بعد "حفلة الجنون" التي أطلقتها الدولة اللبنانية بحق اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها مؤخراً والإصرار على ترحيلهم، الذي يواجه رفضاً وتحذيراً دولياً وأممياً، هناك خطوة رسمية جديدة مرتقبة في هذا السياق تستعد لها الحكومة اللبنانية تحت عنوان "ترحيل آمن".
ولكن هذه المرة عبر بوابة النظام السوري المسؤول الأوّل عن "تهجيرهم"، وذلك بحسب وصف وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، لأنّ أعداد مَن تقدموا للعودة الطوعية لم تكن كبيرة مقارنة بالأعداد الموجودة في لبنان.
ويعتزم وفد وزاري زيارة النظام السوري لمناقشة عدة ملفات على رأسها عودة اللاجئين السوريين، وقد أعلن "شرف الدين" أنّه سيجري زيارة شخصية بعد 10 أيام، والسوريون تبلّغوا بذلك. قائلاً: "يتم الإعداد لزيارة الوفد الرسمي، بعد التشاور مع رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وبعد مؤتمر بروكسل حول سوريا المزمع عقده منتصف يونيو الجاري".
وتطرّق الوزير إلى الحديث عن تفاهمات وقعها لبنان مع سوريا في آب 2022، تتضمن آليات عودة النازحين وكيفية البدء والأعداد المقبولة التي يمكن إعادتها شهرياً، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي لم يعترف بتلك التفاهمات. مشدّداً على أن الحاجة الآن لإجراء زيارة إلى سوريا من أجل توقيع بروتوكول رسمي بين البلدين بعد الاتفاق على جميع النقاط بملف عودة اللاجئين.
وبحسب مصادر خاصة لـ موقع تلفزيون سوريا، فإن وزير المهجرين استأذن "ميقاتي" لزيارة دمشق بصفة رسمية بهدف استطلاع الأوضاع تمهيداً لتحضير زيارة لوفد وزاري.
وتتحدّث المعلومات عن جلسة استثنائية قريبة لمجلس الوزراء مخصّصة للملف من منطلقين: الأوّل يتصل بالملف الذي سيحمله ميقاتي والوفد الوزاري المرافق إلى بروكسل، والثاني يتعلق بما سيحمله الوفد الوزاري اللبناني إلى دمشق، علماً أن تركيبة الوفد وجدول أعمال الزيارة لم يحددا بعد.
بانتظار التوافق الحكومي على الزيارة بحدّ ذاتها من جهة وما سيحمله الوفد من ملفات، لا سيما المتعلقة باللجوء السوري، فهل ستنجح مهمة هذا الوفد، أم أنها ستكون مضيعة للوقت، في ظل الرفض الأممي لعودتهم والرفض الأميركي للتطبيع مع نظام السوري؟
الأستاذ الجامعي والناشط السياسي علي مراد، رأى في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ "التواصل بين الدولة اللبنانية والنظام السوري لم ينقطع يوماً، وكان التواصل مستمراً وفي الحد الأدنى كان عبر رئيس الأمن العام الذي كان على تواصل دائم مع النظام، علماً أنّ الأخير لم يُبدِ أي رغبة جدية بشأن عودة اللاجئين، بسبب التغيير الديمغرافي الذي قام به في الحد الأقصى، وفي الحد الأدنى حاجته للحصول على مساعدات، وفي الحد المتوسط يرتبط بأهداف سياسية لجهة إعادة الاعتراف به".
- التواصل مع النظام لن يعيد اللاجئين
إذا كان لبنان يعتقد أنّ التواصل الثنائي مع حكومة النظام السوري يسهل موضوع العودة، فهي مقاربة خاطئة بحسب "مراد" لعدة أسباب:
- العودة الكاملة هي جزء من ثلاثية حل سياسي شامل، وإعادة إعمار سوريا، وعودة اللاجئين.
- الأوروبيون والأميركيون لن يدفعوا لإعادة إعمار سوريا وبناء المناطق ليعود إليها اللاجئون، قبل الحل السياسي ورحيل بشار الأسد.
- عودة اللاجئين ليست مرتبطة فقط بلبنان، إنّما مرتبطة بمسار إقليمي (سوريا - الأردن - تركيا - لبنان)".
وتابع: "ليثبت حلفاء النظام في لبنان أنه يمكنهم التأثير عليه وليتفضّل الأخير بإعادة اللاجئين، علماً أنه حتى الآن لم يعطِ أي إشارة جدية في هذا السياق من حيث إشكالية الخدمة الإلزامية التي يشير إليها النظام عبر التحدث عن ملفات أمنية تخص اللاجئين السوريين، فأي شخص بلغ الـ18 عاماً لم ينجز الخدمة العسكرية يعد لديه ملف أمني، إضافة إلى عملية مصادرة الأراضي وسكن المواطنين، إذ لم يبد أي تسهيل أو رغبة في هذا السياق، إضافة إلى إشكالية وجود (حزب الله) اللبناني في ريف حلب الغربي والقلمون، وصعوبة عودة الأهالي إلى مناطقهم".
- النظام السوري هو العائق الأساسي
أشار الناشط السياسي علي مراد إلى أن "الزيارة لن تحدث خرقاً وتغييراً في هذا الملف، لأنّه أكبر من رغبة اللبنانيين والنظام إذا كان لديه رغبة".
