icon
التغطية الحية

لمواجهة "صعوبات التعلّم".. مشروع رائد في شمال غربي سوريا |صور

2024.09.17 | 06:46 دمشق

مشروع معالجة صعوبات التعلّم
مشروع "معالجة صعوبات التعلّم" في تركيا والداخل السوري (تلفزيون سوريا)
إدلب ـ عز الدين زكور
+A
حجم الخط
-A

خلّفت ظروف التهجير والتنقّل القسري للسوريين، سواء هرباً من الهجمات والتهديدات الأمنية أو للبحث عن أماكن توفّر مصادر دخل مستقرة، آثاراً سلبية على فئة الطلاب بسبب الانقطاع التعليمي المتكرر والتأخّر الدراسي صفوفاً، الأمر الذي أحدث فجوة في القطاع التعليمي، تعمل مؤسسات إنسانية مختصة على سدها، في وقتٍ تشهد فيه منطقة شمال غربي سوريا انخفاضاً نسبياً في حجم الهجمات.

وتكشف الإحصاءات هولَ الكارثة في القطاع التعليمي، إذ إنّ فريق "منسقو استجابة سوريا" قال عبر بيان صادر في "اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات"، إن أكثر من 2.3 مليون طفل في سوريا يعانون التسرب التعليمي، بينهم 300 و86 ألفاً في منطقة شمال غربي سوريا.

وقد أخرجت هجمات النظام السوري وروسيا على المنطقة ذاتها، أكثر من 891 مدرسة عن الخدمة، كما تغيب النقاط التعليمية والمدارس عن 66% من مخيمات المنطقة، الأمر الذي يضطر الطلاب إلى قطع مسافات طويلة للحصول على التعليم، وفقاً للتقرير.

"ما بعد العودة إلى المدرسة"

يواجه الطلاب في مرحلة ما بعد العودة إلى المقعد الدراسي تحديات إكمال المسار التعليمي، بسبب الانقطاع في السلسلة التعليمية المتكاملة، وهي واحدة من الأسباب التي تشكل عائقاً أمام عودة الطلاب إلى التعليم.

"محمد" ـمهجر من مدينة خان شيخون جنوبي إدلبـ عاد في العام الدراسي الماضي إلى دارسة الصف التاسع (الشهادة الإعدادية) بعد انقطاع ثلاث سنوات بسبب ظروف النزوح والتهجير، تخلّف خلالها عن دراسة الصفوف الإعدادية (الثامن والتاسع)، ليتفاجأ بصعوبة البدء في دراسة الشهادة الإعدادية بسبب افتقاده للتأسيس.

يقول "أبو أحمد" ـوالد الطالب محمدـ في حديثٍ لـ موقع تلفزيون سوريا: "عانينا جداً في البداية بسبب صعوبة استيعابه وفهمه للمادة العلمية، خاصةً أن الصفين الدراسين اللذين انقطع عنهما، مرتبطان بشكل وثيق في المادة العلمية في الصف التاسع، الأمر الذي اضطرنا لتسجيله في دورات خاصة في المنزل".

ويتابع: "التحديات كانت كبيرة فنحن أمام شهادة وتحتاج لوقت كاف لدراستها، إلى جانب الدروس التعويضية من أجل استيعاب المادة العلمية، مما أخذ وقتاً وجهداً كبيرين من محمد ليتمكن من اجتياز الامتحانات ـ والحمد لله- تمكن من ذلك، لكن بدرجات متواضعة بسبب الانقطاع".

ويشير "أبو أحمد" إلى أن "انقطاع محمد كان بسبب نزوحهم إلى عدة مناطق بريفي إدلب وحلب عقب التهجير من المدينة، أواخر عام 2019، فضلاً عن أن الظروف المادية كانت متردية للغاية وهو ما اضطره للعمل، لكن ما إن استقرت أوضاعنا نسبياً أعدته للدراسة وترك العمل".

"حركة إصلاحية"

تنبهت مؤسسات إنسانية في منطقة شمال غربي سوريا وشركاء آخرون في الخارج، إلى صعوبات التعلّم التي تواجه طلاب المنطقة، مستمدين الفكرة من أوضاع الطلاب السوريين في بلدان اللجوء ـتحديداً تركيا ومصر والأردن ولبنانـ فجاءت فكرة إطلاق مشروع "معالجة صعوبات التعلّم" من قبل جمعية "عطاء للإغاثة الإنسانية" بالشراكة مع "جمعية التميز الإنساني في الكويت، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وصندوق التضامن الإسلامي للتنمية، والبنك الإسلامي للتنمية".

وانطلق المشروع من "حالة الطوارئ التي تشهد انخفاضاً في جودة التعليم بسبب الأضرار التي تصيب المنشآت التعليمية ـالمدارس أبرزهاـ والعجز الذي يصيب المعلمين المؤهلين في التعامل مع الطلاب".

