أُقيمت 39 فعالية جانبية خلال التحضير لمؤتمر بروكسل الثامن حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" تناول بعضها مرحلة التعافي المبكر من عدة جوانب مثل: التعافي المبكر في سوريا المخاطر والفرص للإسكان وحقوق الملكية، وضمان آليات مكافحة العنف ضد النساء خلال مرحلة التعافي المبكر، وكيف يمكن تحويل التحديات إلى فرص، والتعافي المبكر وتعليم الفتيات، والنهج المحلي للتعافي المبكر في سوريا، ونحو تحديد التعافي المبكر في سوريا.
هناك اهتمام منقطع النظير بالتعافي المبكر خلال هذه المرحلة من النزاع الجاري، سواء من قبل المجتمع المدني أو الدولي، ترافق هذا مع دعوة لإطلاق استراتيجية التعافي المبكر في سوريا وتأسيس صندوق لتمويل نشاطاته تحت اسم Early Recovery Trust Fund (ERTF) انطلاقاً من دمشق وتحت إشراف المنسق المقيم للأمم المتحدة. لا تزال هذه الدعوة قيد الدراسة والمراجعة وربما لا تُقر في المستقبل!
من حيث المبدأ، لا يزال مصطلح التعافي المبكر في بيئات النزاع قيد التدارس في أروقة الجامعات والهيئات الدولية ومادة للنقد والنقاش بين الباحثين على اختلاف تخصصاتهم. على أن التحدي الكبير هو كيفية دمج الجهود الإنسانية والتنموية لمعالجة جذر الأزمة والنزوح القسري في بيئات النزاع.
وقد قاد هذا النقاش إلى ظهور عدة مناهج، ذُكرت في دراسة لدينيس ديكزول وأناليسا أدّيس، ناقشا مختلف المناهج لدمج العمل الإنساني والتنموي في مواجهة الأزمات. ومن بينها: الربط بين الإغاثة وإعادة التأهيل والتنمية (LRRD) Linking Relief, Rehabilitation, and Development، تم اعتماده من قبل المفوضية الأوروبية كاستجابة للزيادة في عدد الأزمات المعقدة بعد الحرب الباردة، يركز على إنشاء سلسلة مستمرة من الإغاثة في حالات الطوارئ إلى التأهيل ومن ثم إلى التنمية.
وأصبح هذا المنهج أقل شيوعاً بالأخص بعد فشله في تحقيق الاندماج الفعّال بين الإغاثة والتنمية بسبب الافتقار إلى الدعم المؤسسي والتنظيمي الكافي.
والمنهج الثاني هو التعافي المبكر، معتمد ضمن نظام المجموعات الذي صممته الأمم المتحدة والتي تم تطبيقها في إطار "النزاع السوري" ويركز على جهود التعافي من "الأزمة"، تم تطويره واستخدامه بعد مراجعة عام 2005 التي أجرتها الأمم المتحدة للنظام الإنساني العالمي، والتي أشارت إلى عدة نواقص في الاستجابة الإنسانية.
وصف مجموعة التعافي المبكر عادةً "ما الذي يجب فعله خلال وبعد الأزمة"، ومن ضمن انتقادتهما على هذا النهج، الغموض وعدم الوضوح.
أما المنهج الثالث فيقوم على الصمود (Resilience) والذي اكتسب زخماً منذ بروتوكل Kyoto ويركز على دمج الإجراءات الإنسانية والإنمائية من خلال تعزيز قدرة المجتمعات والدول على التعافي من الأزمة والنزاع. يعاني هذا المنهج أيضاً من انتقادات وتحديات في التطبيق.
وأخيراً هناك منهج العلاقة الثلاثية Triple Nexus الذي يشمل دمج العمل الإنسانية والتنمية وبناء السلام، اكتسب هذ المنهج اهتماماً بعد القمة الإنسانية العالمية لعام 2016 في محاولة لتحديث النظام الدولي للمساعدات وجعله أكثر استجابة للتحديات المعاصرة.
يركز على الحاجة إلى نهج أكثر شمولية وتكاملية يضم الاستجابة الإنسانية، التنمية، وبناء السلام كعناصر متداخلة ومترابطة تعزز بعضها البعض، يهدف إلى تحسين التنسيق والتكامل بين الأضلاع الثلاثة لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمات والاستجابة بشكل أكثر فعالية للحاجات العاجلة والمتوسطة والطويلة الأمد للمجتمعات المتضررة.
