icon
التغطية الحية

"قسد" تعزف على وتر الخوف.. أحداث قيصري تفتح الأبواب للدعاية ضد تركيا

2024.07.10 | 16:46 دمشق

منبر الجمعيات يستنكر استهداف السوريين في قيصري
"قسد" تعزف على وتر الخوف.. أحداث قيصري تفتح الأبواب للدعاية ضد تركيا
إسطنبول - خاص
+A
حجم الخط
-A

عاد أحمد النايف (17 عاماً) إلى دار عائلته في قرية الدحلة بمحافظة دير الزور، جثة هامدة، إثر طعنات قاتلة تعرّض لها في ولاية أنطاليا التركيّة، إبان أحداث الشغب الذي طال اللاجئين السوريين في ولاية قيصري وسط تركيا، حيث قالت وزارة الداخلية التركيّة حينذاك، إنّ القتلة لهم سجّل جنائي سابق.

وسبق أن وصل أحمد مع عدد من أبناء عمومته من قريته إلى تركيا، هرباً من التجنيد القسري في صفوف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي يعتبرها أهالي المنطقة عدواً يحتل أرضهم، ووصلوا إلى ولاية أنطاليا، قبل نحو ثمانية أشهر، بعد تأمين عمل لهم في الزراعة، فكانوا يعينون أهاليهم المقيمين في مناطق سيطرة "قسد"، ويقتاتون بما يتبقى لديهم من معاشهم الشهري.

تلك الحادثة، وحوادث مشابهة سبقتها، كانت صيداً ثميناً لـ"قسد"، إذ اقتنصتها لتعزّز دعايتها الإعلامية، وتقنع أبناء المنطقة التي تسيطر عليها، بأنّ تركيا هي مَن تقتل أبناءهم، مطالبة إياهم بعدم تهريبهم، وأنّها "الأقدر على حمايتهم".

فور وصول جثمان أحمد النايف إلى دير الزور، بدأت الآلة الإعلامية لـ"قسد" ببث الرسائل الموجّه إلى أبناء المنطقة، أنّ خوفهم من القرارات المتعلقة بالتجنيد غير مبرّر، وأنّ لديهم الكثير من الحالات تُثبت أنّ أبناءهم سيكونون في خطر إذا غادروا مناطق "الإدارة الذاتية"، وأنّ مَن يقتل أبناءهم ويعتقلهم هم المعارضة السورية وتركيا.

وفي حين يسعى تنظيم "قسد" لاستمالة أبناء المنطقة وكسبهم حاضنة لها، تدرك العشائر مدى خطورة إعطاء الشرعية للتنظيم وتمكينه من كل المفاصل، لا سيّما القضايا الاجتماعية، إلا أنّ تتالي الحوادث التي تبني عليها "قسد" دعايتها الإعلامية عقّدت المواجهة أمام التيار المناهض لها.

في هذا الصدد يقول عضو المجلس الوطني الكردي وعضو الائتلاف الوطني السوري عبد الله كدو، إنّ وظيفة "قسد" الأساسية تنحصر في الساحة التركية وليست السورية، حيث إنّها مع "PYD" وملحقاتهما -عملياً- تمثل الفرع السوري لـ"حزب العمال الكردستاني-PKK" التركي، وعلى هذا، فإنّ أي خطأ منسوب إلى تركيا يصب في مصلحتها.

ماذا تريدني أن أفعل؟

عاد محمد إلى دير الزور -مسقط رأسه- بعد نحو عشر سنوات قضاها في تركيا، عاد مرحّلاً لأسباب يقول إنّها لا تستدعي الترحيل، كان له ابن وابنة يدرسون في الجامعات التركية، وثلاثة أبناء في المرحلتين الإعدادية والثانوية.

يقول محمد خلال حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ مستقبل أبنائه أصبح مجهولاً، فلا جامعات ولا مدارس يمكن أن يكملوا فيها، وأنّ عشر سنوات كان قد أسّس فيها حياته بمدينة إسطنبول التركية، ذهبت هباء منثوراً، وهذا حال آلاف العائلات السوريّة.

يستطرد محمد في حديثه، ماذا تريدني أن أفعل؟، هل يجب أن أتعاطف أو أن أواجه أي دعاية إعلامية تطلقها قسد؟ ماذا يمكن أن أقول لهم أساسا؟ ويضيف أنّ موقفه من قسد واضح لا لبس فيه، فهي قوّة محتلّة لأرضه وتمارس الظلم على أبناء المنطقة، لكن في المقابل هو محتقن مما طاله في تركيا أيضاً.

ويتابع: "عدد العائلات السوريّة التي رحّلتهم تركيا ووصلوا إلى محافظة دير الزور تتجاوز الـ50، وهذا العدد قابل للارتفاع، فقسد ما زالت تتواصل مع العائلات المرحّلة، لاسيما من أبناء محافظة دير الزور لإقناعهم بالعودة إلى مناطقهم، وإغرائهم بتأمين وظائف وأعمال لهم".

