بعد ساعات من حدوث انقلاب عام 1963 بقيادة حزب البعث، وقف رجل في الثلاثينيات من عمره يرتدي طقمه الرسمي على رؤوس الآلاف من الطلبة والمشاركين أمام مسجد جامعة دمشق يخطب فيهم، وشوارع دمشق تعج بالدبابات والعسكر قائلاً: "صفحتنا أنصع من أي صفحة، وجبهتنا أرفع من أي جبهة، وطريقنا أقوى من أي طريق، وأنا أتحدى كل إنسان كائناً من كان أن يضع ذرّة من الغبار، لا أقول على جباهنا المرتفعة، ولكن على أحذيتنا وأقدامنا، وأعلن أنني أرفض أي ضرب من ضروب الحكم الديكتاتوري الاستبدادي، والطغاة الماضون سقطوا طاغية بعدَ طاغية بعد طاغية تحت أقدامنا ونحن على هذا المنبر، وسيذهب الطغاة الجدد كما ذهب الطغاة القدماء".
كان ذلك الرجل هو عصام العطار الخطيب المفوه وأحد الرجال الوطنيين السوريين الذين وقفوا بوجه الاستبداد السياسي والانقلاب العسكري مع كثير رفاقه السوريين على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم ومشاربهم في الوقت الذي كان الحكم المدني يحاول أن يرسخ قدميه من جديد بعد عامين من الانفصال عن الوحدة مع مصر.
وبسبب نشاط العطار قررت سلطات الانقلاب فرض الإقامة الجبرية عليه، إلى أن خرج إلى الحج عام 1964، ومُنع من العودة إلى سوريا من ذلك الحين لينتقل من منفى إلى آخر، مصراً على الاستمرار في طريق نضاله في مواجهة مستمرة مع النظام السوري الذي حاول اغتياله واغتال زوجته "بنان الطنطاوي"، داعماً للثورة السورية عام 2011 منذ لحظتها الأولى فاتحاً بيته أمام جميع السوريين بمختلف توجهاتهم ليكون مركزاً للتواصل على العمل الوطني ضد النظام بأوقات متعددة، حتى ألزمه المرض فراشه في السنوات الأخيرة حتى وفاته في الـ 2 من أيار عام 2024.
وعن عمر 97 عاماً، رحل المفكر السوري والداعية الشهير وأحد القيادات التاريخية للحركة الإسلامية السورية، عصام العطار، في منفاه الإجباري، بمدينة آخن التي عاش فيها أكثر من نصف حياته.
وقالت هادية العطار ابنة عصام العطار في منشور لها على "فيس بوك"، "توفي والِدُنا عصام العطار الليلة (ليلة الجمعة 23 شوال 1445 هـ / 2 أيار 2024 م) تغمدهُ اللهُ برحمَتِهِ ورضوانِه وهوَ يسألكم المسامحة والدعاءَ لَهُ بالمغفِرَةِ وحسنِ الخِتام قائلاً في وصيته: "وداعاً وداعاً يا إخوتي وأخواتي وأبنائي وبناتي وأهلي وبني وطني أستودعكم اللهَ الذي لا تضيع ودائعه، وأستودعُ اللهَ دينَكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم، وأسأل اللهَ تعالَى لكم العونَ على كل واجب وخير، والوقاية منْ كل خطر وشر، والفرج منْ كل شدّة وبلاء وكرْب سامحوني سامحوني واسْأَلوا اللهَ تعالى لي المغفرة وحسن الختام. شكراً لكم شكراً، جزاكم الله خيراً، أخوكم عصام العطار".
شعلة متقدة
ولد عصام العطار في دمشق عام 1927 في أعقاب الثورة السورية الكبرى، من عائلة دمشقية شهيرة، فوالده الشيخ محمد رضا العطار أحد رجال القضاء الشرعي والعدلي، كما تسلم رئاسة محكمة الجنايات والتمييز.
خاض محمد رضا العطار صراعاً مع جمعية الاتحاد والترقي التركية، فحكم عليه والي سوريا جمال باشا السفاح بالإعدام فهرب إلى حوران والسويداء واحتمى بأهلها، ثم نفي أخيراً بعد اعتقاله إلى إسطنبول خلال الحرب العالمية الأولى ثم عاد إلى سوريا مع خسارة الحرب وتفكك السلطنة العثمانية.
