بعد مضي عشر سنوات على الحرب والشتات الذي طال ملايين السوريين والذي أحالهم إلى نازحين ولاجئين في أصقاع الأرض، يتبادر سؤال مهم يجول في خاطر معظم السوريين، ما الذي حققته المنظمات والجمعيات والجاليات التي من المفترض أن تمثل أبناء الجالية في بلاد اللجوء وماذا قدمت لهم؟
بداية لا بد أن نتعرف على دور كل من الجاليات ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية في بلاد اللجوء، ما مهامها ووظيفتها؟ ولماذا يجب أن يكون هناك جالية تمثل أبناء جلدتها في بلاد المهجر؟ طبعا نحن لن نتحدث بشكل مستفيض ولسنا بوارد وضع مخطط تنظيمي لجالية إنما ما نطرحه بعض الجوانب (أمثلة) من مهام الجاليات في بلدان اللجوء.
تنتشر كثير من الجاليات في مختلف دول العالم وخاصة في الدول الغربية ومن بينها الجاليات السورية التي تنتشر في العديد من دول العالم، حيث غالباً ما تضطلع هذه الجاليات بأدوار مختلفة من خلال تشكيل لجان متخصصة يكون على رأسها أناس يمتازون بالنزاهة والأمانة والشخصية القيادية.
هل استطاعت الجاليات السورية أن تحقق ما هو مطلوب منها، وهل كانت الجسر الواصل بين السوريين والدول المضيفة، وصمام الأمان الذي يحمي السوريين وخاصة أمام موجات العنصرية التي تعصف بهم في عدد كبير من بلدان اللجوء؟
وتتنوع مهام هذه اللجان لتلبية احتياجات أبناء الجالية وخاصة المختصة بالشؤون القانونية لتعريف أبناء الجالية بقوانين البلاد التي تخص طالبي اللجوء واللاجئين، ومتابعة قضاياهم لدى الجهات الحكومية والدفاع عن حقوقهم، وتسهيل الإجراءات القانونية، كما تقدم لجان أخرى توضيحات بخصوص الأمور الطبية التي يمكن لأبناء الجالية الحصول عليها في بلدان اللجوء وطرق تقديم الرعاية الصحية، بالإضافة إلى الجانب التعليمي والإغاثي ومساعدة اللاجئ في الدخول إلى سوق العمل، كل ذلك يتم من خلال الاشتراكات الشهرية لأبناء الجالية، وبناء المصداقية والثقة بين الجالية وأبنائها من خلال الانتخابات الحرة لمن هم أهل لذلك، وتقديم تقارير دورية عن أعمالها تنشر على العلن بموقع رسمي لأبناء الجالية.
اليوم وبعد مضي عقد على موجات اللجوء التي أوصلت السوريين إلى مختلف أصقاع الأرض هل استطاعت الجاليات السورية أن تحقق ما هو مطلوب منها، وهل كانت الجسر الواصل بين السوريين والدول المضيفة، وصمام الأمان الذي يحمي السوريين وخاصة أمام موجات العنصرية التي تعصف بهم في عدد كبير من بلدان اللجوء؟
مع بداية النزوح واللجوء تم إنشاء منظمات وجمعيات إغاثية وأخرى طبية وقانونية.. إلخ في مختلف بلدان اللجوء، لكن مع الأسف أغلبها تحول فيما بعد إلى مشاريع تجارية، ولم يتبق إلا القليل منها تقدم الإغاثة من سلل غذائية تكاد لا تسد رمق عائلة ليومين، وحتى أشباه الجاليات التي تم إنشاؤها من قبل أشخاص انتدبوا أنفسهم ممثلين عن السوريين، ماذا كانت النتائج على أرض الواقع؟ للأسف لم تكن على مستوى الشعارات التي تم إطلاقها وصدقها السوريين ولم يحصدوا إلا خيبة تلو الأخرى، ولم يقتصر الأمر على الخيبات بل نال من إنسانيتهم الكثير وكرامتهم من خلال العنصرية وإهدار الحقوق التي تمارس عليهم بسبب غياب تلك الجهات التي تمثلهم أمام القانون وتهتم لأمرهم، مما أدى إلى التمادي في الاعتداء وزيادة في خوف وخنوع المعتدى عليه. فما من سند أو ظهر يحميه ويطالب بحقوقه وإنسانيته، من قبيل تعذيب الطفل السوري من قِبل لبناني وابنه، وحرق خيام مواطنينا في لبنان، والشاب الذي قتل في فيلا نانسي عجرم، لنصل إلى ركلة على وجه السيدة (ليلى دعاس) التي كانت ركلة على وجه كل سوري بعد أن خذله المجتمع الدولي ليحلق به خذلان من أبناء جلدته.