وأضف إلى ذلك، الاضطرار للاستعانة بمعلمين غير مؤهلين نتيجة الاستنزاف الحاصل في الكوادر المؤهلة بسبب الهجرة أو الإصابة أو العزوف عن العمل في مهنة التعليم لعدة أسباب"، وفق إبراهيم النداف -المنسق الميداني لمشروع "معالجة صعوبات التعليم"- في شمال غربي سوريا.

ويقول "النداف" لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ ذلك "يؤدي إلى ظهور العديد من صعوبات التعلم لدى الطلاب في مختلف المواد الدراسية، وتتحوّل تلك الصعوبات إلى تهديد خطير لمنظومة التعليم، ويزداد الهدر التعليمي بسبب ارتفاع نسب الرسوب بين التلاميذ والتسرب المدرسي، الأمر الذي استدعى تبنّي حركة إصلاحية جادة وحقيقية للتصدي إلى تلك الصعوبات تشخيصاً ومعالجة وسعياً للتغلب على الأعراض الناشئة عنها، هذا بالضبط ما يهدف إليه مشروع معالجة صعوبات التعلم".

ست مراحل

انطلق المشروع، في العام 2021، بمشاركة خمس دول عربية وهي سوريا ومصر والكويت ولبنان والأردن، ويتكون من ست مراحل رئيسية، يلخّصها المنسق الميداني للمشروع في التالي:

  1. مرحلة الرصد: وهي مرحلة لفهم الواقع من خلال الطلاب والمعلمين والوقوف على الصعوبات التي يعاني منها الطلاب في المواد كلها، جرى خلالها استبيانات لأكثر من ألف و85 معلماً، واختبارات لـ11 ألفاً و541 طالباً سورياً في لبنان والأردن وشمال غربي سوريا.
  2. مرحلة البناء: تأليف أدلة تعليمية تواكب المناهج المدرسية من الصف الأول حتى السادس في جميع المواد بما فيها اللغة التركية، هذه المناهج التي ترشد المعلمين إلى استراتيجيات وأنشطة تستخدم لتشخيص الصعوبات لدى طلابهم ومعالجتها وبلغ عددها 42 دليلاً أكاديمياً ونفسياً.
  3. مرحلة التدريب: تهدف إلى تدريب المعلمين على كيفية استخدام الأدلة بما تتضمنه في تشخيص ومعالجة صعوبات التعلم لدى الطلاب، وقد تم تدريب ألف و47 معلماً ومعلمة في كل من ريفي إدلب وحلب.
  4. مرحلة التطبيق: فتح المشروع 21 مركزاً في المناطق المستهدفة، تم فيها معالجة صعوبات التعلم لدى ألف و774 طالباً وطالبة وبلغ عدد المعلمين والمشرفين العاملين في هذه المراكز في هذه المراكز 151 معلماً ومشرفاً، إضافة إلى مركز في منطقة عفرين لمعالجة صعوبات تعلم اللغة التركية.
  5. مرحلة التقييم: تهدف إلى تقييم المشروع من وجهة نظر كل من الطلاب الذين استهدفوا بالمعالجة، وأهالي الطلاب ومديري المدارس التي استهدف طلابها بالمعالجة، والمعلمين المشاركين بمرحلة التطبيق، والأكاديميين والخبراء التربويين بهدف الوقوف على التحديات والفرص.
  6. مرحلة التعميم: يتجهز المشروع لإطلاق منصة إلكترونية تضم كل مخرجات المشروع من دراسات وأبحاث مسحية تمت في المرحلة الأولى، إضافة إلى أدلة المعالجة والحقائب التدريبية، مع إتاحة الفرصة أمام جميع المشاركين في المنصة لمشاركة تجاربهم العملية ونجاحاتهم الصفية ولتقديم خدمة الدعم الفني من الأكاديميين والخبراء الفنيين للمعلمين عبر المنصة، وستكون متاحة أمام جميع المعلمين الذين تم استهدافهم بالتدريب في كل من لبنان والأردن وشمال غربي سوريا، إضافة إلى الأكاديميين مؤلفي أدلة المعالجة، وبرامج الدعم النفسي والهوية الوطنية والخبراء والمشرفين الفنيين، والمؤسسات التربوية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالتعليم.

"خبراء أكاديميون"

يشير "النداف" إلى أن أنشطة المشروع في شمال غربي سوريا يشرف عليها "وحدة الدعم الطلابي"، ومهمتها التواصل والتنسيق مع العديد من مديريات التربية بهدف تأهيل المعلمين على رأس عملهم وتمكينهم من التعامل مع أدلة معالجة صعوبات التعلم، وستعمل لاحقاً على التواصل مع المزيد من المديريات ومنظمات المجتمع المدني لنشر البرنامج على أوسع نطاق ممكن".

وبحسب "النداف"، تتضمن مهام الخبراء الأكاديميين في الوحدة، تدريب المعلمين على أدلة معالجة صعوبات التعلم وتقديم الدعم الفني لهم في الميدان أو عبر التواصل الإلكتروني، إضافة إلى تقديم الإرشاد والتوجيه للأهالي ومقدمي الرعاية فيما يخص صعوبات التعلم الأكاديمية لدى أبنائهم أو الصعوبات ذات المنشأ النمائي والنفسي.