تمرس عصام العطار على فن الخطابة منذ طفولته، وبدأ بالتعرف إلى الأدباء والكتاب مع نشأته من خلال مجلة الرسالة التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات في القاهرة عام 1933، وكانت تضم أعلام الأدب العربي الكبار من أمثال الزيات ومصطفى صادق الرافعي وإبراهيم المازني وطه حسين وأحمد أمين، وعباس محمود العقّاد وغيرهم.
نشط العطار في شبابه مع الجمعيات الإسلامية التي كان لها نشاط واسع في سوريا خلال الانتداب الفرنسي، والتي تمخض عنها تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بقيادة مصطفى السباعي عام 1945.
ومن خلال تلك النشاطات تعرف إلى الأديب السوري الشهير الشيخ علي الطنطاوي عام 1935، وحينما ترشح الأخير لعضوية البرلمان عام 1947 أقيمت له العديد من الجلسات لدعوة الناخبين للتصويت له، حيث قال في مذكراته: "في هذه الحفلة ظهر خطيب جديد كان يومئذ في العشرين، فبهر الناس بخطبة ارتجلها، وبهرني مع الناس، هذا الذي صار بعد ذلك: نابغة الخطباء، وهو عصام العطار".
وقد تمتنت علاقات الطرفين متجاوزة الصداقة إلى أن اختاره الطنطاوي زوجاً لابنته بنان التي كانت رفيقة دربه في نضالاته ضد الاستبداد والنظام السوري لعقود قبل أن يتم اغتيالها.
العمل السياسي والانفتاح على الجميع
تميز العطار منذ بداياته، بأنه شخصية استثنائية حتى داخل الحركة الإسلامية السورية، فقد انفتح على جميع التيارات والجماعات التي تتفق أو تختلف مع أفكار الإخوان المسلمين محاولة لمّ الشمل السوري تحت مطالب أساسية تهدف البلد الذي كان يشكّل مع رحيل المستعمر الفرنسي.
ومن خلال علاقته المباشرة مع مصطفى السباعي المراقب العام الأول للإخوان المسلمين في سوريا، بنى علاقة وطيدة وساهم في تشكيل رؤيته للعمل السياسي وتأثيره المباشر على العمل السياسي لجماعته.
ومع النشاط المدني والخبرة السياسية تمتع العطار بموهبة خطابية تدفعها إرادة قوية في الجرأة على الحق والوقوف في وجه أصحاب السلطة والاستبداد، ما ساهم بأن يكون شخصية شعبية ذات تأثير في الجماهير، وهو في أوائل العشرين من عمره، لا يحب كل مستبد أن يسمعه صوته.
فقد وقف العطار ضد جميع الانقلابات العسكرية مجتمعة، بدءاً من انقلاب حسني الزعيم عام 1949، وانقلاب سامي الحناوي في العام نفسه، حتى انقلاب أديب الشيشكلي عام 1951، حيث هاجم العطار الحكم الاستبدادي للشيشكلي هجوماً شديداً، فصدر أمر اعتقاله، فهرب إلى مصر.
في منفاه الأول بمصر انفتح العطار على شكل جديد فقابل التيارات الفكرية المصرية المتنوعة بدءاً من الإخوان المسلمين والتيارات الأخرى، وكانت تجربة مهمة في حياته، إلا أن مرض والده الشديد دفعه للعودة إلى دمشق عام 1952.
أشرف العطار على جريدة المنار التي كانت يصدرها الإخوان المسلمون في سوريا، ثم انتخب عضواً في المكتب التنفيذي في جماعة الإخوان المسلمين عام 1954، وفي عام 1955 عقد المؤتمر الإسلامي في دمشق بحضور عدد كبير من العلماء والمفكرين الإسلاميين حيث اختير العطار أميناً عاماً للمؤتمر.
وفي العام الذي يليه تسلم قيادة الإخوان المسلمين بالإنابة حينما أوفدت الجامعة السورية مصطفى السباعي إلى أوروبا للاطلاع على مناهج الدراسات، فكانت هذه المرحلة من المراحل الصعبة بالنسبة للعطار، حيث كانت الخلافات السياسية تعم سوريا.
