icon
التغطية الحية

لماذا يقف النظام السوري في صف الإمارات ضد إيران في النزاع على جزر الخليج؟

2024.06.12 | 16:47 دمشق

خريطة لموقع جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى - المصدر: الإنترنت
خريطة لموقع جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى - المصدر: الإنترنت
Robert Lansing Institute- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أيد النظام السوري بياناً خرجت به قمة الجامعة العربية في البحرين يقضي بتعزيز"سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث" في الخليج، في إشارة إلى جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى.

زعمت إيران أن تلك الجزر لها وسيطرت عليها منذ عام 1971، إذ استأثرت بتلك الجزر منذ انسحاب المملكة المتحدة من المنطقة وإعلان استقلال دولة الإمارات.

لم يكن البيان الذي خرجت به الجامعة العربية جديداً، بيد أن النظام السوري أيده في هذه السنة مما أثار استغراب إيران، بما أن دمشق قد عادت لتوها إلى الجامعة العربية في أيار 2023 بعد أن طردت منها لمدة 13 عاماً بسبب وحشية النظام خلال الحرب السورية.

تجمع بين إيران وسوريا علاقات استراتيجية عمرها عقود طويلة، إذ كانت سوريا واحدة من دول قليلة أيدت إيران خلال الحرب الدموية بينها وبين العراق (1980-1988)، ومؤخراً، أيدت إيران بشكل حاسم الديكتاتور بشار الأسد في الحرب السورية التي بدأت عام 2011، فنشرت رجال الميليشيات وقدمت مليارات الدولارات دعماً للنظام.

من دون الدعم الإيراني، إلى جانب التدخل العسكري الروسي الحاسم في عام 2015، كاد الأسد أن يخسر السلطة، ولهذا أثار انحياز النظام ضد طهران حفيظة بعض الناس في إيران فيما يتصل بالنزاع الإقليمي طويل الأمد مع أبو ظبي.

استنكر الإعلام الرسمي الإيراني تلك الخطوة، واتهمت بعض الصحف النظام السوري بالاستخفاف بالوقائع التاريخية التي تبين حق إيران المشروع بهذه الجزر الاستراتيجية القريبة من مضيق هرمز.

وعلى الرغم من موجة الاستنكار العلنية، لا يرجح أحد لهذه الحادثة أن تتسبب بخلق شقاق كبير في العلاقات السورية-الإيرانية، فلقد أدرك النظام بأنه إن كان يريد أن يحافظ على إقامة علاقات بناءة مع الجامعة العربية، فعليه أن يلتزم بالمبادرات التي تحظى بشعبية ساحقة مثل وضع جزيرة أبو موسى.

كما أقر النظام أيضاً بأن هذا الاعتراف لن يضر بالعلاقات السورية -الإيرانية، ومن المرجح لطهران أن تفسر ذلك بصورة رمزية على أنه جزء من عملية تطبيع النظام مع العالم العربي لا انشقاقاً عن محور إيران الذي يعتبر الأهم بالنسبة للنظام.

اعترف النظام أيضاً بملكية روسيا لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا ولأوسيتيا الجنوبية التابعة لجورجيا، على الرغم من إجماع العالم على عدم الاعتراف بذلك.

بيد أن الاعتراف بحق إيران في جزيرة أبو موسى وجزيرتي طنب الكبرى والصغرى ستترتب عليه تعقيدات سياسية أشد على النظام.

العروبة أولاً

بالنسبة للأسد، لا يشبه اعترافه بملكية روسيا للقرم اعترافه بملكية إيران لتلك الجزر في أي شيء، لأن اعتراف دولة بعثية تؤمن بالقومية العربية بملكية إيران لتلك الجزر الثلاث لا بد أن يقوض كل مزاعم الأسد وادعاءاته. ثم إن إيران صرفت مليارات الدولارات وأرسلت كثيراً من الجنود لتنقذ نظامه من الانهيار، ومع ذلك يجب على الأسد أن يقف مع عروبته، ولهذا فإن انتماء الأسد للعرب والعروبة يلعب دوراً مهماً في هذا السياق.