ويوضّح محدثنا أن "الوحدة مستمرة في تقديم عدة أنشطة وبرامج، منها استهداف المزيد من معلمي مدارس الحلقة الأولى بالتدريب على أدلة معالجة صعوبات التعلم، والمتابعة المستمرة من خبراء الوحدة للمعلمين المتدربين في مدارسهم لتقديم الدعم الفني لهم والوصول بهم لأعلى أداء ممكن، والتشبيك مع منظمات المجتمع المدني المعنية بالتعليم في شمال غربي سوريا، ليصبحوا شركاء في تعميم البرنامج من خلال صيغة تعاون يتم الاتفاق عليها، وإتاحة الوحدة أمام المعلمين الراغبين بتلقي الإرشادات من خلال الزيارات الفردية، وكذلك إتاحة الوحدة أمام الأهالي ومقدمي الرعاية الراغبين بتلقي الدعم والاستشارة من خلال الزيارات الفردية، ورصد الواقع في شمال غربي سوريا للوقوف على الاحتياجات الفنية اللازمة لتحسين التعليم، واقتراح البرامج المناسبة".

"عامل الوقت"

يوضح محمد البكري ـ مدرّس في مدرسة الأيتام ببلدة قاح شمالي إدلبـ أن "المدارس في كل عام دراسي تواجه فئة ذات مستوى ضعيف تعليمياً من الطّلاب لأسباب متباينة منها تعود للانقطاع أو لأسباب نفسية أو بسبب ظروف التهجير وغيرها، لذلك كان الدليل الجديد الخاص بصعوبات التعلّم، تجربة فريدة ومميزة في التعليم، إذ يركز على الجانب العملي بسبب رئيس، وهو ما ساعد على انجذاب الطّلاب نحو الفكرة".

ويضيف في حديثٍ لـ موقع تلفزيون سوريا: "نحاول أن ندخل أشياء من الحياة اليومية المفهومة والمبسّطة بالنسبة للطلاب لتسهيل عملية الفهم والاستيعاب، وبالفعل حققت الفكرة نجاحاً وفرقاً واضحاً لديهم".

وحول أبرز التحديات التي واجهت المدرّسين، يقول "البكري" إنّ "عامل الوقت كان تحدياً بارزاً، على اعتبار أن أنشطة البرنامج التعليمي تحتاج لمساحة أكبر.. وكان من ضمن الخطة، الدوام يوم الخميس وهو يوم عطلة للطالب في الحالة الطبيعية، الأمر الذي شكّل حالة ضغط للطالب أحياناً، على اعتبار أن باقي زملائه الطلاب غير موجودين ضمن البرنامج، بسبب أن الأخير لا يستهدف جميع الطلاب وإنما فقط الذين يعانون من صعوبات التعلم".

من جهته، يجد محسن الفارس ـمدرس في مدرسة "أحمد ابن حنبل" في منطقة دير حسان شمالي إدلب- أنّ "المشروع قدم دلائل مميزة لمعالجة صعوبات التعلم لدى الطلاب، عبر أسلوب عملي محبب ومرغّب للطلاب، وهو ما التمسنا في إثره استيعاباً وتفاعلاً من قبل الطلاب، فضلاً عن تطور ملحوظ في قدرات التواصل".

ولم يقتصر الأثر الإيجابي للدليل فقط على الطلاب، وإنما على المدرّسين أيضاً، وفق "الفارس"، ويشير إلى أن "الدليل وفّر استراتيجيات وطرق تعليم، ربما كانت مبعثرة وغير منظمة بالنسبة لنا، وأعاد تنظيمها لنا ضمن استراتيجيات فعّالة".

مصطفى الأسعد ـمدرس في مدرسة "غراس الشام" ببلدة كفرلوسين شمالي إدلبـ يوضح لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ "المشروع دقيق في استهداف الطلاب وتجاوز الضعف لدى الطّلاب في بعض المواد، فمثلاً نجد طالباً مميزاً في كل المواد باستثناء مادة واحدة، فهنا تكمن أهمية الدليل لتحسين مستوى الطالب في المادة، موطن الضعف، وبالتالي يصبح على سوية واحدة في جميع المواد".

"الأسعد" يتفق مع زميله "البكري" في مسألة ضغط الوقت، التي عانى منها الطلاب خلال المشروع، على اعتبار أنه تطلب إضافة يوم دراسي -يوم الخميس- وهو في الأصل عطلة أسبوعية.

يشار إلى أنّ معدلات التسرب المدرسي ازدادت بشكل ملحوظ في شمال غربي سوريا، خلال السنوات الماضية، حيث يواجه آلاف الأطفال والشباب صعوبة في مواصلة التعليم، ما يشكّل تهديداً لمستقبل الجيل الصاعد، فضلاً عن الآثار السلبية على التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.