قبل نحو أربعة أعوام، وتحديدًا في 02/12/2020، كتبتُ مقالًا نشرهُ موقع "درج" بعنوان: "مقارنة بين سلاحي "حزب الله" و"حزب عبدالله" (أوجلان)"، ذكرتُ فيه: (سلاح "حزب الله" اللبناني استفادت منه كل من إيران وإسرائيل.
الأولى، على صعيد توسيع مناطق النفوذ، والثانية، على صعيد تقديم صورتها كمظلومة ومستهدفة من سلاح هذه الجماعة الإيرانية–اللبنانية. استفادة نظام الأسد من سلاح "حزب الله" أتت في سياق المنفعة الإيرانية. أمّا سلاح حزب عبد الله (أوجلان)، فقد استفادت منه أنظمة الشرق الأوسط؛ "السوري، الإيراني، العراقي، والتركي"، كما استفادت منه اليونان، أرمينيا، روسيا وأميركا. المتضرر الوحيد منه هو الأكراد. هذا السلاح خدم الملف الكردي من 1984 ولغاية 1994. لكن فيما بعد، أصبح وبالًا على الأكراد (...) وما من أحد يمكنه مطالبة الحزب بإجراء جردة حساب نقدية حيال جدوى سلاحه، على الرغم من أن أوجلان صرّح في آذار/ مارس 2013 بأن مرحلة الكفاح المسلح أصبحت خارج التاريخ. ولكن الحزب لا يزال مستميتًا في الحفاظ على سلاحه.
الحرب الدموية الطاحنة الدائرة بين إسرائيل وإيران على الأرض اللبنانية، والشعبين اللبناني والفلسطيني، وقبلهما السوري، يدفعون فاتورة هذه الحرب القذرة.
طبقًا لرأي أوجلان، فإن حزبهُ حاليًّا خارج التاريخ بسبب استمراره في حمل السلاح. وما زال حزب عبد الله أوجلان يسقي الأكراد في تركيا وسوريا والعراق وإيران، كأس الدم والخسائر والحروب التي تطحن الكرد، وتصب نتائجها في طاحونة الأنظمة التي تضطهد الكرد).
مناسبة هذا الاستذكار، الحرب الدموية الطاحنة الدائرة بين إسرائيل وإيران على الأرض اللبنانية، والشعبين اللبناني والفلسطيني، وقبلهما السوري، يدفعون فاتورة هذه الحرب القذرة.
ربما يخفى على كثيرين من متابعي تجربة حزب العمال الكردستاني أن سلاحه وُجّه إلى داخل المناطق الكردية منذ 1978 في منطقتي "حيلوان" و"سيواريك"، وسنة 1979 – 1980 ضد الأحزاب والمجموعات الكردية في تركيا، وصولًا إلى لحظة كتابة هذه الأسطر. زيدوا على ذلك، أن عبد الله أوجلان صرّح في صيف 2008 بأن حزبه شهد "15 ألف جريمة تصفية داخلية"! بينما سلاح "حزب الله"، بعد سنة 2000، وُجّه إلى الداخل اللبناني، وشكّل للحزب دويلة هي التي تتحكم بالدولة الرسمية ومؤسساتها، ويقحمها في حروب خدمةً للمصالح الإيرانية وأجندتها في المنطقة.
من جهة أخرى، لن يجد الباحث في أدبيات حزب الله (اللبناني) ولا في تصريحات حسن نصر الله ما يمدح ويدعم حزب العمال الكردستاني، بينما يمكن العثور على كثير من الأدلة في أدبيات الكردستاني وتصريحات أوجلان، خاصة في أثناء وجوده في دمشق (1979-1998)، توثّق مديحه لـ"حزب الله" وإيران ونظام حافظ الأسد، بحيث كان أوجلان يعتبر حزبه ضمن محور مقاومة إسرائيل وأميركا والإمبريالية والناتو، وضمن ذلك، الحكومة في تركيا (راجع كتاب "قائد وشعب: سبعة أيام مع آبو" حوار بين أوجلان ونبيل ملحم)! عدا عن ذلك، "العلوية السياسية" كانت ولا تزال قوية وفاعلة ومؤثرة داخل حزب العمال الكردستاني. وسبق أن أتيتُ على توثيق ذلك من مصادر الحزب، على سبيل الذكر جريدته المركزية "سرخوبون". الشيء اللافت في الأمر أن علاقات العمال الكردستاني بدأت مع النظام الإيراني في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، حتى قبل تشكّل حزب الله (اللبناني). وليس خافيًا عن أحد أن النظام في إيران صحيح أنه فارسي - شيعي محض، إلاّ أنه براغماتي إلى الحدود القصوى، لجهة دعم حركات سنّية (القاعدة، جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين ومصر ودول أخرى)، ودعم حركات يسارية كردية عراقية (الاتحاد الوطني الكردستاني) وتركية (حزب العمال الكردستاني)!
