عند تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، بات من المألوف مشاهدة أخبار تتحدث عن وفاة معتقلين تحت التعذيب في سجون النظام السوري، أو نعوات من الأهالي لأبنائهم ممن قُتلوا في أقبية المعتقلات بعد سنوات من الاعتقال والتعذيب، من دون أن يعرفوا شيئاً عن مكان وزمان وفاة الضحية، ولا مكان جثته أو قبره.
وخلال الأشهر الماضية زادت وتيرة النعوات لأشخاص قتلوا ضمن سجون النظام السوري، ويشمل ذلك محافظات مختلفة، أبرزها درعا وحمص وريف دمشق وحماة ودير الزور وإدلب، ويلحظ أن ذوي معظم المتوفين يتم إخطارهم بالوفاة من قبل دوائر النفوس التابعة للنظام، من دون استلام الجثة، لتعيش العائلة ألماً فوق ألم.
نعوات يومية لمتوفين داخل السجون
خلال الأشهر الماضية ارتفعت وتيرة النعوات على وسائل التواصل الاجتماعي لمتوفين داخل سجون النظام السوري، سواء تحت التعذيب أو عبر الإعدام الميداني، تزامن ذلك مع إصدار رئيس النظام السوري بشار الأسد للمرسوم التشريعي رقم 32 لعام 2023، والذي يقضي بإنهاء العمل بالمرسوم التشريعي رقم 109 الصادر في 17 من آب عام 1968، وتعديلاته، المتضمن إحداث "محاكم الميدان العسـكرية"، على أن تُحال جميع القضايا المحالة إلى محاكم الميدان العسـكرية بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسـكري لإجراء الملاحقة فيها وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسـكرية.
ويوم الأحد الماضي تلقى ذوو الشاب خليل البصيري المنحدر من محافظة درعا، نبأ مقتله في سجن صيدنايا العسكري بعد تنفيذ حكم الإعدام الميداني بحقه عقب اعتقال دام نحو عامين.
وقال "تجمع أحرار حوران"، إنّ البصيري قضى في المبنى الأحمر في سجن صيدنايا مع عشرات المعتقلين بعد تنفيذ حكم الإعدام الميداني بحقهم خلال الفترة الممتدة من 23 إلى 26 تشرين الأول الفائت، جلّهم من أبناء محافظتي درعا وريف دمشق.
وأضاف أن تنفيذ حكم الإعدام الميداني بحق البصيري وعشرات المعتقلين جاء بعد نحو شهرين من إصدار النظام السوري لمرسوم يقضي بإنهاء عمل المحاكم الميدانية العسكرية.
وأحصى مكتب التوثيق مقتل 14 معتقلاً من أبناء محافظة درعا نتيجة التعذيب في سجن صينايا العسكري منذ مطلع العام الحالي، على الرغم من ادعاءات النظام أن المحافظة تحت سيطرته، وعلى الرغم من المراسيم التشريعية التي تتضمن قوانين عفو رئاسي.
وفي الغالب لا يسلّم النظام جثث من قضوا تحت التعذيب في سجونه، إذ يكتفي عادةً بإبلاغ ذوي الضحية بوفاتها مع إعطائهم شهادة وفاة تُبيّن تاريخ الوفاة وبعض المعلومات الشخصية الخاصة بالضحية، من دون تبيان سبب الوفاة الحقيقي.
ومنذ سيطرة النظام على محافظة درعا، في عام 2018، وثق مكتب توثيق الانتهاكات في "تجمع أحرار حوران" 130 ضحية من أبناء المحافظة، ممن قضوا تحت التعذيب في معتقلات النظام السوري.
ومنتصف الشهر الجاري، تلقت عائلات 5 أشخاص من منطقة الحولة بريف حمص الشمالي معلومات تؤكد مقتلهم تحت التعذيب في سجون النظام السوري، بعد سنوات من الاعتقال.