وفقاً للدراسة والمؤلّفين، فقد عرّفا التعافي المبكر بأنه نهج يُركز على بدء عملية التعافي منذ اللحظات الأولى للأزمة، ويُقصد به تسهيل الانتقال من الإغاثة في حالات الطوارئ إلى الاستقرار والبناء المستدام، ويتم تنفيذه عبر تدخلات تسعى لإعادة بناء البنية التحتية، تعزيز الحكم، وتحفيز استعادة الاقتصاد المحلي. وتوصف مجموعة التعافي المبكر عادةً "ما الذي يجب فعله خلال وبعد الأزمة"، ومن ضمن انتقادتهما على هذا النهج، الغموض وعدم الوضوح، إذ يعتبر المفهوم واسعاً يصعب معه تحديد الأهداف المنوطة به بشكل واضح ومنظّم، وتحديد الأدوار الفعلية بهذا النهج.
وهناك تحديات متعلقة بالقيادة والتنسيق ضمن هذا النهج، حيث يعتبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP الجهة المسؤولة عن التعافي المبكر، ولكن غالباً ما تواجه الجهود نقصاً في الموارد والالتزام مما يقلل من فعالية التنفيذ.
يُركز على تمكين المجتمعات المحلية، وإعادة بناء الثقة، وتعزيز المرونة ودعم الحوكمة الفعالة.
كما يفترض هذا النهج الانتقال من الإغاثة إلى التنمية عبر تسلسل شبه خطي بدون مواجهة عقبات ومشكلات، ويعاني من تبسيط لعملية الانتقال من الاستجابة الطارئة إلى التعافي طويل الأمد.
ومن بين الانتقادات عليه أيضاً، الطبيعة الشاملة للتعافي المبكر وتعدد المهام المنوطة بها، فأحياناً لا يكون من الواضح ما هي القيمة المضافة الفعلية لهذا النهج مقارنة بالجهود التقليدية الأخرى في مجال الاستجابة للأزمات، بالإضافة إلى التداخلات مع مرحلة إعادة الإعمار.
الآن، على اعتبار رغبة المجتمع الدولي بفتح صندوق ائتماني للتعافي المبكر يُدار من دمشق ويشرف عليه المنسق المقيم للأمم المتحدة، فنحن محكومون إذاً بهذه المنهجية وتعريف الأمم المتحدة لها والتي تعرفها على أنها مجموعة من الأنشطة التي تساعد الأفراد والمجتمعات المتضررة على استعادة الخدمات الأساسية، وإصلاح وإعادة بناء البنية التحتية، واستعادة الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز القدرة على مواجهة المستقبل والمخاطر المحتملة.
كما يُركز على تمكين المجتمعات المحلية، وإعادة بناء الثقة، وتعزيز المرونة ودعم الحوكمة الفعالة. وتسعى الأمم المتحدة أيضاً خلال هذه العملية إلى ربط الاستجابة الإنسانية مع مسار التنمية لضمان استدامة الانتعاش والتنمية.
وعليه، ستعمل الأمم المتحدة جاهدةً على مساعدة المجتمعات المتضررة التي تضررت من نظام وحكومة الأسد في دمشق، وعلى استعادة الخدمات الأساسية التي دمّرها وخرّبها النظام على مدار 13 عاماً، وستموّل مشاريع لإصلاح وإعادة بناء البنية التحتية التي لم يألُ النظام جهداً في تدميرها، وستعمل أيضاً على استعادة الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة والمنظومة الاقتصادية حيث تسبب النظام بإعادة البلاد عقوداً إلى الوراء وهجرة الرساميل الوطنية وتدمير المناطق والمدن الصناعية وبيع مقدرات البلد لروسيا وإيران وجعل 85% من الشعب تحت خط الفقر، وستحاول الأمم المتحدة تعزيز مرونة النظام ودعم حوكمته المهترئة والفاسدة، وأخيراً ربط مرحلة الاستجابة الإنسانية التي سعى النظام جاهداً لاستغلالها بمرحلة التنمية.
فعن أي تعافٍ وتنمية تتحدث الأمم المتحدة! ولما لا تقول أنها تسعى لتعافي نظام الأسد في السلطة وإعادة البلد لما قبل 2011 وإراحة نفسها من كل هذه التفاصيل والمناقشات وبيع المصطلحات. أليس الأفضل للأمم المتحدة أن تبذل جهوداً في تحريك العملية السياسية وتطبيق القرارات الدولية 2254 وضمان حصول انتقال سياسي للسلطة، لتحقيق التعافي الحقيقي الذي ينشده السوريون لا الذي ينشده النظام.