توترت الأجواء داخل غرفة القيادة الموحدة "عزم"، المشكّلة من قِبل عدة فصائل في الجيش الوطني السوري في 15 من شهر تموز الماضي، على خلفية خروج عدة تشكيلات عسكرية منها يوم أمس، وهي "فرقة الحمزة قوات خاصة"، و"لواء صقور الشمال"، و"فرقة السلطان سليمان شاه"، المعروفة بـ "العمشات".
وانضمت الفصائل المذكورة إلى "غرفة عزم" ككتلة واحدة في 28 تموز الماضي، إلى جانب "فرقة السلطان ملكشاه"، لكن الأخيرة أصدرت بياناً أمس، أكدت فيه أنها ما زالت موجودة ضمن غرفة القيادة الموحدة، وملتزمة بكافة القرارات الصادرة عنها.
أسباب الخلاف؟
أعلنت الفصائل الثلاثة المنفصلة عن غرفة "عزم" في بيان مشترك، أنها دخلت إلى الغرفة "حرصاً منها على وحدة الصف وجمع الكلمة وضرورة تحقيق الأهداف المعلنة للغرفة في الضبط الأمني والتنظيم العسكري".
وأشارت إلى عقد عدة اجتماعات داخل القيادة الموحدة، من أجل مناقشة آلية التمثيل للتشكيلات العسكرية المنضوية في الغرفة، لكنها لم تجد معياراً معيناً يحقق التمثيل العادل للتشكيلات، وعلى إثر ذلك علقت عملها في وقت سابق، إلى حين إيجاد آلية واضحة ومحددة، حسب وصفها.
وتابعت "نظراً لتجاهل مطلبنا المحق في التمثيل العادل لنا، وعدم الاستجابة بعد مضي مدة عليه، فإننا نعلن خروجنا من غرفة عزم وانتهاء عضويتنا فيها".
وحاول البيان التلميح إلى عدم شرعية غرفة "عزم"، وتصويرها على أنها تجاوز لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، حيث قالت الفصائل "إننا نؤمن بأن الضبط الأمني والتنظيم العسكري يتم تحقيقه من خلال مؤسسة الجيش الوطني والمؤسسات التابعة له، ولن ندخر جهداً في دعمها وتعزيز دروها".
وحول تفاصيل الخلاف وخروج الفصائل من غرفة "عزم"، ذكر مصدر خاص من داخل الغرفة لموقع تلفزيون سوريا، أن أحد أسباب الخلاف، يتعلق بعدد ممثلي تلك الفصائل، داخل مجلس شورى "عزم".
وأشار المصدر، إلى أن الفصائل طلبت بداية "زيادة عدد أصواتها داخل مجلس شورى غرفة القيادة الموحدة، وبالفعل تم منح تلك التشكيلات صوتاً إضافياً في المجلس، لكن الفصائل نفسها طلبت مجدداً منحها صوتاً آخر، وهو ما قوبل بالرفض من قبل قيادة عزم".
الخلاف يتطور إلى حشد عسكري على الأرض
بعد أن أعلنت الفصائل الثلاثة الخروج من غرفة القيادة الموحدة، استنفرت الأخيرة قواتها في ريف حلب الشمالي والشرقي، في محاولة لإجبار التشكيلات المنفصلة، للعودة إلى "عزم".
وترى غرفة "عزم" أن مصيرها على المحك، فإما أن تقنع الفصائل بالعودة إلى صفوفها عبر الحلول السلمية والمفاوضات، بالتالي الحفاظ على قوة وسمعة التشكيل، وإما اللجوء إلى الخيار العسكري ضد تلك الفصائل، لتحقيق مرادها.
واستنفرت الفصائل الموجودة في غرفة عزم قواتها يوم أمس في مدينة اعزاز وريفها، ومدينة عفرين، وبلدة كفرجنة شمالي حلب، وكذلك في منطقة الراعي، وحوار كلس القريبة من الشريط الحدودي مع تركيا.
بالمقابل رفعت الفصائل الثلاثة جاهزيتها في مناطق انتشارها، لا سيما في منطقة "الشيخ حديد" بريف عفرين، التي تعد المعقل الأساسي لـ "فرقة السلطان سليمان شاه".
ما الخيارات المطروحة على الطاولة؟
أجرت غرفة القيادة الموحدة، مفاوضات مع الفصائل الثلاثة المنفصلة عنها، على أمل التوصل إلى اتفاق ينهي الخلافات، ويحيد الخيار العسكري جانباً، لكن المفاوضات بين الطرفين لم تصل لنتيجة، بحسب مصدر مطلع.
