icon
التغطية الحية

قصص العودة الشاقة إلى سوريا.. استغلال وابتزاز على الحواجز

2024.09.26 | 14:44 دمشق

آخر تحديث: 26.09.2024 | 15:40 دمشق

حاجز لقوات النظام السوري جنوبي البلاد ـ AFP
حاجز لقوات النظام السوري جنوبي البلاد ـ AFP
إسطنبول - وفاء عبيدو
+A
حجم الخط
-A

"التعب لا يقتصر على الطريق، الخوف هو المتعب، لأنه لم يفارقني"، هكذا تصف رنا (37 عاما) وهي سيدة سورية متزوجة تعيش في إسطنبول، صعوبة الطريق الذي سلكته، إذ وصلت منذ خمسة أيام إلى دمشق مع طفلتها.

أضافت رنا لموقع تلفزيون سوريا، أنها تواصلت مع أحد المهربين من خلال منشور عبر "فيس بوك"، وقد طلب مبلغ 300 دولار أميركي مقابل الرحلة إلى دمشق، و250 دولارا مقابل رسوم التهريب إلى سوريا.

وكانت السلطات التركية قد سمحت في 6 من تشرين الثاني 2023 للسوريين المقيمين على أراضيها بزيارة مناطق شمال غربي سوريا عبر معبر "جرابلس" الحدودي، ضمن شروط.

يذكر أن السوريين الموجودين في تركيا لا ينحدرون جميعهم من الشمال السوري، لذا يحاول بعضهم وخاصة غير المطلوبين أمنيا للنظام السوري، العودة إلى مناطق سيطرته مع ازدياد الحملات العنصرية ضد اللاجئين، رغم ما تحمله هذه العودة من مخاطر.

وكانت إدارة معبر جرابلس الحدودي مع تركيا بريف حلب الشرقي، قد حذرت في تموز الفائت من عمليات احتيال تستهدف السوريين من حملة بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) في تركيا، بدعوى التسجيل على إجازات لزيارة الأراضي السورية.

وقالت إدارة المعبر في منشور على "فيس بوك": "إلى الآن لا يوجد أي جديد بما يخص رابط الحجز وإجازات المجلس المحلي، يرجى الانتباه من عمليات الاحتيال التي تتم عبر إيهامكم بوجود حجز أو تسجيل لإجازة مقابل دفع مبالغ مالية".

وأضافت: "عندما يتم استئناف الإجازات سنعلمكم عبر منشور على صفحة معبر جرابلس الحدودي الرسمية". وكان المعبر قد رفع رسوم الدخول إلى سوريا إلى 200 دولار أميركي.

ورغم أن سوريا غير آمنة بحسب الأمم المتحدة وتقارير لمنظمات حقوقية، إلا أن الضغوط التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في دول الجوار تدفعهم إلى سلوك طريق خطر نهايته قد تكون مجهولة في معظم الأحيان، أو قد تنتهي في سجون النظام السوري.

استغلال وطريق طويلة إلى سوريا

تبدأ الرحلة عند بوابة المعبر المخصصة لدخول الأشخاص حيث ينتظر السائق ليجمع ركابه، ثم ينقلهم إلى منزله في إحدى قرى المنطقة، وتُسيّر الرحلات في كل ثلاثاء من مناطق شمال غربي سوريا إلى "ساحة العون" المؤدية إلى مناطق شمال شرقي سوريا إذ يسير الركاب في هذه المنطقة مشيا على الأقدام عشر دقائق، لتجاوز مرحلة التفتيش، وقبل الانتقال إلى حافلة أخرى تمضي بهم إلى معبر "التايهة" المؤدي إلى مناطق سيطرة النظام وتحديدا كراج حلب "الراموسة"، ثم من الكراج يستقل الركاب حافلات تنقلهم إلى المحافظات التي يتجهون إليها.

وأوضحت رنا أنها تعرضت للاستغلال على حاجز "القطيفة" إذ أوقف عناصر قوات النظام الحافلة، وطلبوا مبلغ 200 ألف ليرة سورية من كل شخص باعتبار القادمين عائدين من تركيا، وهذا سيعرضهم للتحقيق في عدة فروع أمنية.

وصلت رنا إلى دمشق، لترى عائلتها بعد غياب استمر سبع سنوات، وهو ما دفعها لهذه الرحلة التي لم تنته، إذ إنها تحمل مخاوف جدية من مواجهة ذات الصعوبات التي شهدتها في طريق عودتها، لكونها ستعود إلى تركيا في التاريخ المحدد لها عبر المعبر ذاته.

طرق التهريب الخطرة إلى الأراضي السورية

بمبلغ 950 دولارا أميركيا، وصل عمار (29 عاما) إلى حمص، ويوضح لموقع تلفزيون سوريا أنه غير مطلوب للخدمة العسكرية باعتباره وحيدا، ولكنه فضل أن يستقل "سيارة أمنية" في مناطق النظام من أجل الحيطة والحذر.

وبعد المعبر اتجه عمار إلى كراج حلب حيث كانت تنتظره سيارة خاصة "مفيمة" بداخلها شابان، وعند كل حاجز يظهر الشاب (السائق) بطاقة ثم تسير السيارة من دون أي تفتيش إلى أن وصل عمار إلى منزله.

