ماذا لو جمع أردوغان بوتين وزيلنيسكي؟

2022.04.05 | 06:15 دمشق

resized_66df3-acaa0f2dresized_923e35c1f9b06rusya_ukrayna_krizinde_erdogan_tarafini_belli_etti_putin_mi_zelenskiy_mi_h60779_cba9b.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد الجهود الماراثونية التي قامت بها تركيا على صعيدَي وزارة الخارجية والرئاسة من أجل احتواء الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى تفاقم الأمر وتحوّله إلى دمار ومآسٍ إنسانية وعقوبات اقتصادية أثرت على العالم أجمع، ووصول ألغام تلك الحرب إلى مضيق البوسفور ومناطق المياه الإقليمية التركية، نجحت تركيا في جمع وزيرَي خارجية روسيا وأوكرانيا، وقبل أسبوع أيضاً استضافت إسطنبول وفدَي كلا البلدين ولم تكتفِ بذلك بل قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه يسعى لجمع رئيسي البلدين في إسطنبول، وإنه مُصِرٌّ على هذا الأمر، والسؤال هنا: ما الفوائد التي ستجنيها تركيا من عقد لقاء بين الرئيسين المتحاربين الروسي والأوكراني على الأراضي التركية؟

سيسجل التاريخ اسم هذا الرئيس في حال نجاحه في إخماد فتيل الحرب الروسية الأوكرانية، وربما يحظى بجائزة نوبل للسلام تقديراً لجهوده المبذولة في هذا الملف

على الصعيد الشخصي: سيصبح الرئيس أردوغان حديث العالم كله فهو القائد الوحيد الذي استطاع أن يجمع كلاً من الرئيسين بوتين وزيلنيسكي على أراضيه، واستطاع اختراق ملفات كانت معقدة جداً بين كلا البلدين حتى إنها أوصلتهما إلى حرب ضروس، واستطاع أيضاً أن يُظهر لأوروبا مقدار وأهمية تركيا في المنطقة وربما في العالم كله، وأن السياسة التركية ناجحة بشكل كبير في علاقاتها مع دول الجوار (باستثناء اليونان نوعاً ما) وأن الخبرة السياسية المتراكمة لأنقرة تؤهّلها لتكون دولة محورية في القضايا العالمية وسيسجل التاريخ اسم هذا الرئيس في حال نجاحه في إخماد فتيل الحرب الروسية الأوكرانية، وربما يحظى بجائزة نوبل للسلام تقديراً لجهوده المبذولة في هذا الملف علاوة على المكاسب الشخصية مع الإدارة الأميركية ولا أظن أن أحداً في العالم لا يتمنى أن يحظى بكل تلك المكاسب.

على الصعيد الاقتصادي: لا شك أن هذه الحرب أثرت على تركيا اقتصاديا بشكل غير مباشر وفي حال استمرت تلك الحرب سيكون التأثير بشكل مباشر على تركيا، فبعد اندلاع الحرب بأسبوع واحد فقط ارتفعت أسعار المواد التي تستوردها تركيا من أوكرانيا (وخاصة الزيوت والقمح) وحصلت بلبلة في الداخل التركي سرعان ما تداركتها الحكومة عبر اتصالاتها مع الجانب الروسي والأوكراني، فلو طالت هذه الحرب أكثر بالتأكيد سوف يشمل التأثير السلبي نواحيَ أخرى من الاقتصاد التركي، فالصادرات التركية نحو البلدين سوف تتوقف بسبب الحرب عبر البحر الأسود وطبعاً التأثر الأكبر سيكون التصدير نحو أوكرانيا أضف إلى ذلك سفن العبور التي تمر عبر البوسفور والدردنيل سوف يتناقص عددها بشكل كبير، ورغم أن العائد المادّي لتركيا في هذا الأمر يعدُّ ضعيفاً جداً (تقريباً 3500 دولار على كل سفينة مليار ونصف واردات سنوية) فإنه يعدُّ خسارة اقتصادية بكل الأحوال بل إن هذا الانعكاس السلبي سيطول كثيراً من الدول التي تصدّر بضائعها إلى موسكو وكييف، والخسارة ستعمّ الجميع حتى من الناحية السياحية فتركيا التي استضافت أكثرَ من 3 ملايين سائح روسي العام الماضي ربما لن يستطيعوا القدوم إلى تركيا هذا العالم تخوفاً من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وهذا ينطبق على السياح الأوكران بنسبة تقريبية ( ثلث العدد بالنسبة للسياح الأوكران) وهذا الأمر كان واضحاً بالنسبة لدولة مصر العربية التي تأثرت سياحياً بهذه الحرب ولم تخفِ قلقها من هذا الأمر، ولو انتقلنا إلى مخاوف أخرى مثل المخزون الاحتياطي للقمح فكثير من الدول أعربت عن مخاوفها عبر إعلانها عن زيادة مخزونها الاحتياطي من مادة القمح وهي المادة الأساسية في كل أنواع الطعام، وعليه فلو نجحت تركيا في إيقاف تلك الحرب فإن كل تلك المخاوف والخسائر يمكن تجنبها سواء لتركيا أم للدول الأخرى وحتى الاتحاد الأوروبي المتخوف الأكبر من هذه الحرب؛ لأنه أصبح مشاركاً فيها بعد دعمه بالسلاح للجيش الأوكراني، وسيشكر تركيا على هذا النجاح (في حال حصوله) الذي سيمنع استمرار النزيف الاقتصادي والتخوف منه بالنسبة لدول الاتحاد التي تعتمد على الغاز الروسي بأكثر من 45% علاوة على التصادم بينه وبين روسيا والذي تحدّثت عنه كثير من دول الاتحاد.

في حال نجاح الرئيس أردوغان في جمع الرئيسين الروسي والأوكراني وإيقاف أو تجميد الحرب في أوكرانيا فصدى ذاك النجاح سيتردد في الداخل التركي

على الصعيد الداخلي وهذا مهم بالنسبة لأي سياسي تركي فأي نجاح على الصعيد الخارجي سيكون له انعكاس وتأثير إيجابي على الصعيد الداخلي، ولا بد من استثماره للفوز في أي انتخابات قادمة وتركيا على أبواب انتخابات بعد عام والاستعدادات قد بدأت لها منذ فترة بل كانت هناك مطالبات بانتخابات مبكّرة، ربما هذه الحرب أنهت بطريقة غير مباشرة فكرة الانتخابات المبكرة وفي حال نجاح الرئيس أردوغان في جمع الرئيسين الروسي والأوكراني وإيقاف أو تجميد الحرب في أوكرانيا فصدى ذلك النجاح سيتردد في الداخل التركي ليس فقط على الصعيد السياسي بل حتى على الصعيد الشخصي والاقتصادي، وربما يعوّض الحزب الحاكم خسائره التي نالها في الانتخابات الماضية؛ لأنه على الأقل ضمن جبهته الخارجية التي كانت تنتقده مثل الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، فعواصم تلك الدول أظنها ستلتزم الصمت، عكس ما فعلته في الانتخابات السابقة وبهذا فإن مكسبا كبيرا سيحققه الرئيس أردوغان في حال استطاع جمع الرئيسين بوتين وزيلينسكي على الأراضي التركية.