رغم مرور ثلاث سنوات على إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش في آخر معاقله ببلدة الباغوز عام 2019 من قبل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وطرده من المراكز الرئيسية التي سيطر عليها بداية عام 2014، إلّا أنّ المخاوف تزداد مؤخراً من محاولات التنظيم إعادة بناء نفسه في بعض مناطق شمال شرقي سوريا، في ظل الصراع السياسي المحلي والإقليمي.
وتواردت الأنباء عن عمليات خاطفة شنّها التنظيم في ريف الرقة الجنوبي مستهدفاً خلالها قوات النظام السوري المتمركزة في منطقة الرصافة 30 كم جنوب غربي الرقة، ومحيط مطار الطبقة العسكري.
كذلك شهد ريف دير الزور الشمالي، خلال العام الجاري، حملات دهم واسعة نفذتها "قسد" بدعم من مروحيات تابعة للتحالف الدولي، اعتُقل خلالها 15 شاباً في بلدة العزبة وقرية عضمان، إثر ازدياد عدد الهجمات الخاطفة التي نفّذها التنظيم ضد القاعدة العسكرية الأميركية المتمركزة في حقل "كونيكو" للغاز.
لكنّ المؤشرات الحالية المتمثلة بتعليق "قسد" عملياتها ضد تنظيم "داعش"، كما ورد على لسان قائدها مظلوم عبدي، بحجة الانشغال بالتجهيز للهجوم التركي المحتمل على المناطق الحدودية التي تسيطر عليها "قسد"، لا تعكس إمكانية عودة واسعة للتنظيم، الذي فقد عدداً كبيراً من قيادات الصف الأول والثاني، والتشتت الكبير في صفوفه، خلال السنوات الخمس الماضية.
إلا أنّ هذه المؤشرات قد تكون بمنزلة دفعة معنوية تكتيكة لخلايا التنظيم النائمة، التي ما تزال بانتظار الوقت المناسب لتنشط مجدداً من خلال تنفيذ عمليات اغتيال، مستهدفة قيادات وعناصر تابعة لـ"قسد"، وتكثيف الهجمات على القواعد الأميركية المتمركزة في ريف الحسكة وريف دير الزور الشمالي.
وفي بداية العام الجاري، شنّ تنظيم الدولة هجوماً كبيراً على سجن غويران في الحسكة، الذي يعد من أكثر السجون تحصيناً في منطقة شمال شرقي سوريا، كان الهدف منه تحرير عدد من سجناء التنظيم، يقدّر عددهم بنحو 3500 سجين، فيما شهد سجن الرقة المركزي، خلال الشهر الماضي، تعزيز لقوات الحراسة بعد توارد تقارير تفيد بتحضير التنظيم لعملية واسعة بهدف تحرير سجنائه.
اقرأ أيضاً.. القصة الكاملة.. كيف سيطر داعش على سجن الصناعة (غويران) في الحسكة؟
هذا الأمر يثير مخاوف حقيقية، بأن يؤدي اقتحام السجون في سوريا إلى تكرار الهروب الجماعي لعناصر تنظيم الدولة من سجن أبو غريب في تموز 2013، والذي أصبح لحظة محورية في التوسّع السريع للتنظيم في العام التالي.
قد لا يشكّل أفراد تنظيم الدولة السابقين وحدهم أكبر المخاوف من التزايد المطّرد في قوة التنظيم البشرية، إلا أنّ المجتمعات المحلية الواقعة تحت سلطة "قسد"، يمكن أنّ تكون خزّاناً بشرياً محتملاً، يستفيد منه التنظيم في عملية توسعه، إذ يعاني المكوّن العربي في المنطقة من التهميش الممنهج وغياب ممثلية حقيقية له في الهيكل السياسي والخدمي ضمن المجالس المدنية والسلطة السياسية التابعة لـ"قسد"، واقتصارها على تمثيل شكلي لا يلبي حاجة المجتمع المحلي، فضلاً عن تعزيز سياسة الأمر الواقع المفروضة، باعتبار "قسد" كياناً عقائدياً أولويته تطبيق فكرة إيديولوجية، بعيداً عن تلبية الحاجات الأساسية لعموم السكان في المنطقة، وغياب وجود مشروع سياسي جامع واضح.
ويعتبر التقارب بين "قسد" ونظام الأسد، تحت غطاء وتنسيق روسي، هاجساً لعدد كبير من الشباب المطلوب أمنياً إلى مخابرات "الأسد"، الذي يجد نفسه بين فكّي كماشة، حال حصول أي تنسيق لدخول قوات النظام إلى مناطق سيطرة "قسد"، كما يتوارد مؤخراً على لسان مظلوم عبدي، الذي صرح بأنّ "حماية المنطقة هي وظيفة الجيش السوري ونتطلع إلى التنسيق معاً للتصدي للهجمات التركية".
هذا الأمر أثار موجة غضب وخوف واسعة بين شبّان المنطقة، إذ جلّهم مطلوبون للخدمة في صفوف نظام الأسد، أو مطلوبون أمنياً لمشاركتهم في الاحتجاجات والقتال ضد قوات النظام وميليشياته، ما يجعل المنطقة بيئة خصبة يمكن لتنظيم "داعش" الاستثمار بها باعتبارها القوة الوحيدة الممكنة على الأرض والمناوئة لـ"قسد" ونظام الأسد، حيث يعتمد عناصر التنظيم وخلاياه النائمة على نشر الشائعات، التي تعزّز الخوف من دخول محتمل لمخابرات النظام السوري، وإمكانية توفير السلاح للشباب بغية الدفاع عن النفس حال حصول الأمر.
كذلك تشكّل تركة داعش الثقيلة المتمثلة بالآلاف من عائلات عناصر التنظيم المقيمين في مخيمات مخصصة لهم، التي يعتبر مخيم الهول أكبرها – يقطن فيه نحو 60 ألف شخص - "قنبلة موقوتة"، في ظل غياب برامج التأهيل والدمج الفعالة، الأمر الذي يعظّم إمكانية تحويله إلى أكاديمية فكرية تابعة للتنظيم تتوفر فيه العوامل الداخلية المتمثلة بالفكر المتطرف ووجود أرضية خصبة لانتشاره ونشره، وسوء الحال المعيشي والخدمي، ما ينمّي فكرة المظلومية، التي عزّزها التنظيم منذ بداية نشأته، محوّلاً إيّاها إلى بؤرة قادرة على تصنيع مقاتلي "داعش" المستقبليين، الذين يُطلق عليهم "أشبال الخلافة"، وراهن عليهم كثيراً في إصدارات سابقة باعتبار أنّهم "امتداده المستقبلي".
اقرأ أيضاً.. بعد محاولة فرار جماعية.. الكشف عن شبكة أنفاق تحت مخيم الهول في سوريا
اقرأ أيضاً.. تحت راية التنظيم.. نسوة داعش يخرّجن "دورة شرعية" للفتيات في مخيم الهول
يبقى السؤال الأهم، هل كان الإعلان عن نهاية السيطرة العسكرية لـ تنظيم الدولة، إعلاناً عن نهاية الفكر السرطاني للتنظيم؟ وهل كانت وسائل قتال التنظيم فكرياً كافية لاجتثاث خطره عن المجتمع السوري؟ إلا أن الإجابة عن هذا السؤال في ظل المشاهدات الحالية، توضّح جلياً، أنّ معركة وأد التنظيم فكرياً، ما تزال في بداياتها، دون وجود مقومات واضحة على الأرض تشير إلى تطورها أو جهود حقيقية لخلق مجتمع ما بعد التنظيم".