وبعد عودة السباعي كان للعطار موقف نقدي يخالف مشاركته بالانتخابات في مواجهة عدنان المالكي، خشية انقسام البلاد إلى فريقين "يسار ويمين" أو قوميين وإسلاميين، الأمر الذي أدى إلى خسارة السباعي الانتخابات ثم ما لبث أن حُل البرلمان مع إعلان الوحدة مع مصر عام 1958.
موقف ديمقراطي من الوحدة
ساند العطار وحدة سوريا مع مصر، رغم موقفه من جمال عبد الناصر، مطالباً أن تكون الوحدة على أساس ديمقراطي برلماني، تبدأ الوحدة على الصعيد العسكري، والخارجي، وتعطى فترة حتى تهيأ الأسباب لما هو أكبر.
في المقابل كان جمال عبد الناصر يريد حل جميع الأحزاب والجماعات في مقابل قبوله بالوحدة، وبالفعل حل مصطفى السباعي جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن العطار استمر في دعمه للوحدة وانتقاده لأسلوب الحكم الديكتاتوري وانتقاص حقوق الإنسان من خلال خطبه في مسجد جامعة دمشق.
في عام 1961 حصل الانفصال بين سوريا ومصر إثر انقلاب عسكري جديد، حيث رفض العطار الانفصال، وتمسك بالوحدة مع التعديل في أساسها، ورفض التوقيع على وثيقة الانفصال، ورفض معه الإخوان، في المقابل وقعت أحزاب وشخصيات أخرى على الوثيقة.
بعد أشهر بدأت الحياة السياسية تستقر إلى حد ما بعد تخلي العسكر عن السلطة، فعادت الحركة الإسلامية لعملها بقيادة عصام العطار مع المرض الذي أصاب مصطفى السباعي، فترشح العطار للانتخابات البرلمانية وفاز نيابة عن دمشق ودخل البرلمان للمرة الأولى. انتخب ناظم القدسي رئيساً لسوريا، والدواليبي رئيساً للوزراء، وطلب من عصام العطار المشاركة في الوزارة لكنه رفض.
ثم صار أميناً عاماً للكتلة التعاونية الإسلامية في البرلمان السوري، وقدم كتاباً إلى رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء يتضمن عدداً من المطالب الرئيسية المتعلقة بقضية الخطة الإسرائيلية لتحويل مجرى نهر الأردن، وطرح على الحكومة فكرة تعبئة الشعب لتحرير نهر الأردن بدلاً من التحويل.
بعد عدة أشهر حدث انقلاب عسكري، واعتقلوا رئيس الدولة، ورئيس الوزارة، ودعوا 13 شخصاً منهم عصام العطار من أجل أن يشاركوا في استلام الحكم في سوريا. فرفض عصام العطار ذلك، ودعاهم إلى إعادة رئيس الجمهورية إلى مكانه، فأفرجوا عنه ورجع رئيساً للجمهورية. وأجبروه على تكليف بشير العظمة بتأليف الوزارة، فدعا عصام العطار إلى القصر الجمهوري وعرض عليه المشاركة في الوزارة، ولكنه رفض، وطلب حكومة ائتلافية يشارك فيها الجميع أو حكومة حيادية يطمئن إليها الجميع. فاتصل رئيس الجمهورية بعصام العطار وعرض عليه أن يسمي أربعة وزارء، فرفض. فاضطرت حكومة بشير العظمة للاستقالة.
ولم يستلم العطار أي منصب تنفيذي في الحكومات المتعاقبة من دخوله السلك السياسي، مؤمناً بدوره بالعمل الديمقراطي الكامل بمرحلة مبكرة من تاريخ سوريا الحديث.
في مواجهة البعث
في بداية انقلاب البعث حاول العسكر جر العطار والعديد من السياسيين السوريين ليكونوا واجهة الانقلاب لكنهم رفضوا، في مقابل استمرار العطار بعمله السياسي فتعرض لأول محاولة اغتيال، إلا أنه نجا منها لأنه كان يقيم في منزل الشيخ علي الطنطاوي فاتصل بالرئيس أمين الحافظ، وأخبره بما جرى، فاعتذر منه مبرراً بأنه لا يعلم بذلك ولا يسمح به.
