يرفض السوريون الموجودون في مصر أن يستسلموا للظروف الاقتصادية المرهقة، في ظل التضخم العالمي وأزمة الجنيه، ويحاولون بشتى الطرق البدء بمشاريع تساعدهم على تأمين متطلبات حياتهم، عبر استثمار مهاراتهم، حتى لو كانت تختلف عن مجالات عملهم السابقة.
يحتل الطعام والمأكولات السورية المرتبة الأولى في هذه المشاريع، حيث استطاع السوريون أن ينقلوا أكلاتهم التراثية وأطباقهم الشهيرة، إضافة لابتكار أصناف جديدة للمائدة المصرية.
وتنوعت المشاريع بين مطاعم كبيرة، وأخرى صغيرة، بالإضافة إلى الطهو المنزلي، وعربات الطعام السوري المنتشرة في الشوارع المصرية، وتلقى هذه المشاريع إقبالاً كبيراً، فقد أصبح الأكل السوري هو المفضل والأكثر رواجاً في الشارع المصري متفوقاً على الأصناف المحلية.
عربات الطعام الشعبي السوري
يرفض أبو عماد السوري، وهو رجل في العقد السابع من عمره، أن يكون عالة على أسرته والبلاد التي احتضنته بعد أن هُجر من حي الخالدية في حمص على أثر الحرب.
أبو عماد كان موظفاً في إحدى الدوائر الحكومية في سوريا، فقد كل ما يملكه ككثير من السوريين، وهُجرت عائلته وتفككت فأصبح كل ابن من أبنائه في بلد.
يقول أبو عماد، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، لم أستطع الجلوس في المنزل لفترة طويلة، فأنا معتاد على العمل والخروج من المنزل، ولم أستطع أن أكون عالة على أحد، وبالمصادفة ذكر أمامي أحد الأصدقاء أنه يحتاج إلى من يعد له الكبة، وأنا كنت دائماً من يصنعها في العائلة.
يضيف أبو عماد، وجدت الفكرة مناسبة، فاشتريت عربة صغيرة، وبدأت بصنع الكبة بأنواعها، وأشويها أمام الزبون، ويساعدني ابني في هذا العمل، بالبداية كان زبائني من السوريين، لكن الآن أكثر من 80 في المئة من زبائني مصريون، وعلى الرغم من أني لا أملك محلاً فإني أرسل طلبات إلى جميع أحياء القاهرة.
اشتهرت عربة أبو عماد وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد لفت النظر إليه كثير من المؤثرين المحببين والموثوقين عند الشعب المصري مثل "أكلة عدنان" الذي نشر فيديو على صفحته يمتدح بها أبو عماد والكبة التي يعدها.
تتوزع معظم عربات الطعام هذه في المدن المكتظة بالسوريين، مثل "ستة أكتوبر" والعبور و"العاشر من رمضان"، ولكن على الرغم من ذلك فإن معظم زبائنها من المصريين.
وتتنوع الأطعمة والأصناف التي تقدمها عربات أكل الشارع ما بين الكبة والمناقيش والساندويشات والحلويات والعصائر.
وتساهم هذه المشاريع في إعالة عائلات بكاملها وتمنعها من الاحتياج إلى الآخرين، لا سيما أنها غير مكلفة ورأس مالها يعد بسيطاً "على قد الإيد" بحيث لا يفقد صاحب المشروع كثيراً إذا لم ينجح مشروعه.
ويتقبل المصريون الأكل السوري الشعبي، ويقفون باستمرار على هذه العربات بشكل ملحوظ، ويأتون من أماكن بعيدة من أجل شراء هذه الأكلات.
ميرنا حسين، مصرية، وقفت أمام عربة أبو عماد لتشتري الكبة، تقول لموقع "تلفزيون سوريا" جئت لتجريب الكبة التي يصنعها لأول مرة، حيث أخبرني عنها أحد أصدقائي الذي وجده بالمصادفة، مشيرة إلى أنها لم تندم على هذه التجربة.
بدوره أحمد عبد الغفور، مصري يقول، جئت من مدينة العبور لأشتري الكبة من أبو عماد، كل فترة أقطع مسافة كبيرة من أجل أن أشتري منه، فلم أجد أحداً يعدها أفضل منه حتى في أكبر المطاعم.
عربات تنشط في المواسم
تنشط العديد من المشاريع الصغيرة في المواسم، بينما تبقى بعضها موجودة على مدار العام، ومن أكثر العربات التي تنشط في الشتاء، عربات الذرة المسلوقة "العرانيس" والمتخصص بها السوريون، حيث يختلف الذرة السورية بطريقة إعدادها ويكون مسلوقاً، بينما يكون الذرة المصرية مشوية على الفحم.
أكثر زبائن عربات الذرة المسلوقة من السوريين، يقول عاصم محمد، صاحب عربة ذرة مسلوقة، ويضيف، في الشتاء يوجد كثير من الزبائن حيث يفضل كثيرون الأكلات الساخنة في الأجواء الباردة، أما في الصيف فالأعداد تكون أقل بكثير بسبب حرارة الجو العالية.
أما في رمضان، فتنشط عربات العصائر، والعرقسوس، والتمر الهندي، بالإضافة إلى عربات المعروك والناعم التي يشتهر بها السوريون، فتبقى على مدار الشهر المبارك مزدهرة، ودخلت الموائد المصرية عبر السنوات الماضية.
وعلى امتداد شوارع السوريين، تنتشر العربات وتعلو أصوات الباعة بكلمات سورية تشير إلى منتجاتهم، وأسماء مطبوعة على العربات تدل على أنها سورية، مثل "الدمشقي والشامي والحلبي والسوري".
أما في وسط القاهرة فيقف طارق على مدار العام، أمام عربته التي باتت مشهورة عند المصريين يبيع الحلويات السورية المختلفة من الكنافة، والنابلسية، والمعمول المعد منزلياً.
يقول طارق، للسنة الخامسة على التوالي أعمل بهذه المهنة، أحببتها وتساعدني على تأمين احتياجاتي، وأصبح لدي زبائن دائمون يأتون إلي من جميع أرجاء القاهرة، ويساعدني جيراني المصريون ولا يسمحون لأحد بمضايقتي.
يضيف طارق، لا يوجد عيب في أن يعمل الشخص بغير مهنته مقابل أن يكسب لقمته بالحلال، فأنا بعد أن درست أكثر من سنة في كلية الطب، اضطررت إلى العمل في الحلويات ثم بعد ذلك أحببتها، وأتقنتها.
ويوجد أيضاً عربات تحوي الخبز السوري، وزيت الزيتون، ومخللات معدة منزلياً، يسترزق أصحابها في شوارع السوريين، وتبقى موجودة على مدار العام، وتكون أسعارها أرخص من المحال ليكسب أصحابها الزبون.