مؤتمر التمكين الاقتصادي في إسطنبول.. الصندوق الوقفي أحد أدوات التمكين

2024.06.04 | 05:43 دمشق

2444444444444444444444444444444444444634
+A
حجم الخط
-A

حضرت مؤتمر التمكين الاقتصادي الذي أقيم في إسطنبول يومي 24 و25 أيار 2024 ويسّرت جلسة التمويل الصغير والصناديق الاستثمارية والتمويل التضامني كأدوات للتمكين الاقتصادي.

عُقِد المؤتمر على ضوء التحديات الاقتصادية التي تواجهها منطقة شمال غربي سوريا، وسط تزايد أعداد المحتاجين وتضاؤل التمويل الدولي.

أدرك الجميع أن الاعتماد على المساعدات الإنسانية والمنح هي حلقة مفرغة، وعلى ضرورة الخروج منها للوصول بالمنطقة إلى مرحلة التمكين الاقتصادي.

ينتظر السكان في ريف حلب وإدلب تطبيق مخرجات المؤتمر على أرض الواقع، وتحقيق خروقات في أي جانب من منهجية العمل الحالية بهدف تحسين الظروف المعيشية والمستقبل الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، واستحداث تغيير إيجابي ومستدام في الحياة اليومية للمقيمين.

هناك أمور كثيرة ومشاهدات في المؤتمر وددت الكتابة عنها، لا يسع المقال لذلك، لكن أبرز ما علق بذهني فكرة "الصندوق الوقفي"، نوقشت في جلسة التمويل الصغير من قبل مجموعة من الخبراء وهم السادة أنس الحسناوي، وعمر عزيز حلاج، ومحمد البهاء، وتكلم السيد حسام حلاق عن ريادة الأعمال.

وخلال الفقرة الأخيرة للمؤتمر تكلم أيضاً السيد نواف عطاونة من البنك الإسلامي للتنمية في جدة، عن تجربة برنامج DEEP الذي أطلقه البنك الإسلامي للتنمية في فلسطين كآلية للحد من الفقر للعمل مع الأسر الضعيفة لنقلهم من دائرة المساعدات الإنسانية إلى التخرج من الفقر والاستقلال اقتصادياً، كانت محاضرة مشوّقة واستمعَ الجميع لها بدون ملل لأكثر من نصف ساعة.

قبل شرح فكرة الصندوق الوقفي، لنأتي على واقع قطاع التمويل في المنطقة. تعمل العديد من المنظمات المحلية في ريف حلب وإدلب في تمويل المشاريع المتناهية الصغر، وقد استطاعت خلال الفترة القليلة الماضية من تمويل مئات المشاريع. ولأسباب متعلقة بالفقر وضعف الملاءة المالية للمستفيد، وعدم المتابعة بعد التمويل، ونقص برامج تدريب المستفيدين أو سوء البرنامج التدريبي نفسه، وانخفاض حجم التمويلات في كثير منها لا يتعدى 500 دولار، وتمويل عدد كبير من المستفيدين في ذات المجال، ولظروف ناجمة عن البيئة نفسها من حيث البنية القانونية والاقتصادية والأمنية.

كل هذه العوامل وغيرها أسهمت بشكل أو بآخر في إضعاف القطاع التمويلي وعدم انعكاس المنح المالية على الواقع المعيشي بالشكل المطلوب.

على كل حال، حجم التحديات الكبيرة والواقع الذي تعيشه المنطقة، وظروف العمل والتجربة ليس أمراً يسيراً على الإطلاق. ومهما كانت التحديات والظروف، تجتمع المنظمات وتتدارس وتحاول إيجاد الحلول. وهذا بحد ذاته شيء إيجابي.

لنعد الآن إلى الموضوع الرئيسي للمقال، وهو الصندوق الوقفي، وهو نوع من الأوقاف التي تعتمد على توجيه الموارد المالية نحو أهداف معينة، سواء كانت خيرية، اجتماعية، تعليمية، صحية، أو تنموية. يتم تجميع الموارد في هذا الصندوق من قبل أفراد أو جهات مانحة، واستثمارها بشكل مستدام لضمان تحقيق الأهداف المرجوة بشكل مستمر.