نحن لن نتحدث هنا عن العنصرية التي تمارس على السوريين في أغلب بلاد اللجوء فالعنصرية موجودة منذ القدِم وستبقى، إنما نتحدث عن الحقوق الإنسانية والتهاون بردع من يمارس هذه العنصرية، وعن الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة.
هل يعود لعدم الرقابة الفعلية واتخاذ الإجراءات اللازمة منذ البداية من قِبل الدولة المضيفة والتساهل بمحاسبة المعتدي لحفظ حقوق المعتدى عليه الإنسانية، وإن كان كذلك ما الأسباب التي أدت إلى تهاون بعض الدول في تطبيق القانون على رعاياها فيما لو تم الاعتداء على إنسان من خارج دولتها؟ أوليس الجميع سواسية في الثواب والعقاب لطالما جميعنا بشر وتحت مظلة قانون تلك الدولة! وهذا الضيف أو اللاجئ لا يخضع لقوانين تلك الدولة فيما لو كان هو المعتدي؟
ما الذي أوصل هؤلاء لهذا الاستهتار بحقوقنا وإنسانيتنا وتلك المعاملة المقيتة من العنصرية والجرائم التي ترتكب بحق شعبنا دون حساب وتًخفى ملامحها، وإن ظهرت وأصبحت قضية رأي عام نتائجها التماطل والتمييع وخلق أسباب لا وجود لها لتخفيف العقوبة على المعتدي، من الذي أوصل أبناء السيدة (ليلى دعاس) إلى التنازل عن حقوقهم وكرامتهم التي مست كرامة كل سوري والخضوع للمهانة وعدم الشكوى خوفا من العواقب من المعتدي أو أهله كما صرحوا لأحد المواقع الإخبارية؟
من الذي أوصل أبناء شعبنا فيما بعد إلى سياسة التخوين وعدم تصديق أي تجمع يهدف لخدمة السوريين بالخارج؟ هل السبب غياب تلك المؤسسة لحماية رعاياها، أم هو سوء إرادة وتخطيط فيما لو وجدت، أم هي سياسة الأنا والكراسي تحت غطاء الحرية والكرامة؟ أين الكرامة عندما نجد كرامة أبناء شعبنا تنتهك على مرأى العالم وأصحاب الكراسي يقفون متفرجين وإن ثاروا صدفة لايصدر منهم إلا الاستنكار، منصات لا تملك من الصلاحيات إلا الاسم فقط.
كيف لهذا الشعب أن يثق فيما بعد بأي تجمع أو منصة تنطق باسمه للمطالبة بحقوقه بعد أن خذله أناس ادعوا تمثيله؟
لم ننس بعد أحداث 2019 بعد قرارات الترحيل العشوائية في إسطنبول غير آبهين بالأضرار النفسية والمادية الكارثية على السوريين آنذاك وترحيل البعض دون إعلام ذويهم ضاربين عرض الحائط الخطر الذي سيتعرض له المرحَّل، ووقفت آنذاك صحافتنا والبعض ممن يفترض أنهم ممثلو الجالية أمام وزير الداخلية لالتقاط الصور فقط، بدلا من طرح المسألة بشكل جدي لإيجاد الحلول أقلها المطالبة بفترة زمنية تتيح للسوري النقل بأدنى الخسائر، كيف لهذا الشعب أن يثق فيما بعد بأي تجمع أو منصة تنطق باسمه للمطالبة بحقوقه بعد أن خذله أناس ادعوا تمثيله؟
ورغم كل هذا الإجحاف الذي طال اللاجئين السورين لكن يبقى الأمل وتبقى هناك حلول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لاسيما أن المشوار طويل والكثير من هؤلاء اللاجئين اتخذوا بلاد اللجوء وطناً، وذلك من خلال تصفية النوايا والابتعاد عن السابقين الذي تاجروا بأسمائهم.. وتضافر الجهود لإنشاء جاليات سورية بكل بلاد اللجوء تقوم على الانتخابات الحرة والعلنية لشباب يمتازون بالنزاهة والأمانة والحكمة والعلم والإيمان بقضيتهم فعلا لتطالب بحقوقهم، ولتكون هذه الجاليات الجهة الرسمية والمعتمدة في بلدان اللجوء أسوة ببقية الجاليات الأخرى التي ترعى وتصون مصالح أبنائها.