وأفادت مصادر محلية لـ موقع تلفزيون سوريا، بأن الأشخاص ينحدرون من مدينتي كفرلاها وتلدو في الحولة بريف حمص، وقرية عقرب القريبة من الحولة والتابعة إدارياً لمحافظة حماة، مضيفة أن الجهات الأمنية التابعة للنظام، أبلغت ذوي الشاب عبد الرحيم عمر السواح المنحدر من مدينة كفرلاها بوفاته داخل السجن، من دون تسليمهم الجثة.
كذلك تلقت عائلة عبد الرحمن السواح نبأ مشابهاً، بعد اعتقال دام لأكثر من 5 سنوات، إذ اعتقل في أثناء عودته - بعد التهجير - من الشمال السوري إلى ريف حمص، كما شملت القائمة أيضاً الشاب صهيب القاسم من مدينة تلدو، ومحمد الصالح من مدينة كفرلاها، ومخلص جنيدو من قرية عقرب.
ماذا يجري في سجون النظام؟
أكد المدير التنفيذي لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا العسكري دياب سرية، توثيق أعداد كبيرة من الأسماء لأشخاص قضوا حديثاً في سجون النظام السوري، ولا سيما سجن صيدنايا السيئ الصيت.
وذكر سرية في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن ذوي المعتقلين تلقوا معلومات تؤكد مقتل أبنائهم في السجون، وشمل ذلك منطقة ريف حمص الشمالي، وريف حماة، ودرعا، وإدلب وريف دمشق، مشيراً إلى أنّ العائلات حصلت على شهادات وفاة من مديريات النفوس، من دون تسلّمهم الجثة أو معرفة مكان الدفن.
من جهتها، أشارت نور الخطيب، مديرة قسم المعتقلين والمختفين قسرياً في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إلى أن عمليات التعذيب والقتل داخل سجون النظام السوري مستمرة ولم تتوقف، مضيفة أن ازدياد نعوات المعتقلين داخل السجون من قبل ذويهم، مرتبط بقدرة وصول الأهالي إلى دوائر السجل المدني، ومدى قابلية منحهم شهادة وفاة من قبل هذه الدوائر.
وأفادت الخطيب في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، بأن من الأشخاص الذي قضوا تحت التعذيب في سجون النظام، عائدين من خارج سوريا، أو من مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا، ومعظمهم يعود تاريخ وفاتهم إلى ما قبل 2020.
وأضافت الخطيب: "يجب التأكيد على أن عائلات المختفين قسرياً تحصل بشكل مستمر على معلومات تفيد بوفاة أبنائها في سجون النظام، وتكون طرق الحصول على المعلومة مختلفة، منها رسمية وأخرى غير رسمية، ونعتقد أن ارتفاع ضحايا التعذيب المبلغ عنهم في الشهر الحالي هو مرتبط أكثر بقدرة العائلات على الحصول والوصول للمعلومات، ومدى تجاوب دائرة السجل المدني كذلك (بعض الداوئر لا تمنح ذوي الضحايا بيان وفاة على الرغم من توفره لديها إلا بعد مراجعة الأهل لعدة مرات)، ونشير إلى أن زيادة الأعداد غير مرتبط بمرسوم إلغاء محكمة الميدان، وذلك بسبب عدم قيام النظام السوري بتوفية دفعات جديدة -من المختفين قسرياً ممن كانوا خاضعين للمحكمة- في دوائر السجل المدني بعد إلغاء المحكمة حتى الآن".
محاكم الميدان العسكرية أداة قتل وإخفاء بيد النظام السوري
ورد في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن النظام السوري لجأ إلى إحالة المعتقلين والمختفين قسرياً لديه إلى محكمة الميدان العسكرية منذ آذار/2011 وفي وقت مبكر من انطلاق الحراك الشعبي نحو الديمقراطية، وقبل تشكيل محكمة قضايا الإرهاب في تموز/ 2012، وفي السنوات اللاحقة لها، كما تظهر عمليات تحليل البيانات ارتباطاً واضحاً بين عدد ضحايا الاختفاء القسري لدى النظام السوري والضحايا الذين تمت إحالتهم إلى محكمة الميدان العسكرية. وتظهر البيانات فجوة كبيرة وجوهرية في عدد الأشخاص الذين خضعوا لمحاكم الميدان العسكرية ونجوا منها مقارنةً بالذين تمت إحالتهم إلى محكمة قضايا الإرهاب.
