قالت لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، إنّ البلاد تشهد أشد موجة تصعيد في القتال، منذ عام 2020، بالتزامن مع تزايد التوترات بين القوى والأطراف الأجنبية الستة النشطة في سوريا.
وحذّرت اللجنة، في تقرير صادر عنها، اليوم الإثنين، من أن سوريا تواجه موجة من العنف لم تشهدها منذ عام 2020، إذ قامت أطراف النزاع بشن هجمات ضد المدنيين والمرافق الأساسية بأشكال من المُحتمل أن ترقى إلى جرائم حرب، وتتسبب بأزمة إنسانية غير مسبوقة وتفاقم اليأس لدى السوريين.
وأوضح رئيس اللجنة، باولو بينيرو، أن سوريا شهدت أشدَّ تصاعدٍ للقتال خلال أربع سنوات، وبالنظر للاضطراب الذي تشهده المنطقة، يظل الجهد الدولي الحثيث لاحتواء القتال ضمن الأراضي السورية أمراً ملحاً.
وتابع: "لا يمكن للشعب السوري أن يتحمل أي تكثيفٍ لهذه الحرب المدمرة التي طال أمدها، إن أكثر من 90% يعانون حاليا من الفقر، ويشهد الاقتصاد انهياراً تاماً في ظل تشديد العقوبات، بينما يؤدي الانتشار المتزايد لحالة انعدام القانون إلى ممارسات ضارة وإلى الابتزاز من طرف القوات والمليشيات المسلحة".
الشرارة بدأت بانفجار الكلية الحربية في حمص
ووفق تقرير اللجنة، تفاقم القتال في سوريا منذ 5 تشرين الأول، على إثر سلسلة من الانفجارات في أثناء حفل تخريج طلاب الكلية الحربية في مدينة حمص الخاضعة لسيطرة النظام، مما أدى إلى مقتل 63 شخصاً على الأقل، من بينهم 37 مدنياً، وإصابة العشرات.
ولفتت اللجنة إلى أن ردة فعل قوات النظام والقوات الروسية كانت عنيفة، من خلال القيام، خلال ثلاثة أسابيع فقط، بقصف 2300 موقع على الأقل في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، مما تسبب في قتل وإصابة المئات من المدنيين.
وشهدت هذه الهجمات العشوائية، التي قد ترقى إلى جرائم حرب، استهداف مشافي ومدارس وأسواق ومخيمات للنازحين -كلها معروفة وبادية للعيان-، كما استمرت هذه الهجمات منذ ذلك الحين.
بدوره، قال عضو اللجنة هاني مجالي: "قامت القوات الحكومية السورية مجدداً باستخدام القنابل العنقودية في المناطق المكتظة بالسكان، وفق الأنماط المدمرة وغير القانونية التي قمنا بتوثيقها في السابق. وأدت هجمات تشرين الأول/أكتوبر إلى فرار نحو 120 ألف شخص، سبق للعديد منهم أن نزح أكثر من مرة، بما في ذلك في أعقاب الزلازل المدمر".
وأضاف: "خلال تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بلغ عدد السوريين طالبي اللجوء في أوروبا أعلى مستوى خلال سبع سنوات، ولا ينبغي أن يكون الأمر مفاجئاً، تظل سوريا مسرحاً لأكبر أزمة نزوح على الصعيد العالمي، تسبَّبت في جعل 13 مليون سوري عاجزين عن العودة إلى بيوتهم".
توترت بين الأطراف الدولية
ومنذ بداية الهجمات الإسرائيلية على غزة، اشتدت التوترات بين بعض القوات الأجنبية الستة النشطة داخل سوريا، لا سيما القوات الإسرائيلية والإيرانية والأميركية، مما أدى إلى زيادة المخاوف بشأن اتساع رقعة النزاع.
وضربت إسرائيل 35 مرة على الأقل، مواقع وقوات يُزعم ارتباطها بإيران، كما استهدفت مطارَي حلب ودمشق، بشكل أدى إلى وقف مؤقت للخدمات الجوية الإنسانية والحيوية للأمم المتحدة.
