لم يكن اغتيال مجموعة كبيرة من كبار قيادات فيلق القدس الحساسة في دمشق يوم السبت الماضي على يد إسرائيل حدثاً اعتيادياً أو يمكن التغاضي عنه بسهولة كما حاولت بعض المنافذ الإيرانية التقليل من أهميته بالتزامن مع ورود الأخبار العاجلة حينذاك.
ففي أعقاب تشييع جثامين القتلى الإيرانيين في منطقة السيدة زينب ووصولهم إلى طهران بدأت تظهر جملة من الاتهامات والانتقادات غير المسبوقة مع إحصائيات تراجع السجلات التاريخية لسلسلة الاغتيالات الإسرائيلية المستهدفة للقادة الإيرانيين في سوريا خلال العقد الماضي على صحفات المواقع الإيرانية.
أكثر من 20 قياديا إيرانيا اغتالتهم إسرائيل في سوريا
في الوقت الذي برأت فيه صحيفة فرهيختغان الإيرانية ساحة الروس من التسريب الاستخباري، أوضحت هذه الصحيفة أن الروس لا يلتزمون بحماية كل المصالح الإيرانية، إلا إذا كان هذا الوجود ضمن القواعد الروسية.
ورأت الصحيفة أن مصالح إيران وروسيا في سوريا تتركز على استراتيجية قمع ما سمته بـ"الجماعات الإرهابية" ومواجهة الاحتلال الغربي.
وفي نفس الوقت، اعترفت بوجود اختلافات بين الروس والإيرانيين في سوريا على مستوى التكتيكات، إذ تعتبر روسيا أن بعض الاشتباكات بين إيران وإسرائيل في سوريا هي بسبب قضايا خارج سوريا وبالتالي لا تتدخل فيها، بحسب الصحيفة.
وبينت الصحيفة أن الهجوم الإسرائيلي الأخير يعتبر بمنزلة تحذير للنظام السوري، إذ تسعى إسرائيل للضغط على دمشق لكبح ما وسمته بـ"حركات المقاومة" في هذا البلد ضد إسرائيل خلال فترة الحرب.
وعرضت الصحيفة في نهاية التقرير إحصائية لعشرين قياديا إيرانيا اغتالتهم إسرائيل في سوريا منذ عام 2015، موضحة أن الاستهدافات الإسرائيلية لقادة إيرانيين منذ 9 مارس/آذار 2022 (تاريخ اغتيال مرتضى سعيد نجاد وإحسان كربلاء بور قرب دمشق) حتى يناير العام الجاري، تمت من دون إخطار روسي مسبق لإيران.
وتؤكد الصحيفة كذلك على المسار المتصاعد للاستهدافات الإسرائيلية للقيادات الإيرانية رفيعة المستوى في سوريا بناء على فترات زمنية متقاربة بين الأحداث المجدولة، إذ تشير في جدولها لوجود 4 أحداث اغتيال مستهدفة من المجموع الكلي نفذ خلال عامي 2023-2024.
يجب اعتقال "جاسوس دمشق"
عززت الوتيرة المكثفة للهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضد قيادات إيرانية رفيعة المستوى في سوريا من احتمال وجود اختراق قوي واستخباري في أوساط وسائل الإعلام والنقاد والخبراء الأمنيين في إيران.
وفي هذا الصدد، يقول العقيد إسماعيل كوثري، عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني، والنائب السابق لقاعدة ثأر الله، أحد أهم وحدات الحرس الثوري الأمنية: "كان ولا يزال لإسرائيل عملاء في لبنان وسوريا والدول المجاورة، ورأيتم أنه تم اعتقال العديد من عملاء الموساد في تركيا".
ويرى كوثري على أن الأمر لا علاقة له بجبهة المقاومة، بل بالتجسس وتسلل العملاء إلى مؤسسات تلك الدول.
ويؤكد كوثري أن القتلى الإيرانيين الخمس كانوا "مستشارين" في سوريا منذ القدم، وأخيراً تم التعرف إليهم وعلى مكان وجودهم وتم استهدافهم، بحسب تعبيره.
ويشير كوثري إلى أنه إذا تصرفت تلك الدول مثل إيران وتركيا بشكل أكثر نشاطاً، فمن المؤكد أنها ستعتقل عملائها، مؤكداً على أنه يجب القبض على الجواسيس في دمشق.
مشكلة جواسيس أم روسيا؟
مثل هذه التبريرات لم تكن كافية لمعالجة حدة التكهنات الإيرانية حول كيفية تنفيذ إسرائيل لهذه العمليات، إذ ذهب علي قلهكي، أحد الصحفيين الإيرانيين المحسوبين على التيار الأصولي للقول على حسابه على موقع إكس إن "استهداف كبار ونخبة قوى المقاومة وإيران في لبنان وسوريا بدقة عالية ليس ممكناً لإسرائيل وحدها، متهماً "تنظيماً موازياً، على دراية بإحداثيات تيار المقاومة، يقوم بتوجيه إسرائيل بالمعلومات الدقيقة".
وكانت روسيا خلال السنوات الماضية في معرض انتقادات واسعة للوسط الإيراني الإعلامي بين الحين والآخر، خاصة فيما يتعلق بسلوكها في عدم تفعيل دفاعاتها الجوية في أثناء الغارات الإسرائيلية في سوريا.
وفي هذا الصدد، تساءل الصحفي الإيراني علي قلهكي "أي دولة تسيطر على معظم الدفاعات الجوية السورية؟ هل تم إيقاف دفاعات إس-400 اليوم، كما حدث يوم مقتل رضوي؟".
وكتب علي رضا مصطفى، وهو صحفي محسوب على تيار الإصلاحيين: "أتمنى أن يسأل السيد رئيسي فخامة بوتين لماذا لم يقم بتفعيل نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 في سوريا لحماية مصالح إيران ضد الهجمات الإسرائيلية؟". ألم تكن روسيا حليفنا الاستراتيجي؟".
وفي ذات السياق، بين موقع افتاب نيوز الإيراني أن الكشف عن أماكن وتحركات "المستشارين الإيرانيين الخمسة"، الذين قتلوا في سوريا، على وجه التحديد لا يمكن أن يكون من عمل عدد قليل من المخبرين المحليين.
ورأى الموقع أن مطالبات بعض المتعاطفين في الداخل في النظر في النوايا ونوع اللعبة الممزوجة بألاعيب موسكو في سوريا، تستحق الرد والتحقيق، مطالباً المسؤولين في إيران أن ينتبهوا إليها.