وأفاد المصدر لموقع تلفزيون سوريا، بأن البيان الصادر عن الفصائل المنفصلة عن "عزم" عقّد الأمور بين الطرفين، لكون الفصائل المنضمة للغرفة، وقعّت على اتفاق منذ دخول "عزم"، يقضي بالتزام أي فصيل يقرر الخروج من الغرفة، بعدم إصدار أي بيان على وسائل التواصل بهذا الخصوص.
ويتضمن الاتفاق أن يقدم الفصيل أسباباً منطقية دفعته للخروج من "عزم"، وفي حال نشبت خلافات، تحتكم كل الأطراف للجنة متفق عليها مسبقاً.
وعن خيارات "عزم" في الوقت الحالي لتجاوز هذه الأزمة، قال المصدر إن الغرفة عقدت اجتماعاً لمناقشة القضية، وتوصلت إلى عدة نقاط، أولاها أن تسحب الفصائل الثلاثة بيانها الصادر يوم أمس، وأن يحال الأمر للجنة التحكيم المتفق عليها.
وحتى الآن لم توافق الفصائل على سحب البيان أو القبول باللجنة، حسب المصدر، الذي قال إن القيادة الموحدة قد تتخذ إجراءات بديلة، ومنها الخيار العسكري.
وتضم لجنة التحكيم المستقلة التي توافقت عليها الفصائل، كلاً من رئيس الحكومة السورية المؤقتة السابق، جواد أبو حطب، وعضو المجلس الإسلامي السوري، موفق العمر، ومدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني السوري، حسن دغيم، وماهر علوش، ومضر أبو عبد الله.
اتهامات بـ "شق الصف".. وتحذير من الخيار العسكري
تطرق القيادي في "الجبهة الشامية"، محمد الخطيب للخلاف الحاصل ضمن غرفة "عزم"، واتهم الفصائل التي خرجت من القيادة الموحدة، بـ "شق الصف".
وقال "الخطيب" في تغريدة عبر حسابه في تويتر: "لا تسمحوا للمراهقين باللعب بمصير الثورة، ها هي سنّة شق الصف وهدم التكتلات وخلط الأوراق تطل علينا بقرنها من جديد، الجبهة الإسلامية ومبادرة "واعتصموا" والجبهة الشامية كلها أمثلة لتكتلات وتوحدات على مستوى الساحة، بذل المخلصون أشهراً في لقاءات قد يصل بعضها لعشرين ساعة متواصلة حتى تم أمرها".
وأضاف "بعد أن يبلغ المشروع تمامه ويحين موعد قطاف الثمار يأتي مراهق غارق بأوهام السلطة وأحلام الإمارة وشهوة التسلط ليهدم البنيان ببيان أوله "واعتصموا" وآخره "الله من وراء القصد"، ذات السنّة تعود والأخطاء تتكرر، والمراهقون يعبثون، والحكماء يقفون عاجزين عن فعل شيء، مدفوعين بورع بارد لا قيمة له".
ويحمل حديث "الخطيب" دعوة ضمنية للجوء إلى الخيار العسكري لإجبار الفصائل المنشقة عن "عزم" للانصياع والعودة إلى التشكيل.
ويحذر كثيرون من استخدام القوة في مثل هكذا خلافات، مستذكرين ما حلّ في إدلب من اقتتالات بين الفصائل، على إثر سعي "هيئة تحرير الشام" إلى التفرد بالقرار والسلطة بقوة السلاح.
وأشار الباحث عبد الوهاب عاصي، إلى أن "اللجوء إلى استخدام القوة لحلّ النزاعات بين فصائل الثورة هو أسوأ أسلوب تم تكريسه لا سيما من قبل الجولاني".
ووفقاً لـ "عاصي" فإن "اللجوء إلى القوة يُحوّل التنافس إلى خصومة شديدة وينزع الثقة شيئاً فشيئاً من الطرفين"، كما أن ذلك "يعني انعدام قدرة الفصيل على طرح أو تنويع الحلول رغم أنها كثيرة، مما يعكس عيباً في الرؤية والأهداف".
وتعيش منطقة شمالي حلب حالة من الترقب في الوقت الحالي لما ستؤول إليه الأمور بين الطرفين، إذ تصر غرفة القيادة الموحدة على إخضاع الفصائل المنفصلة عنها، سواء عبر المفاوضات أو القوة، بينما تتمسك تلك الفصائل بقرارها، وترفض العودة إلى "عزم"، الأمر الذي يفتح الباب أمام خيارات وسيناريوهات متعددة.