بعد نشاطاته الكثيرة وخطبه الحماسية أكّد في إحدى خطبه قائلاً: "رأيت الوجه الطائفي من وراء الحركة، مع التأكيد أنه بالنسبة لبلادنا الحقيقة النظام الذي يحمي بلادنا من المخاطر الخارجية هو النظام الديمقراطي، الذي يجب أن يقوم في البلاد، وإلا فإن النظام الديكتاتوري ضرر في كل جوانبه، والأمر كان واضحاً وأنا كنت أتكلم بصراحة".
وأضاف في شهادته على قناة الجزيرة "أنا بقيت في سوريا بعد الانقلاب البعثي أمارس العمل الإسلامي والاجتماعي والعمل السياسي علناً. فبعد قيام الانقلاب مباشرة أُعلنت حالة الطوارئ والأحكام العرفية، فأعلنت استمرار العمل الإسلامي".
وأضاف "أنا لما كنت في سوريا بالنسبة إليّ دافعت عن حق كل إنسان مظلوم ولو كان خصماً لي، دافعت بالفعل وهذا جعل الأكثرية من أبناء الشعب تقف ورائي خلال هذه الفترة في سوريا يعني بالفعل دافعت عن قضايا كبرى مثلاً قضايا الوحدة قضايا التحرر من الاستعمار الجديد والقديم، وكذلك قضية مقاومة الأحلاف الإمبريالية الخارجية، وقضايا تحقيق العدالة الاجتماعية، وقضايا الحريات العامة داخل البلاد".
بعد نشاطه الواسع فرضت عليه الإقامة الجبرية، وعن ذلك قال: "أنا تحديت هذه الإقامة الجبرية ولم أرضخ لها، وبعد ثلاثة أو أربعة أيام كان هناك لقاء بيني وبين الفريق بحضور عدد من الضباط، فقد كان في حالة توتر شديد، قال لي يا أستاذ عصام بإمكانك أن تطمئن، نحن نعتذر عن سوء التفاهم الذي حصل وأزيل على الفور، وبإمكانك أن تطمئن".
غادر سوريا إلى الحج عام 1964، ثم منع من دخول سوريا مرتين الأولى بعد حادثة اعتصام مروان حديد في جامع السلطان بحماة، مؤكداً أنه ليس له علم به ولا يوافق عليه، ولكنه اعتبر مسؤولاً لأنه قائد الجماعة، والثانية بعد وفاة مصطفى السباعي الذي قدم للمشاركة في تشييع جثمانه في العام نفسه، فذهب إلى لبنان ومنها بدأت رحلة مهجر ومنفى طويل لم يكن إلا إصراراً على مقارعة الاستبداد ووفاء لدمشق التي حُرم منها مجبراً.
بعد وفاة السباعي غادر العطار من لبنان إلى بلجيكا، وانتخب مراقباً عاماً للإخوان المسلمين رغم اعتذاره بسبب مرضه بالشلل إلا أن الحركة الإسلامية أصرت عليه فقبل، وبقي في منصبه حتى عام 1973.
اغتيال أحب الناس إليه
انتقل العطار بعد ذلك للعيش في ألمانيا واستقال من العمل في جماعة الإخوان المسلمين متفرغاً للعمل الإسلامي والدعوة في أوروبا بين الطلاب العرب والمسلمين القادمين للدراسة، ومع ذلك لم يتركه النظام بقيادة حافظ الأسد إذ كان يريد اغتياله.
وكانت السلطات الألمانية تنبهه بأنه في خطر وهناك مسلحون يقتفون أثره بهدف اغتياله ما دفعه لتغيير عنوانه باستمرار، وعن ذلك قال: "سَنَةٌ ونصفُ السنة، لا يكادُ يستقرُّ جنبي في بلد أو سَكَن حتى يُقالَ لي: ارحل فقد عرف مكانك! ارحل .. ارحل .. ارحل، وفي هذا الرحيل المتواصل في الصيف وفي الشتاء، وفي الربيع والخريف، بين مدنٍ وقُرىً، وفنادقَ ومنازلَ منقطعة عن العمران، يباعد بعضَها عن بعض أحياناً مئاتُ الكيلومترات وأنا مُتعَبٌ مُرْهَقٌ مَريضٌ مَريض".