يعمل الصندوق على تمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة في قطاعات الصناعة والزراعة والتقنية العالية، تدر عوائد مالية وتراكم قيمة تمكنه من الاستمرار في تقديم الدعم

أموال هذا الصندوق يتم جمعها من المتبرعين لتأسيس الصندوق، وعادة ما تكون هذه المساهمات غير قابلة للاسترداد وتظل محفوظة كأصل دائم، بحيث يتم استثمارها في أصول أو مشاريع تحقق عوائد مالية مستدامة، قد تشمل عقارات، وأسهماً، أو أعمالاً ومشاريع تنموية، أما العوائد المتأتية من هذه الاستثمارات فيتم استخدامها لتحقيق الأهداف المحددة للصندوق، مثل تمويل الأنشطة الخيرية أو المشاريع الاجتماعية.

حسناً، لنربط فكرة الصندوق بفكرة مؤتمر التمكين الاقتصادي، لنفرض اجتماع مجموعة من المنظمات العاملة في الشأن الإنساني والتنموي في الشمال، على تأسيس اتحاد عملياتي لإنشاء صندوق وقفي يسعى من أجل التمكين الاقتصادي في المنطقة.

ولتحقيق هذا الهدف، يعمل الصندوق على تمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة في قطاعات الصناعة والزراعة والتقنية العالية، تدر عوائد مالية وتراكم قيمة تمكنه من الاستمرار في تقديم الدعم والاستمرار في العمل والتمويل.

ويدعم الصندوق أيضاً الأبحاث العلمية والمشاريع الابتكارية والريادية التي تسهم في حل مشكلات المجتمع المحلي وتقديم حلول مبتكرة للتحديات المختلفة التي تواجه السكان.

كما يمكن أن تشمل أحد استثمارات الصندوق محفظة مالية متنوعة تستثمر في الأسهم والصكوك والمعادن والعملات والعقارات ذات المخاطر المنخفضة.

سيعقد الصندوق شراكات مع خبراء عرب ومنظمات دولية، لتعزيز تأثيره وزيادة موارده المالية والفنية، وستديره نخبة من التكنوقراط ذوي الخبرة في هذا المجال.

يعتمد الصندوق على تبرعات الأفراد من بلدان المغترب، والشركات، والمنظمات الدولية، والدول الصديقة لسوريا، وأموال الزكاة والهبات، وقد تسهم عوائد الاستثمارات المختلفة التي يديرها الصندوق في زيادة حجم الأموال المتاحة بشكل تدريجي.

سيعقد الصندوق شراكات مع خبراء عرب ومنظمات دولية، لتعزيز تأثيره وزيادة موارده المالية والفنية، وستديره نخبة من التكنوقراط ذوي الخبرة في هذا المجال. ويُفترض به أن يعتمد آليات الشفافية والمراقبة والتقييم والحضانة قبل وبعد للمشاريع التي يمولها، لضمان تحقيق الأهداف المرجوة وتقديم التقارير الدورية عن مدى تقدم المشاريع الممولة.

ربما تبدأ خمس منظمات هذا الاتحاد وتسهم في ضخ مليون دولار كرأس مال للصندوق. لاحقاً قد تبدأ المنظمات الأخرى في توءَمة هذه التجربة. إحدى الفوائد العظيمة هي ضبط بوصلة المنطقة في القطاع المالي ككل، وقد نشهد طفرة نوعية في إقبال الشباب على الابتكار والمنافسة للحصول على التمويل، وتحقيق نسبة نجاح عالية للمشاريع، وإحداث سياسات وقوانين لتسهيل عمل هذه الصناديق. لاحقاً أيضاً، قد نشهد بذرة نموذج تنموي لمنطقة شمال غربي سوريا عبر هذه الصناديق، وربما نتخلص من أموال المساعدات الإنسانية، من يدري! المهم بدء العمل.