إذا ما قارنّا بين هذين الحزبين الميليشياويين (حزب الله، وحزب عبد الله أوجلان) من حيث الدعم والتسليح والمقاتلين، كفة حزب الله اللبناني ترجح. صحيح أنهما في الخندق الإيراني، إلا أن طهران التي لم تستطع تجنيب حزب الله كل تلك الخسائر والفواجع والاغتيالات الاستراتيجية والضربات الموجعة المميتة، فهل ستجنب العمال الكردستاني، إذا ما تعرّض لما تعرّض له حزب الله؟
على الصعيد العسكري نفسه، الأنفاق والتحصينات التي بناها حزب الله في بيروت خصوصًا ولبنان عمومًا، لم تحمِ زعيمه، ولم تجنّب قادته الاصطياد الإسرائيلي، الواحد تلو الآخر. فماذا عن أنفاق وخنادق وتحصينات حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل عمومًا، وفي شمال شرقي سوريا على وجه الخصوص؟ هل أنفاق قوات سوريا الديمقراطية "قسد" (ذراع العمال الكردستاني في سوريا) أعمق وأقوى وأشدّ تحصينًا من أنفاق "حزب الله" وأنفاق حركة "حماس"، بحيث يمكن لهذه القوات مواجهة تركيا؟ لا أظنُّ ذلك.
سلاح الكردستاني فشل في فرض مطالب الحزب على تركيا في الثمانينيات والتسعينيات، في أوج قوته.
تكتيكات حرب العصابات التي كان يعتمدها العمال الكردستاني في الثمانينيات والتسعينيات في القتال ضد الجيش التركي ما عادت تنفع الآن. ذلك أن الجيش التركي شأنه شأن الجيش الإسرائيلي، صار يعتمد على الأسلحة الحديثة والتكنولوجيا أكثر من اعتماده على الأفراد. زد على هذا وذاك، الاختراقات التي حققتها تركيا داخل العمال الكردستاني ومؤسساته العسكرية والسياسية والإعلامية لا تقل أهمية عن الاختراقات الأمنية التي حققتها إسرائيل داخل "حزب الله" وإيران. والدليل على ذلك، الاغتيالات التي تنفذها تركيا ضد عناصر وقيادات الكردستاني في جبال قنديل وكردستان العراق وسوريا. صحيح أنها لم تستهدف حتى الآن قيادات الصف الأول (جميل بايق ودوران كالكان مثلًا)، إلا أن الأحوال والأحداث وحجم الاغتيالات تقول: إذا أرادت أنقرة فعل ذلك، ستفعله من دون تردد.
على ضوء ما سلف، يفترض بحزب عبد الله (أوجلان) وهو يتأمل حال حزب الله، أن يتعظ ويأخذ الدروس والعبر من أن السلاح لا ولن يكون حلًا يستقوي به على كل من ينتقده وسلاحه، ولن يحميه إلى أبد الآبدين. سلاح الكردستاني فشل في فرض مطالب الحزب على تركيا في الثمانينيات والتسعينيات، في أوج قوته. فهل سيفرض مطالب الحزب المتواضعة حاليًّا، مثل "الجمهورية الديمقراطية" و"الأمة الديمقراطية" و"دمقرطة تركيا" على الدولة التركية؟ أصلًا هذه المطالب لا تحتاج إلى سلاح وكفاح مسلح، بل إلى العمل السلمي والحنكة السياسية، واحتراف قيادة صناديق الاقتراع أكثر من قيادة صناديق الرصاص والقنابل والبارود. والسؤال هنا: ما هي حصة لبنان كوطن نهائي، وقرار وإرادة ووعي وانتماء في نهج "حزب الله"؟ وفي المقابل، ما هي حصة المناطق الكردية كوطن نهائي، وقرار وإرادة ووعي وانتماء في نهج وسلوك وأداء حزب العمال الذي يصف نفسه بـ"الكردستاني"؟