جاء في تقرير الشبكة أنه على الرغم من إصدار النظام السوري في 3/ أيلول/ 2023 المرسوم التشريعي رقم 32 للعام 2023 القاضي بإنهاء العمل بالمرسوم التشريعي رقم /109/ تاريخ 17/ آب/ 1968 وتعديلاته المتضمن إحداث محاكم الميدان العسـكرية، وإحالة جميع القضايا المحالة إلى محاكم الميدان العسـكرية بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسـكري لإجراء الملاحقة فيها وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسـكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /61/ لعام 1950 وتعديلاته، إلا أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعتقد أن هذا الإلغاء يأتي ضمن السياسة والإجراءات التي يتبعها النظام السوري لطي قضية المختفين قسرياً لديه والالتفاف عليها والتي يندرج ضمنها إصدار مراسيم العفو الوهمية وتوفية المختفين قسرياً في دوائر السجل المدني وغيرها من الإجراءات التي سيقوم بها مستقبلاً.
ووثقت الشبكة ما لا يقل عن 14843 حكماً بالإعدام صدر عن محاكم الميدان العسكرية في سوريا منذ آذار/2011 وحتى آب/2023، خُفِّض منها لعقوبة السجن/الاعتقال المؤقت أو المؤبد مع الأعمال الشاقة ما لا يقل عن 6971 حكماً ولا يزال معظمهم في مراكز الاحتجاز، ونُفذت عقوبة الإعدام ضد 7872 شخصاً آخرين، من بينهم 114 طفلاً و26 سيدة و2021 منهم من العسكريين، جميعهم لم تُسَّلم جثامينهم لذويهم، ولم يتم إخطار ذويهم بإعدامهم بشكل رسمي.
وأكد التقرير أن هذه الحصيلة تمثل الحد الأدنى من عمليات الإعدام الحقيقية التي طُبقت ضد المعتقلين والمختفين قسرياً في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري. كما وثق التقرير ما لا يقل عن 96103 شخصاً بينهم 2327 طفلاً و5739 سيدة، لا يزالون قيد الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2023، من بين حصيلة المختفين ما لا يقل عن 24047 مختفياً قسرياً بينهم 98 طفلاً و39 سيدة، حصل ذووهم على معلومات عن إحالتهم لمحكمة الميدان العسكرية عبر الناجين من مراكز الاحتجاز أو عبر وسطاء ولم يتمكنوا من تحديد مصيرهم أو الحصول على أدنى معلومات عنهم منذ اختفائهم. موضحاً أن هذه الحصيلة لا تتضمن المعتقلين/المحتجزين الذين ما زالوا يخضعون لمحاكم الميدان العسكرية ويحتجزون ضمن السجون المدنية والمركزية المنتشرة في المحافظات السورية.
تعليق قانوني بشأن الملف
حصل موقع تلفزيون سوريا على تعليق قانوني موسع حول القضية من رابطة المحامين السوريين الأحرار، حيث قال المحامي عمار عز الدين: "صدور مرسوم إنهاء العمل بمحاكم الميدان العسكرية بتاريخ 3/9/223 بموجب المرسوم التشريعي رقم 32 يتزامن مع تزايد الضغوط الدولية والعربية على النظام للكشف عن أعداد المعتقلين في سجونه وذلك بعد قرار الجمعية العامة للأم المتحدة بتاريخ 29/6/2023 بتشكيل مؤسسة مستقلة معنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية وذلك لأن أحد مطالب المؤسسة المشكلة الاطلاع على سجلات المعتقلين لدى هذه المحكمة، فألغى النظام المحكمة وأقر بإحالة جميع القضايا المحالة إلى محاكم الميدان العسـكرية بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسـكري لإجراء الملاحقة فيها وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسـكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /61/ لعام 1950 وتعديلاته".