ورأى أنّ "العائق الأساسي لعودة اللاجئين هو النظام السوري، ومَن يعتقد أنه بترحيل 500 أو ألف أو 10 آلاف حتى، ستحل الأزمة فهذا أمر غير منطقي لأن هؤلاء بإمكانهم العودة مجدداً إلى لبنان، وبالتالي فإنّ لبنان قصدَ النظام المسؤول عن تهجير مواطنيه لإعادة اللاجئين وتصويره على أنه متجاوب مقابل رفض المجتمع الدولي".
- الحل بالتواصل مع الدول العربية وطاولة تفاوض
وفيما يتعلق بتعويل لبنان على المصالحات العربية وتطبيع العلاقات مع النظام السوري، قال مراد: "الحريص على المصلحة الوطنية عليه ألا يعتبر أن حل مشكلة اللاجئين التي أصبحت تشكّل عبئاً على المجتمع اللبناني تكون عبر تعزيز التواصل مع النظام، لأن لبنان بحاجة إلى اعتماد دبلوماسية العودة ودبلوماسية ضمان حق العودة عبر التواصل مع الدول العربية".
وتابع: "بالتالي تكون مصلحة لبنان على طاولة تفاوض مع النظام برعاية عربية ينتزع عبر التزامات من النظام بشأن بدء العودة حتى قبل بدء الحل السياسي النهائي، لأنّ لبنان لا يمكن أن ينتظر حلاً سياسياً يبدو أنّه بعيد، وهو ما لن يتم من خلال التواصل فقط مع النظام كما يجري تصويره".
في الختام شدّد مراد على أنّ "المشكلة اليوم هي أن الدبلوماسية اللبنانية غائبة ومٌصادرة، حتى أنّ أجواء التهدئة التي تسود في أجواء المنطقة بعد التفاهم الإيراني – السعودي، لم يستفد لبنان منها أبداً، وهي تُستثمر في أماكن أخرى".
- إنقاذ الاقتصاد اللبناني وعودة اللاجئين
في سياق الإصرار الرسمي على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والحملة الممنهجة التي تساق ضدهم عبر تحميلهم مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمعيشي الحاصل في لبنان، هل من شأن عودة اللاجئين "إنقاذ" الاقتصاد في لبنان؟
الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة، أكّد في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، أنه "لا يمكن القول إنّ اللاجئين السوريين سبب الأزمة الاقتصادية الحاصلة في لبنان، صحيح أنهم فاقموا الأزمة على صعيد الخدمات العامة، لكن الأكيد أن الأزمة في لبنان عمرها عقود من الإهمال وغياب السياسات الاقتصادية الحقيقية ومن الفساد المستشري في الدولة والإدارات العامة وكل الأصعدة".
وأشار عجاقة إلى أن "ملف اللجوء السوري له استخدامات سياسية عديدة بعضها صادق نابع من مخاوف معينة، وبعضها الآخر ليس كذلك. لكن علمياً لا يمكن تحميل السوريين مسؤولية المشكلة الحاصلة في لبنان".
ولكن هل برحيل جميع اللاجئين تحل أزمة لبنان الاقتصادية كما يُسوّق البعض؟ أجاب "عجاقة" أنّ "مصدر الأزمة اللبنانية كانت قبل النزوح السوري وبالتالي رحيلهم لن يحل أزمة لبنان، علماً أنّه سيؤدي حتماً إلى تخفيف الضغط على الخدمات العامة، لكن الأمر لن يؤدي إلى نهوض الاقتصاد اللبناني لأنه بحاجة الى إصلاحات جوهرية، فالدولة اللبنانية بحاجة إلى إقرار إصلاحات أساسية على الصعيد المحلّي، تطول الشق الاقتصادي والمالي والمصرفي والنقدي والاجتماعي والقانوني والإداري. لكن لا نية جدية لدى الحكومة لأنه لا قرار واضحاً من قبل القوى السياسية للذهاب نحو الإصلاحات".
وأشار إلى أنه "قبل الأزمة كان لبنان بحاجة إلى 300 ألف يد عاملة سورية، لكن اليوم بسبب الوضع الاقتصادي الصعب قد يكون هذا الرقم انخفض، والمؤكد بعد عودة اللاجئين إلى أراضيهم يجب على لبنان الأخذ بعين الاعتبار حاجته لهذه اليد العاملة لإيفاء حاجاته".
وتابع: "ثمة شروط اقتصادية لاستقبال مهاجرين أو لاجئين: أولاً يجب أن يكون هناك نقص ديمغرافي لدى البلد المضيف وهذا الشرط غير موجود في لبنان، ثانياً يجب أن يكون الاقتصاد قوياً في البلد المضيف كي يتم استيعاب حجم اليد العاملة وهذا الشرط أيضاً غير متوفر، ثالثاً نسبة اللاجئين لا يجب أن تتخطى 1% من عدد السكان سنوياً، وهذا الأمر أيضاً لم يحترم في بلد اقتصاده مريض أصلاً".
في المقابل أشار "عجاقة" إلى أن زيارة الوفد الوزاري إلى سوريا بشأن البحث بإمكانية عودة اللاجئين يجب أن ترتبط أيضاً بثلاثة شروط اقتصادية يجب أن تؤمن من حيث العيش الكريم من مأوى ومأكل ومشرب ومن سيؤمن هذه التكاليف، فهل الأماكن التي سيعودون إليها تتوفر فيها هذا الشروط وفي حال عدم توفّرها سيتم خلق أزمة جديدة للاجئين في بلدهم، وبالتالي هذا ما يجب التحدث فيه أكثر من الطابع السياسي الذي قسّم الرأي العام اللبناني".