عاد نظام بشار الأسد للعب أدوار سياسية جديدة في محاولة لإظهار نفسه طرفاً إقليمياً فاعلاً عله يخرج من عزلته الخارجية أو لتحصيل منافع مالية لإنعاش النظام الذي يقود أسوأ المراحل السياسية والاقتصادية بتاريخ سوريا.
وهذه المرة استطاع رئيس جهاز المخابرات العامة التابعة للنظام اللواء حسام لوقا كسر الجليد بين دولة الامارات العربية المتحدة وبين حزب الله، على الرغم من تصنيف الحزب على أنه تنظيم إرهابي تتهمه الإمارات بزعزعة أمن الخليج العربي، في حين اتهم حزب الله سابقاً الإمارات أنها "وكر الصهاينة".
وبحسب المعلومات فإن لوقا عمل خلال الأشهر السابقة على فتح ثغرة في جدار العلاقة بين حزب الله ودولة الإمارات تحت عناوين سياسية وأمنية يسوق النظام أنه القادر على ضمانتها.
وفيق صفا في الإمارات بصحبة لوقا
من هذا المنطلق غادر رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا إلى دولة الإمارات بطائرة خاصة اصطحبت وفداً من حزب الله مساء الإثنين الماضي، في حين وصل قبله بساعات قليلة رئيس المخابرات السورية اللواء حسام لوقا.
وبحسب مصدر دبلوماسي عربي رفيع أكد لـ"تلفزيون سوريا" أن صفا سيلتقي مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد ومدير المخابرات الإماراتية علي الشامسي، ويعتقد المصدر أن زيارة صفا إلى الإمارات تعني انتهاء الدور الدبلوماسي الذي كان يلعبه سابقاً المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم.
ملفات متعددة.. الموقوفون والحرب وهواجس مشتركة
بالمقابل يؤكد المصدر أن التفاوض والذي جرى لعدة أشهر وتحديداً منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، برعاية وطلب شخصي للأسد من نظيره الإماراتي محمد بن زايد، ترجم بزيارة صفا إلى أبو ظبي لبحث مجموعة من الملفات العالقة أبرزها:
- ملف الموقوفين اللبنانيين في الإمارات العربية المتحدة بتهم متعددة حيث جرى توقيف مجموعة من اللبنانيين منذ العام 2012، واعتقالهم في سجن الوثبة الإماراتي بعد إدانتهم بالتعامل والتخابر لصالح حزب الله وإيران، إلى جانب اتهامات بتبييض الأموال لصالح إيران، وتمويل حزب الله والتخطيط للقيام بأعمال إرهابية ومراقبة المطارات والثكنات العسكرية، وبحسب المعلومات فإن المفاوضات أدت إلى موافقة السلطات الإماراتية بإخلاء سبيل جميع الموقوفين خلال الساعات المقبلة، على أن يتم تأمين عودتهم إلى بيروت برفقة صفا مساء اليوم الأربعاء.
- تؤكد المصادر أن صفا سيناقش مع المسؤولين الأمنيين في الإمارات ملف الحرب الدائرة في قطاع غزة وجنوبي لبنان وسبل وقف الحرب الحاصلة، والدور الذي من الممكن أن تلعبه الإمارات في لبنان وغزة بعد الحرب، إضافة إلى ملف ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
- يؤكد المصدر أن صفا سيحرص في زيارته على فتح علاقة سياسية دائمة مع أبو ظبي بحجة حالة الانفتاح الحاصلة بين دول الخليج وايران والتي ستنعكس في لبنان وسوريا، ما يعني أنه سيجري التطرق للملف الرئاسي، وخاصة في ظل ما ظهر خلال الأيام الماضية عن رغبة الإمارات بدعم وصول جورج خوري (مدير المخابرات اللبنانية السابق) إلى سدة الرئاسة، والدخول على خط نشاط اللجنة الخماسية، في حين يعتبر خوري القريب من أبوظبي على علاقة متقدمة بالنظام السوري وحزب الله.
ويعتقد المصدر أن ترتيب العلاقة بين الجانبين يأتي في ظل حالة التراجع في علاقة السعودية والإمارات منذ مدة، ما يعني محاولة الأسد وحزب الله اللعب على وتر الخلافات العربية للدخول عبرها في علاقات بينية مع الدول.
ويشير المصدر أن حزب الله سيعمل على تبديد هواجس أبوظبي عبر إعطاء ضمانات بعدم إنشاء أي خلايا أو تنشيط أي عمل أمني في الإمارات.
أهداف أبو ظبي.. النفاذ إلى لبنان عبر دمشق
بالتوازي يشير حكومي لبناني رفيع لـ"تلفزيون سوريا" أن توقيت زيارة صفا إلى بيروت تندرج في إطار واضح وهو أن الإمارات تسعى للعودة للملفات الإقليمية وتحديداً ملفي لبنان وغزة، في ظل سعيها لإشراك محمد دحلان في صناعة سلطة فلسطينية جديدة في غزة، ولعب دور سياسي جديد في لبنان.
ويعتبر المصدر أن النظرة الإماراتية تستمد من مؤشرات ظهرت منذ مدة في الساحة اللبنانية:
الأولى: محاولة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري العودة إلى لبنان بالتزامن مع الذكرى السنوية لاغتيال والده وخاصة في ظل الفيتو السعودي على عودته واتخاذه من أبوظبي مقراً لنشاطاته وأعماله، ويشير المصدر أن الحريري وخلال زيارته للبنان منتصف شهر شباط الماضي ألمح بشكل واضح لدعمه وصول حليف النظام السوري وحزب الله سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية ما قد يؤسس لعودته إلى لبنان بغطاء إماراتي.
والثانية: محاولة التصويب على تصاعد القوى الإسلامية وجماعات الإسلام السياسي والتي تعتبر طرفاً سياسياً حاضراً في المشهد اللبناني، والهواجس الإماراتية من أن تتصاعد هذه الحالة من جديد في الساحة اللبنانية ما يمكن أن تؤدي إلى "عدوى" تعيد إحياء هذه المجموعات، لذا وجب ربط العلاقة مع حزب الله لضبط صعود هذه المجموعات في الساحة اللبنانية.
بالمقابل يعتبر المصدر أن أبوظبي ألمحت أمام مسؤولين لبنانيين أكثر من مرة إلى رغبة دول عربية في إعطاء دور "ضابط الإيقاع" لنظام الأسد في الملف اللبناني على اعتبار أن النظام خبر لبنان سابقاً خلال مرحلة الوصاية والتي انتهت في العام 2005، في حين رفضت الأطراف اللبنانية هذا الخيار على اعتبار أن النظام يعيش أزمة تجعله لا يستطيع إدارة سوريا، فكيف العودة إلى لبنان، والأهم من ذلك أن حزب الله ومن خلال أدائه السياسي لا يفضل نهائياً عودة النظام إلى لبنان، بعد إمساك الحزب بالورقة اللبنانية بشكل كامل.
يشار إلى أن الإمارات كانت قد أجرت تواصلاً في السنوات الماضية مع حزب الله عبر وفود أمنية بهدف متابعة حيثيات الملف اليمني والسوري بشكل خاص.