حتى الآن، يبدو أن إيران لم تصل إلى حد التصعيد الكبير الذي قد يزيد من تأجيج الصراع الإقليمي المتصاعد الذي يتمحور حول الحرب على غزة. مازالت طهران ملتزمة بحدود معقولة للرد، وهي تعمل على أن تكون هجماتها محسوبة، وأن تستعرض عضلاتها في سوريا ولبنان والعراق والبحر الأحمر، من دون الدخول في قتال مباشر مع إسرائيل أو الولايات المتحدة أو حلفائهم. وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد سبق الأسبوع الماضي الصواريخ الإسرائيلية التي ضربت دمشق، وجال في المنطقة لإطفاء الفتيل المشتعل عقب اغتيال صالح العاروري القيادي في حماس.
كيف ترد إيران؟
يوم السبت، كررت إيران عبر الميليشيات الموالية لها في العراق استهداف القوات الأميركية، وقال مسؤول أميركي، اشترط عدم الكشف عن هويته لوكالة رويترز، إن جنودا أميركيين أصيبوا بجروح طفيفة وإن أحد أفراد قوات الأمن العراقية أصيب بجروح خطيرة في هجوم على قاعدة عين الأسد الجوية العراقية.
وذكرت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" في بيان أن القاعدة تعرضت للقصف بعدد من الصواريخ الباليستية وأنواع أخرى من الصواريخ أطلقتها فصائل مدعومة من إيران داخل العراق، مضيفة أن الدفاعات الجوية صدت 13 صاروخا بينما "سقط اثنان في القاعدة الجوية".
ولم يؤكد البيان حجم الإصابات بين الجنود الأميركيين، لكنه ذكر أن الجنود يخضعون للفحص لتحديد مدى تعرضهم لإصابات في الدماغ.
ومنذ أن بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 من تشرين الأول عقب عملية طوفان الأقصى، تعرض الجيش الأميركي للهجوم 58 مرة على الأقل في العراق و83 مرة في سوريا من ميليشيات تدعمها إيران، وعادة ما يكون الاستهداف عبر صواريخ وطائرات مسيّرة "انتحارية".
ويذكر أن للولايات المتحدة 900 جندي في سوريا و2500 جندي في العراق في مهمة لتقديم المشورة ومساعدة القوات المحلية الحليفة، التي تحاول منع عودة تنظيم "داعش" الذي سيطر في عام 2014 على مناطق كبيرة في كلا البلدين قبل هزيمته، وعلى الأقل منذ بدء الهجمات على القواعد الأميركية في البلدين لم تعلن القوات الأميركية مقتل أي جندي من جنودها.
هل تجاوزت إسرائيل قواعد الاشتباك في سوريا ولبنان؟
عقب مقتل 5 قياديين بالحرس الثوري الإيراني، السبت، في هجوم "المزة" بدمشق بينهم مسؤول الاستخبارات في فيلق القدس، كان واضحا أن إسرائيل اتخذت قرارا بتغيير قواعد الاشتباك، والانتقال من الهجمات التي تستهدف البنى التحتية وطرق تزويد حزب الله بالسلاح الإيراني، إلى استهداف القيادات في الحرس الثوري وحركة حماس وحزب الله، وكان اغتيال القيادي في حماس صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية الإعلان عن ذلك، في حين مازالت ضربات إيران وميليشياتها من دون أضرار حقيقية، وهي تقتصر حتى اليوم على إصابات "دماغية" لدى بعض الجنود الأميركيين في سوريا والعراق، إضافة للحفر التي قد تنتج عن القصف. ما يشير إلى أن إيران باتت تقترب من حافة "الهاوية" لأن الاغتيالات تطال قيادات وجنرالات يلعبون دورا بارزا في سياسة طهران العسكرية من بغداد إلى بيروت، والتي تسعى لتشكيل المشهد السياسي في المنطقة انطلاقا من هذه الدول.
