات التي تساهم في المنفعة الشخصية وكنز الأموال ويرمى له الفتات.. إلى أن أصبح معظم القطاع العام إجراء عند بعضهم البعض وحسب التسلسل الوظيفي وإهمال المصالح العامة بحيث لا تسير المعاملات إلا من خلال الرشاوى والمفاسد التي يتقاسمها مع رئيسه من أدنى لأعلى الهرم.

ولم يقتصر الأمر على القطاع المدني إنما أيضا تم تداوله في القطاع العسكري فمن ليس لديه واسطة تجده على خط النار، ومن دفع الثمن وحسب المبلغ يتم فرزه وصولا لقضاء الخدمة العسكرية في منزله.   

واستمر هذا الأمر لعقود إلى أن ضاق الشعب ذرعاً بعدم إيجاد فرص عمل لا سيما للخريجين الجدد من الجامعات إذ بلغت أعلى نسبة بطالة بين خريجي الجامعات في تسعينيات القرن الماضي، ومن يشغلون الوظائف في الدولة معظمهم ليسوا ذوي اختصاص وأعلى مؤهل علمي لديهم الشهادة الإعدادية أو الثانوية.

وظهر بعد ذلك قرار لتفادي وإسكات الخريجين حيث تم إنشاء مكتب تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يقوم على توظيف الخريجين في القطاع العام، وذلك من خلال تقديم طلب توظيف وانتظار الدور في التعيين الذي قد يستغرق سنوات، وهو قائم على نوعين من العقود إما دائمة أو مؤقتة لا تتجاوز الثلاثة أشهر ويمكن أن تجدد لمرتين فقط.. ولم تختلف سياسة التعينات بهذا المكتب عن سابقها، إذ إنه تذهب الوظائف الجيدة لذوي الدعم ولو كان الاختصاص مخالفا للوظيفة، والوظائف ذات العقود إن كانت توافق الاختصاص لابد أن تكون بمدينة أخرى.. بالتالي تحول القطاع العام إلى قطاع قائم على الفوضى من غير إنتاجية ومحكوم من قبل أشخاص تدير العمل كما يتوافق مع المصالح الشخصية وليس كما يتناسب مع المصلحة العامة.

ووفق هذه السياسات المقصودة تمت عملية التغيير الديموغرافي منذ عقود وليس فقط إبان الحرب على الشعب السوري منذ عام 2011.. فسياسة تهجير الكفاءات لصالح الموالين للقوى الحاكمة المسيطرة على كل القطاعات ساهم بانتشار الرشوى والفساد والتباطؤ بالمعاملات وعدم المهنية والخبرة وهذا يحدث في كل القطاعات لا سيما التربوية والتعليمية حيث يتم تعين الحاصلين على شهادة ثانوية كمدرسين لمرحلة التعليم الأساسي الذي يشكل أصعب مرحلة في تعليم الأطفال، فماذا تنتظر من هذا الجيل قام على تعليمه كهؤلاء لاسيما أن التعليم الأساسي في المرحلة الأولى هي اللبنة الأساسية في التربية أولا والتعليم ثانيا؟

اليوم من يحكم الدولة ويطبق المراسيم والأنظمة العشوائية التي لا تتناتسب مع متطلبات الشعب هم من تجار الحروب والذي تم تعيينهم بالواسطة والمحسوبيات

واليوم وبعد الحرب الطاحنة التي شنت على الشعب السوري زاد الأمر سوءا بتولي البعض مناصب عليا في الدولة كالوزارات ومجلس الشعب والإدارات المحلية والمركزية... الخ حيث بات بشكل فاضح وعلى الملأ تولي عديمي الخبرة والاختصاص والمؤهلات مناصب تحكم مصائر الشعب.
اليوم من يحكم الدولة ويطبق المراسيم والأنظمة العشوائية التي لا تتناتسب مع متطلبات الشعب هم من تجار الحروب والذي تم تعيينهم بالواسطة والمحسوبيات تلبية لمصالح فردية، فماذا نتأمل أن تكون النتائج؟