ورغم مضي أكثر من ثلاثة أشهر على ذلك، لم تسجل رابطة المحامين السوريين الأحرار أي "تغيير في ملفات معتقلين تم الحكم عليهم منذ عام 2012 بالسجن المؤبد، ونحن بصدد إرسال هذه الحالات للمقرر الخاص باستقلال القضاء والمحامين والمقرر الخاص بالاعتقال التعسفي في مجلس حقوق الإنسان، ونكاد نجزم أن هذا يعود لتدليس متعمد من النظام السوري في صياغة المرسوم التشريعي الذي لم يفصّل مصير الأحكام السابقة، وهل سيعاد النظر فيها وفق قانون العقوبات العسكرية أم سيطبق الإلغاء فقط على القضايا الجديدة؟، وهذا بمثابة التنصل من قضية آلاف المعتقلين المدنيين الذين تم إعدامهم بموجب أحكام صدرت بحقهم من تلك المحكمة التي لا تحقق أي من شروط المحاكمة العادلة وفق معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان وقد يعمد النظام إلى شطب أسمائهم من السجلات بموجب إلغاء محكمة الميدان".
وأضاف عز الدين في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "أما عن تسليم النظام شهادات الوفاة لذوي المعتقلين بوفاتهم ضمن السجون، فذلك يهدف إلى التنصل من جريمة الاختفاء القسري التي مارسها النظام طوال سنوات الثورة، فأغلب من تم اعتقالهم من قبل النظام منذ بداية الثورة إما قضوا في عمليات الإعدام وتحت التعذيب في الفروع الأمنية حتى قبل أن يحالوا للمحاكمات الشكلية التي تنفذها محكمة الميدان العسكرية أو محكمة الإرهاب، ومنهم من لقوا حتفهم بعد صدور الحكم عليهم وإحالتهم لسجن صيدنايا سيئ الصيت بسبب ظروف الاحتجاز اللإنسانية وتعرضهم للتعذيب، والإشكالية القانونية تكمن في أن شهادات الوفاة التي تسلم للأهالي لا يُذكر فيها سبب الوفاة، وهذا ما حذرنا منه في دراسة قانونية عند صدور التعميم 22 لعام 2022 الذي اشترط فيه لنظام السوري الموافقة الأمنية لتثبيت الوفاة".
وتابع: "نؤكد أن هذه الخطوات التي يحاول من خلالها النظام السوري التنصل من المسؤولية الجنائية في ملف المختفين قسراً الذين قضوا تحت التعذيب في الفروع الأمنية أو في سجونه لن تفيده شيئا لأن نظام روما الأساسي، يؤكد أن جريمة الاختفاء القسري تبقى مستمرة ولا تنتهي إلا بكشف مصير المختفين ومكان وجودهم، أو توضيح مكان رفاتهم أو تسليمها لذويهم في حال الوفاة، والنظام السوري لن يستطيع تسليم جثث المعتقلين لذويهم أو الدلالة على مكان دفنهم لأن أغلبهم وضِعوا في مقابر جماعية ومضى على ذلك زمن طويل".
وختم عز الدين بالقول: "نرى أن تخبط النظام بملف المعتقلين، وازدياد وتيرة تسليم شهادات الوفاة لذوي السجناء، يعود لصدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ قرار الجمعية العامة رقم 77/301 الذي أنشأ المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا وبالبدء بالخطوات العملية لممارسة اختصاصها، حيث يحاول النظام إخلاء مسؤوليته من ملفات المختفين قسراً، والتهرب من المسؤولية الجنائية، ولكن نؤكد أن هذا السلوك سيجعله في موقف المجرم الذي يحاول إخفاء الجثة الشاهدة على إجرامه".