ويوم الثلاثاء الماضي، أعلن الحرس الثوري أنه شن هجوما بصواريخ بالستية على عدة مناطق مدنية في أربيل مساء الاثنين، ما أسفر عن مقتل 4 مدنيين وإصابة 6 آخرين. الحرس الثوري أوضح أنه استهدف "مقرا رئيسيا لجهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية الموساد في أربيل"، بالإضافة إلى أهداف تنظيم "داعش" في إدلب شمال غربي سوريا، وعد المقر "مركزا لأنشطة التجسس والتخطيط لأعمال إرهابية في إيران"، ردا على مقتل بعض قادة الحرس الثوري والجماعات التي تدعمها إيران على يد إسرائيل، وفق البيان. إلا أن الواقع كان مغايرا، فما استهدفته إيران في إدلب كان عبارة عن مستوصف صحي قديم، خارج الخدمة.
لماذا ستكون الضربات الأقسى في البحر الأحمر؟
يعتبر جنوب البحر الأحمر منطقة نشاط لجماعة الحوثي، في حين يعج مضيق باب المندب بالسفن الحربية الأميركية والدولية.
ويبرز ضمن التطورات اليوم، ميناء عصب الإريتري الذي وقعت قربه حادثة هجوم على سفينة شحن أنقذتها القوات البريطانية، حيث يوجد بالقرب من "عصب" قاعدة عسكرية إيرانية منذ عام 2009، كما أن لإسرائيل قاعدة عسكرية في أرخبيل الدهلك (شرقا)، وقاعدة ثانية للتنصت في قمة "إمبا صويرة"، أعلى جبل في البلاد (جنوب شرق)، بالإضافة إلى وجود عسكري في ميناء مصوع، شرق العاصمة أسمرة، وفق وكالة الأناضول.
العمليات الدفاعية التي تنفذها القوات الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر مكلفة ماليا، فقد قالت وزارة الدفاع البريطانية اليوم الأحد إنها ستنفق 405 ملايين جنيه إسترليني (514 مليون دولار) لتحديث نظام صاروخي تستخدمه البحرية الملكية الآن لإسقاط طائرات مسيرة معادية فوق البحر الأحمر. وفق رويترز.
وذكرت وزارة الدفاع في بيان أنه سيتم تحديث نظام الدفاع الجوي (سي فايبر) بصواريخ مزودة برأس حربي جديد وبرمجيات تمكنه من مواجهة تهديدات الصواريخ الباليستية.
ركز الحوثيون هجماتهم على مضيق باب المندب الذي يمر من خلاله حوالي 10 في المئة من النفط الخام والمنتجات النفطية العالمية.
ويعد البحر الأحمر أيضًا بمثابة الطريق الرئيسي لقناة السويس، حيث يربط المستهلكين الأوروبيين الرئيسيين بموردين مهمين في آسيا. وتسهل القناة حوالي 12في المئة من التجارة العالمية، وتمثل ما قيمته أكثر من تريليون دولار من البضائع سنويا.
وأدت هجمات الحوثيين إلى زيادة المخاطر التي تتعرض لها السفن التي تقترب من قناة السويس، وقد بدأت محاولاتهم لتعطيل سلاسل التوريد العالمية تؤدي بالفعل إلى نتائج أولية، مثل زيادة تكاليف الوقود بشكل كبير.
ويؤثر هذا الارتفاع في أسعار الوقود، متأثرا بالحصار الفعلي، على حوالي 10 في المئة من النفط العالمي و8 في المئة من الغاز الطبيعي المسال الذي يمر عبر الطرق الرئيسية مثل السويس، وهو أمر بالغ الأهمية لاحتياجات أوروبا من الطاقة في فصل الشتاء كما تفعل دول الاتحاد الأوروبي. وقد زادت وارداتها عبر هذا الطريق بعد العقوبات المتعلقة بأوكرانيا على صناعة النفط الروسية، ويناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي غدا الإثنين تشكيل قوة عسكرية بحرية لحماية الملاحة في البحر الأحمر من هجمات حلفاء طهران، فهل ستستطيع إيران تصعيد هجماتها في المنطقة متجاوزة إحداث "ارتجاج" في أدمغة القوات الأميركية؟