أما الميليشيات الموالية لإيران، فقد استهدفت، أكثر من 100 مرة، قواعد عسكرية أميركية في شمال شرقي سوريا، وردَّت الولايات المتحدة من خلال ضربات جوية موجهة ضد الميليشيات الموجودة شرقي سوريا.
كذلك سرّع الجيش التركي وتيرة العمليات ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في شمال وشرقي سوريا، رداً على هجمة في أنقرة خلال تشرين الأول/أكتوبر، تبنَّاها حزب العمال الكردستاني.
وأشارت اللجنة، إلى أن تفاقم العنف في شمال وشرقي سوريا، والانقسام على مستوى التحالفات العسكرية، واشتداد الاقتتال الداخلي بين قوات قسد، ومقاتلي العشائر في دير الزور، عوامل أدت إلى شن العديد من الهجمات غير المشروعة التي تسببت بوقوع العديد من الضحايا المدنيين.
هجمات "داعش" والنظام
وكثّف تنظيم "داعش" من عملياته في وسط سوريا، ليس فقط تلك الموجهة ضد الأهداف العسكرية، بل كذلك ضد المدنيين في المناطق الحضرية، من خلال هجمات يُحتمل أن ترقى إلى جرائم حرب، إذ ذكرت تقارير حديثة أن مدنيين كانوا يحاولون كسب قوت عيشهم من خلال النشاط المربح لجمع الكمأة، تعرضوا مجددا للقتل في المنطقة الصحراوية في وسط سوريا.
وزادت حدة القتال بين القوات الأردنية ومهربي المخدرات على الحدود السورية – الأردنية، مع قتل وإصابة المدنيين العالقين في فخ هذه الاشتباكات.
وواصلت قوات النظام ممارسة الاختفاء والتعذيب وسوء المعاملة بحق الأشخاص الذين تعتقلهم، حيث وثقت اللجنة مزيداً من الوفيات أثناء الاعتقال، بما في ذلك في سجن صيدنايا سيئ الذكر.
ومرّت أربعة أشهر منذ أن أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً يطالب النظام السوري بمنع التعذيب وتدمير الأدلة، لكن سلطات النظام ما زالت تستغل وتعيق جهود الأهالي للتأكد من مصير الأقارب المعتقلين، من خلال اللجوء إلى الابتزاز.
انتهاكات لـ "هيئة تحرير الشام"
وفي إدلب، واصلت هيئة تحرير الشام - بحسب اللجنة - ارتكاب أعمالٍ ترقى إلى التعذيب وسوء المعاملة والحرمان غير القانوني من الحرية، في ظل وجود تقارير تفيد بحالات إعدام بناء على أحكام موجزة مقترنة بتهم تشمل "الشعوذة والزنا والقتل".
وعلّقت العديد من المنظمات النسائية الأنشطة في إدلب بسبب التهديدات، ومنع التراخيص المطلوبة من طرف هيئة تحرير الشام أو تأخير إصدارها.
انتهاكات الجيش الوطني السوري
وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري، استمرت أعمال التعذيب وسوء المعاملة في العديد من مرافق الاحتجاز، وواصلت بعض فصائل الجيش الوطني مصادرة الأراضي ومحاصيل الزيتون التي تعود إلى أصحاب الأراضي المُتغيبين.
وفي ظل كل هذه الأوضاع، يواجه السوريون مصاعب غير مسبوقة، ويظل 16.7 مليون شخص داخل سوريا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وهو الرقم الأعلى من نوعه منذ اندلاع "الأزمة" وإن الانخفاض الحاد للموارد التي يتيحها المانحون قد أجبر الأمم المتحدة على تعليق المساعدة الغذائية المنتظمة إلى سوريا، مما جعل الملايين من الأفراد على حافة الجوع، ورغم ذلك، تظل عملية إيصال المساعدات حبيسة القرارات التعسفية لحكومة النظام ومتعثرة بسبب العقوبات، وفق التقرير.