مايزال النظام السوري يتبنى أيديولوجيا سياسة قائمة على القومية العربية وتؤيد الإمارات في امتلاك جزيرة أبو موسى بوصفها جزءاً من إرثها التاريخي. لذا فإن تغيير الاتجاه عبر تأييد مزاعم إيران لا بد أن يقوض مزاعم النظام وادعاءه بأنه خير من يمثل القومية العربية.

بيد أن الواقع يثبت بأن ما يقوله النظام بخصوص هذا الأمر لن يغير الوضع على الأرض، وذلك لأن إيران لم تبد أي اهتمام في التفاوض على الوضع النهائي لتلك الجزر، في حين لا تمتلك الإمارات الإمكانات التي تعينها على استعادة الجزر عبر الضغط أو بالقوة.

كما أن الأسد لم يعد بحاجة إيران كما كان في بدايات الحرب السورية، بل أصبح بحاجة أكبر لمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، لذا، فإن إيران قد تعتبر هذا الموقف مهيناً للقيادة الإيرانية التي استثمرت كثيراً في بناء علاقات مع النظام.

يقول أحد الخبراء: "تبدي سوريا موقفاً معادياً للغرب ومؤيداً لروسيا، ولهذا فهي لا تعبأ بأي علاقة مع أوكرانيا أو جورجيا، لذا لن يستغرب أحد اعترافها بأوسيتيا الجنوبية أو ضم روسيا للقرم، لأنها أصبحت الآن تقدر علاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، ولهذا السبب لن تؤيد سوريا حق إيران بجزيرة أبو موسى".

الإمارات هي المفتاح

في الوقت الذي كسب فيه النظام عودته إلى الجامعة العربية وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات والسعودية اللتين تعتبران من أهم دول مجلس التعاون الخليجي، ماتزال هنالك قضايا خلافية بين النظام وهاتين الدولتين العربيتين، وماتزال أكبر مشكلة مثيرة للخلاف هي مشكلة مواصلة النظام تصديره للكبتاغون إلى مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ولهذا بقيت دول مجلس التعاون الخليجي تتمنى أن يسهم إحياؤها لعلاقاتها مع النظام في إجبار دمشق على الحد من تصدير الكبتاغون إليها.

يرجح كثيرون أن الأسد يفكر بمراعاة حساسيات الدول الأعضاء في الجامعة العربية، مع تلهفه لتطمين قادة تلك الدول بأن سوريا ستبقى فرداً من العائلة العربية، ولهذا كانت علاقات سوريا مع الإمارات مفتاحاً لتحديد توجهات النظام، بما أن الإمارات تتمتع بعلاقات دولية متميزة، وتحتل مكانة مهمة ضمن دول مجلس التعاون الخليجي.

كما أنه من المهم لهذه الدولة الخليجية أن تحيي علاقاتها مع الأسد وأن تساعده في العودة إلى الجامعة العربية، وهذا ما فعلته الإمارات خلال السنوات الأربع الماضية، والأسد يقدر تلك العلاقة كثيراً ويدرك بأنه لم يعد أمام إيران خيارات كثيرة، لأنها لا تريد أن تخوض حرباً كبرى مع إسرائيل من خلال سوريا، وكذلك سوريا لا تريد ذلك هي أيضاً. ثم إن القوات الإيرانية ماتزال مهمة لإبقاء الأسد في السلطة، ولهذا، ليست هنالك أية فسحة أمام سوريا تتيح لها الحد من النفوذ الإيراني على المدى القريب بهدف التصدي لتلك الحرب الصريحة المتواصلة مع إسرائيل على الحدود السورية، أي إن النظام السوري يود أن يوجه رسالة تفيد بأنه ترغب بإقامة علاقات أقرب وأعمق مع العالم العربي.

كما أن الأسد لا يريد لبلده أن تخوض حرباً مع إسرائيل من شأنها أن تقضي عليه، وفي الوقت ذاته لم يعد بحاجة للحرس الثوري الإيراني بما أن الحرب وصلت لطريق مسدود وليست هنالك أي فرصة تتيح لأي فصيل معارض الزحف والتقدم نحو دمشق الآن. لذا، فإن كل تلك الأمور ما هي إلا سياق يهدف للحد من الاعتماد على طهران.

 

المصدر: Robert Lansing Institute