ومع كل محاولات اغتياله فشل النظام السوري في تحقيق ذلك، إلا أنه نجح في اغتيال صديقة عمره ورفيقه دربه زوجته بنان علي الطنطاوي فاقتحم مسلحون المنزل وأمطروها بالرصاص بتاريخ 17 آذار 1981، قائلاً عن تلك الفاجعة في إحدى مقابلاته "28 عاماً مضت على غيابِ هذا الكوكبِ الذي أضاءَ حياتي وحياةَ أُسْرتي في أحلك ليالي الغُربة والتشرّد والخطر والمرض، وأضاء لمن كان حولنا حيثما سَرَيْنا في الأرض. ثمانية وعشرون عاماً مضت على فراق زوجتي وحبيبتي وصديقتي ورفيقة دربي، وسَنَدي وعَوْني حيث لا سندَ ولا معينَ إلاّ الله".
وكتب في رثائها كثيراً من القصائد من بينها:
"رَحَلتُ عنكُم عَليلاً ناءَ بي سَقَمي.. وما تنازَلتُ عن نَهجي وعن شَمَمي
أُتابعُ الدَّربَ لا شَكوى ولا خَوَرٌ.. ولو نَزَفتُ على دَربِ الإباءِ دَمي
لا أخفِضُ الرَّأسَ ذُلّاً أو مُصانعة.. هَيهاتَ هَيهاتَ تأبى ذاكَ لي شِيَمي
اللهُ حَسْبي إذا ما عَقَّني بلَد.. وضاقَتِ الأرضُ عن شَخصي وعن قِيَمي".
حافظ الأسد وفلسفة الانتقام
ورغم الجرح الذي فتحه حافظ الأسد في قلب عصام العطار باغتيال زوجته، فإنه استمر في استهدافه من خلال تعيين شقيقته وزيرة للثقافة في رسالة إلى أن عصام العطار هو الابن الضال من العائلة التي تدعم النظام.
وبعد ذلك أراد حافظ الأسد أن يرتب توريث ابنه للسلطة، فدعا عصام العطار أكثر من مرة للعودة إلى سوريا، وأرسل له موفداً خاصاً وأخبره أنه سيستقبل في البلاد بكل التقدير والاحترام لكنه قال لسليمان حداد مبعوث حافظ الأسد: "شخصياً لم يكن ولن يكون لي أي قضية شخصية، والقضية عندي هي بلادي، وهم كانوا على الصعيد الشخصي على استعداد لإعطائي كل شيء وعلى الصعيد العام لم يتوفر استعداد من قبلهم لفتح الحديث حول الحريات وحقوق الإنسان، ولهذا رفضت الاستجابة للدعوة.. وهذا ما دار من نقاش أيضاً مع سليمان حداد السفير السوري السابق في ألمانيا الذي كان محترماً ومعاملته طيبة جداً".
وفي عام 2007 عين بشار الأسد شقيقته نجاح العطار نائبة لرئيس الجمهورية فقال الشيخ عصام العطار: "لا علاقة لهذا التعيين بي شخصياً، ليس لي ولن يكون لي أي مطلب خاص، هي (نجاح العطار) ذات شخصية مستقلة عني وأنا صاحب شخصية مستقلة عنها وتعيينها لا يعنيني بشيء ولا يرتبط بموقف بأي حال من الأحوال، موقفي لا يرتبط بها ولا موقفها يرتبط بي، هذه الأمور لا أنظر فيها للعوامل الشخصية على الإطلاق إنما أنظر لمصلحة أمتي وبلادي، وشيء آخر أنا من زمن طويل أدعو لمصالحة وطنية تشمل الجميع ممن يتفقون أو يختلفون معنا في الرأي".
نظرة مختلفة في العمل السياسي
كانت فلسفة عصام العطار وأفكاره مختلفة منذ سنواته الأولى، فرغم خطبه الحماسية والثورية فإنه تحلى بصبر ومسؤولية شديدة في كل اللحظات التي واجهت الحركة الإسلامية الوطنية السورية، حيث تصدر لمعظم الملمات والصعاب التي واجهت السوريين في النضال ضد الاستبداد وقدم رؤية نقدية مهمة رافضاً العنف سلوكاً أو طريقاً.