وأوضح عمار أنه لجأ إلى هذا الطريق بسبب الظروف الصعبة التي واجهها في تركيا، إذ اتخذ قرار الخوض في هذه التجربة ليرى والديه بعد غيابه عنهم تسع سنوات، وفي حال وجد الظروف المعيشية في مدينته ميسرة سيبقى، وإن لم تكن كذلك سيعود إلى تركيا قبل الوقت المحدد لانتهاء الإذن.

طرق العودة إلى سوريا لا تنتهي دائما بسلام، ففي سياق متصل، سبق وقتلت امرأة وأصيب مدنيان من جراء انفجار لغم أرضي في 9 من أيلول 2022، خلال محاولتهم اجتياز خطوط التهريب بين مناطق سيطرة النظام و"الجيش الوطني"، قرب قرية فيخة حمدان شرقي بلدة بزاعة بريف حلب الشرقي.

العودة إلى سوريا تجارة رابحة

تنشط عمليات التهريب بين مناطق النفوذ المختلفة، وتختلف الكلفة باختلاف الطرق المتبعة في هذه العمليات.

ولمزيد من التفاصيل تواصل موقع تلفزيون سوريا مع شخص أرفق رقمه بأحد المنشورات، ويسمى "أبو عبدو"، والذي أوضح عبر مكالمة هاتفية أن كلفة الرحلة تختلف بحسب عدد أفراد العائلة والطرقات والوضع الأمني للشخص.

وذكر المهرب أن نقطة الانطلاق أو الوصول هي شمالي حلب، وكلفة الشخص الواحد 300 دولار أميركي إلى دمشق أو أي محافظة أخرى، وتزيد الكلفة في حال قرر الشخص بعد كراج حلب التنقل بسيارة خاصة "عسكرية أو أمنية" خوفا من الحواجز، وتكون الرحلة بإشراف ضباط من النظام في مناطق نفوذهم.

تطمينات "المهرب" شملت مختلف المناطق التي تسير إليها الرحلات، موضحا أن التنسيق موجود بينه وبين المجموعات الأخرى التي يتم ترتيب الرحلات معها، إذ يجري في مناطق شمال شرقي سوريا تبادل الركاب.

ولا يقتصر الأمر على رحلات تهريب الأشخاص مقابل المال، إذ تتهم فصائل بإدخال وإخراج المواد والمنتجات من وإلى مناطق النظام، وتهريب عناصر متعاونين أو تابعين للنظام مقابل مبالغ مالية من خلال معابر داخلية، إلا أن الفصائل تنفي هذه التهم، كما ترتكب بعض الفصائل انتهاكات وثقتها منظمات حقوقية وإنسانية من فرض إتاوات، ومصادرة بعض الأملاك، وتهريب الحبوب المخدرة والإشراف على عمليات تنقيب "غير شرعية" عن الآثار.

انتهاكات النظام بحق العائدين إلى سوريا

في 11 من أيلول الجاري، أفادت مصادر خاصّة لـ موقع تلفزيون سوريا بأنّ المهندس السوري عبد الغني منير (33 عاماً) توفي في فرع الأمن العسكري بمدينة حلب، التي ينحدر منها، تاركاً زوجة وطفلين، وذلك بعد إعادته من تركيا.

وبحسب المصادر بدأت مأساة عبد الغني، منذ عام تقريباً، عندما طالب مواطناً تركياً بمبلغ من المال كان مديناً به، ليشتكي عليه الأخير ويتورّط منير في نزاع مع المخفر، أودى به إلى مركز ترحيل "أوزلي" في ولاية غازي عنتاب.

بعد صعوبة العودة إلى تركيا، قرر منير دفع مبلغ بدل الخدمة العسكرية في جيش النظام، وأجرت له عائلته معاملة "تسوية"، وسأل أقاربه عن اسمه إذا ما كان مطلوباً عبر ما يعرف بـ"التفييش"، وقيل إنّه غير مطلوب لأي جهة أمنية، وبدأت رحلته إلى حلب من مدينة الباب في الريف الشرقي عبر بلدة تادف المجاورة.

وفور وصوله، اعتُقل عبد الغني عند أوّل حاجز يتبع للأمن العسكري واختفت أخباره تماماً، وبقيت عائلته تحاول الوصول إليه بغية الإفراج عنه لكن من دون جدوى، وبعد 24 يوماً اتصل الفرع بعائلته وطلب منهم استلام جثّة ابنهم الذي توفي، من دون توضيح أسباب الوفاة، التي غالباً كانت تحت التعذيب.

وفي تموز الماضي، قتل الشاب أحمد نمر الحللي، البالغ من العمر 27 عاماً، تحت التعذيب في سجون النظام السوري، بعد نحو شهر من اعتقاله لدى "فرع فلسطين"، عقب ترحيله قسرياً من لبنان.

وقالت مصادر محلية إن الحللي، الذي ينحدر من حي برزة بدمشق، اعتقله عناصر الأمن العام اللبناني، ورحلوه بشكل قسري وسلموه إلى النظام السوري مع شابين آخرين ما زال مصيرهما مجهولاً.

وكانت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" قد وثقت ما لا يقل عن 1236 حالة احتجاز تعسفي، بينهم 56 طفلاً و30 سيدة، خلال النصف الأول من عام 2024، بينهم 217 حالة في حزيران الماضي، وأشارت إلى توثيق ما لا يقل عن 126 حالة منهم على خلفية الإعادة القسرية للاجئين في عام 2024.