تسعى "قسد" لصناعة حاضنة لها في محافظة دير الزور، من خلال استقطاب العائلات أو الأفراد من أبناء المحافظة الذين رُحّلوا من تركيا، إذ تستفيد من غضبهم أو احتقانهم ما بعد الترحيل، فضلا عن الأدوات التي يمتلكونها إن كان من ناحية اللغة أو من ناحية فهمهم لطبيعة المجتمع التركي والحالة السياسية في تركيا، وعلى الرغم من عدم الاستجابة لتلك الدعوات بأعداد كبيرة، إلا أنها ما زالت تسعى نحو ذلك.

"الإدارة الذاتية" تدعو اللاجئين في تركيا للعودة

دعت "الإدارة الذاتية"، اللاجئين السوريين الذين ينحدرون من مناطق سيطرة "قسد" ويقيمون في تركيا، بالعودة إلى سوريا، على خلفية أحداث قيصري ضد اللاجئين، والتي امتدت إلى ولايات تركية أُخرى.

وقال الرئيس المشترك لمكتب النازحين واللاجئين في "الإدارة الذاتية"، شيخموس أحمد، اليوم الأربعاء، إنّ "أبواب الإدارة مفتوحة أمام مواطني (الإقليم) الموجودين في تركيا"، مضيفاً أنّ "الإدارة الذاتية تتمسك بالمبادرات الإنسانية والسياسية التي أطلقتها".

وأشار "أحمد" إلى أنّ "شمال شرقي سوريا مفتوح أمام سكّان المنطقة الموجودين في تركيا، الذين يتعرّضون للاضطهاد والعنصرية"، مناشداً إيّاهم بـ"العودة إلى موطنهم"، داعياً مفوضية اللاجئين ووكلاء الأمم المتحدة لدعم "الإدارة".

"المؤقتة في عين الهدف"

مع تزايد سعي "قسد" لاستقطاب مّن رُحّلوا، كان يجب على المعارضة السورية أن تقطع الطريق وتسعى لترتيب أوضاع المرحّلين إلى الداخل السوري، إلا أنّ تركهم أمام مصيرهم المجهول فتح الباب واسعاً أمام "قسد" لاستمالتهم.

وفي هذا الصدد يقول عضو مجلس أعيان المنطقة الشرقيّة عدنان الدخيل، إنّ النقطة الأساسية والفارقة في هذا التوقيت هي استغلال "قسد" لتلك الأحداث، فمنذ عدة أيام قال قائدها مظلوم عبدي، إنّهم "على استعداد لاستقبال أي شخص من السوريين يأتي إلى مناطق سيطرتهم، وهم مستعدون لحمايته ومساعدته".

وأضاف "الدخيل" أنّ هذا الأمر ينذر بخطر كبير على تركيا ومناطق سيطرة الجيش الوطني شمال غربي سوريا، على حد سواء، وكان على مؤسسات المعارضة السوريّة إيجاد الحلول لمواجهة دعاية "قسد" الإعلامية.

ويرجع "الدخيل" الأسباب التي أدّت إلى انفجار الاحتجاجات في الداخل السوري، إلى ضعف أداء الحكومة السوريّة المؤقتة، وعدم القيام بواجبها من ناحية المشاريع التنموية وتأمين الجانب المعيشي، فكل ما عمِلت عليه -وفق قوله- يمكن لمنظّمة صغيرة أن تفعل، وهذا ليس الدور الحقيقي لأي حكومة.

"فرصة ما تزال ممكنة"

قبل عام واحد فقط، كان السوريون يسعون إلى إيجاد المبررات لمواجهة "قسد" التي يرونها عدوهم المشترك مع تركيا، لكن اليوم لم يعد السوريون يعنيهم هذا الأمر، ولم ينحصر الأمر في الحالة السياسية فقط، بل تخطاها إلى أبعد من ذلك، وهذا ما بدا واضحا بعد خسارة المنتخب التركي أمام منافسه منتخب هولندا في مواجهات الدور ربع النهائي لبطولة يورو 2024.

ومع كل ما جرى فإنّ الفرصة ما تزال ممكنة لإعادة الثقة بين جميع الأطراف، واحتواء الأزمة التي خلقتها الأحداث الأخيرة في تركيا ومناطق سيطرة المعارضة السوريّة، فضلاً عن قطع الطريق أمام "قسد"، التي لا تضمر خيراً للمنطقة.

ويرى عضو المجلس الوطني الكردي وعضو الائتلاف الوطني السوري عبد الله كدو، أنّ الحل يكمن بالتعامل مع اللاجئ السوري في تركيا، بما يوفر له الحماية الكاملة والاستقرار، وبما يصون كرامته، لتهيئة الأرضية الصلبة التي يجب أن تستند إليها العلاقات الأخوية بين شعبي سوريا وتركيا المتجاورتين والذين بينهما تاريخ وثقافة مشتركة تمتد إلى قرون.