ويتساءل الشيخ العطار قائلاً: "كيف تجدد الحركات الإسلامية إذا كنا نريد لكل فرد من أفرادها أن يكون صورة فوتوغرافية من بقية الأفراد، أو إنساناً آليّاً يتحرك كما يحرّكه من يمسك بجهاز البرمجة والتسيير".
وأضاف "أنا في الماضي لم أنطلق قط من تفكير حزبي محدود لمّا كنت مراقباً عاماً للإخوان المسلمين، الحقيقة كنت أضع نفسي في خدمة المسلمين وفي خدمة الشعب السوري دون تمييز، حتى الفترة التي قضيتها سنة 1964، ولما انتخبت رئيساً للمكتب التنفيذي للإخوان المسلمين في البلاد العربية أيضاً كنت بهذا الشكل وبذلك التفكير الأصيل، فأنا في الحقيقة لا أضع نفسي في خدمة أحد".
وبيّن "طبعاً الإخوان أنا قطعة منهم، مثل ما قلت لحمي ودمي وكثير من الإخوان هم عندي أبنائي وإخواني، لكن الحقيقة لا أفرق بين الإخوان وغير الإخوان على الصعيد العربي والإسلامي، ولا أنظر إلى مصلحة الإسلاميين بمعزل عن مصالح غيرهم".
وبخصوص الخلافات التي عصفت بجماعة الإخوان السوريين قال الشيخ العطار: "عندما بدأت الخلافات بين قادة الجماعة فضلاً عن مرضي حيث أصبت بالشلل عندما كنت في بروكسل قررت أن أترك قيادة الجماعة وتحت الضغط عدت عن قراري مرات عديدة. وعملياً في نهاية السبعينات ابتعدت عن العمل في الجماعة، لكن عندما صدر القرار 49 القاضي بإعدام المنتمين للإخوان خرجت وعرفت بنفسي أني المراقب العام للجماعة".
واستطرد مشدداً "طول عمري أنا ضد العنف سواء كان عنف أفراد أم عنف دولة، ولم يحصل أنه تم إقصائي في أي مؤتمر، لكن أنا لما اختلفت الآراء في نطاق الجماعة وجدت من السخف أن يتقاتل الناس على عنوان الجماعة ويضيعون الإسلام والمسلمين والبلاد لذلك نأيت بنفسي ولم أقبل الدخول بخلافات".
وتابع قبل سنوات من الثورة السورية: "الإخوان حاولوا مرات عديدة التقارب معي ولم ينجحوا.. لهم اجتهادهم ومواقفهم التي لا ألتقي معهم فيها، وداخل هذه المرحلة من حياة بلادنا والمنطقة تختلف الاجتهادات، وأنا أحترم الاجتهادات الأخرى، لكن اجتهادي يختلف عن الإخوان وأتمنى لأبناء البلاد جميعاً مع السلطة أن يصلوا لمصالحة وتفاهم يخطو بالبلاد خطوات معقولة في طريق الحريات وحقوق الإنسان".
الثورة السورية والتوافق مع كل السوريين
دعم العطار الثورات العربية منذ لحظتها الأولى، في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، قائلاً: "هذه الجماهير التي تتحدى الطاغوت وتفضل الموت على العيش الذليل"، وأخذ يعدد جرائم النظام السوري ضد الشعب، "هذه أنظمة طاغية ظالمة فاسدة، هذه أنظمة جائرة، هذه أنظمة سرقت آمال الأمة، سرقت حرية الأمة، لكن الشعوب تمردت على الخوف".
ومع بداية الثورة نصح الإسلاميين بسعة الصدر، وقراءة الواقع بشكل صحيح، ورفض استبداد الحكام، ورفض التدخل الأجنبي، ومواجهة التحديات العالمية الكبرى.
واستقبل كثيراً من الشخصيات الوطنية في بيته بمدينة آخن الألمانية كصورة جادة للتعامل الوطني بين مختلف الشرائح في مواجهة النظام السوري لبناء وطن يجمع السوريين على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم ومشاربهم.
ولم يدخل العطار في أي من المهاترات أو الخلافات التي حدثت مع المعارضة السياسية في صفوف الإسلاميين أو العلمانيين بل فضل أن يبقى الشخصية الوطنية التي يساهم في توحيد الكلمة وتآلف الناس لأجل وطنه وبلاده.