توزع السوريون في المحافظات المصرية بعد أن فروا من ويلات الحرب منذ أكثر من عشر سنوات، ووضعوا لمساتهم الخاصة على جميع المهن التي دخلوا إليها، واحتلوا مكانة مميزة في السوق المصري وبين المصريين، فكان لهم نصيب كبير في قلوب الشعب الودود الذي احتضن آلامهم.
يعيش في مصر مليون ونصف المليون سوري بحسب الحكومة المصرية، وتركز العدد الأكبر منهم في أكبر مدينتين مصريتين وهما القاهرة، والإسكندرية، واندمجوا فيهما وأقاموا تجارتهم، وأسسوا حياتهم الجديدة.
يعود الفضل الأكبر في اندماج السوريين في مصر عامة إلى طيبة المصريين، وحسن أخلاقهم، وتقبلهم لكل ماهو جديد، بالإضافة إلى دماثة السوريين، واحترامهم للبلد المقيم، ورغبتهم في نشر ثقافتهم فيها.
القاهرة خيار السوريين الأول
يرغب السوريون المقيمون في مصر والذين توافدوا إليها عبر عشرات السنين، في التركز بالعاصمة القاهرة، وذلك لمساحتها الواسعة وكثرة عدد سكانها الذين يذوب فيهم أي غريب ويشعر أنه واحد منهم.
بالإضافة إلى توافر الكثير من المجالات التي تتيح فرص عمل، ومشاريع جديدة للسوريين، وتنوع الأسواق والمهن التي يستطيعون العمل فيها.
وتنتشر في القاهرة المصانع السورية الكبيرة، والمطاعم، ومحال العطور، والمقاهي، وكل أنواع المهن التي تلبي احتياجات السوريين وتضيف للمصريين أيضا.
كما يفضل الغالبية الإقامة في العاصمة وذلك لقربها من مركز مفوضية اللاجئيين، وأماكن تجديد الإقامات، وأهم الجامعات.
مازن عبد اللطيف (47 عاما)، سوري مقيم في القاهرة يقول لموقع تلفزيون سوريا، "اخترت الإقامة في القاهرة بسبب وجود عدد كبير من السوريين فيها، وعندما أتينا في البداية كنا نشعر بالخوف لأننا في مجتمع جديد، فكنا نرغب بالوجود بقرب بعضنا، ولكن بعد سنوات طويلة في مصر واندماجنا مع المصريين، أصبحنا نشعر بأمان مطلق سواء كنا محاطين بسوريين أو مصريين".
ويختلف سبب مهند الحريري (44 عاما) عن مازن ويقول "قررت الإقامة في السادس من أكتوبر (تقع على أطراف القاهرة) بسبب العمل، وفتحت محلا للحلويات السورية هناك، حيث يتركز عدد كبير من السوريين بالإضافة للمصريين، مما فتح لي باب رزق كبير، ودفعني للاستقرار في المدينة مع عائلتي، ودخل أولادي المدارس".
بالإضافة إلى فرص العمل، وكثرة أعداد السوريين في القاهرة، يوجد فيها أهم الجامعات المصرية"جامعة القاهرة" والعديد من الفرص التعليمية للسوريين الذين درسوا فيها، فكانت المقصد الأول لهم.
جيلان مسعد (22 عاما) سورية في القاهرة تقول: "اختار والدي القاهرة في البداية لأننا كنا نملك أقارب مستقرين فيها، ولكن عندما انتقل أقاربنا إلى محافظة أخرى للعمل، رفض والدي الانتقال لكي يحقق رغبتي بالدخول إلى جامعة القاهرة، وبالفعل أنا الآن في العام الأخير من كلية الإعلام في جامعة القاهرة، وهي من أعرق الجامعات في البلاد".
الإسكندرية.. الهواء السوري ورائحة البلاد
كانت عروس البحر المتوسط مرفأ للسوريين الجدد الهاربين إليها من قسوة الحرب والأوضاع الصعبة، فأصبحت بطبيعتها المتوسطية مكانا دافئا يحتويهم، وعلى الرغم من وجود أعداد أكبر من السوريين في القاهرة وصغر مساحة الإسكندرية، إلا أن السوريين فيها يشعرون باحتواء أكبر.
وتعتبر الإسكندرية العاصمة الثانية لمصر، وتتميز بطبيعتها الساحرة، وطقسها المقارب للطقس السوري بسبب وقوعها على البحر الأبيض المتوسط، كما تتعدد فيها المهن التي يمكن للسوريين العمل بها، فلا تختلف عن القاهرة من ناحية العمل.
ويكاد أكثر ما يميزها بالنسبة للسوريين، أن أسعارها تعتبر أقل بكثير عن القاهرة، فتوجد فيها جميع الخدمات المتاحة للسوريين بأسعار أقل، بالإضافة إلى طيبة معشر أهلها، واشتراكهم مع السوريين بالكثير من الصفات والعادات، وحتى الكلمات.
تنوعت أنشطة السوريين المقيمين في الإسكندرية، مابين التجارة، وصناعة المنسوجات، والطعام، والتعليم، والرياضة، ويبلغ عدد اللاجئين فيها نحو 21 ألف مسجل في المفوضية العليا للاجئين، بينما عددهم أكبر من ذلك.
وبما أن الطعام هو أكثر ما يقرب بين الشعوب، استطاعت المطاعم السورية في الإسكندرية إثبات جدارتها، حتى أنه وصلت سمعتها إلى القاهرة مما جعل الكثير من الزبائن سوريين ومصريين يرغبون بالسفر إليها لتجربة هذه المطاعم الشهيرة.
محمد عادل (55 عاما) سوري مقيم في الإسكندرية يقول لموقع تلفزيون سوريا، وجدنا حبا وحفاوة كبيرة من سكان الإسكندرية عندما فتحنا مطعمنا منذ 5 سنوات، حتى أن زبائننا المصريين أكثر من السوريين، ويتعاملون معنا بكل حب واحترام، حتى أننا في بعض الأوقات ننسى أننا في غربة.
وبخلاف المطاعم، تم تأسيس أول أكاديمية تعليمية سورية مرخصة في الإسكندرية، تضم كادراً تدريسياً سورياً، وفعاليات كثيرة، منها تأسيس فريق كرة قدم سوري يلعب باسم السوريين على مستوى الإسكندرية ونشاطات رياضية كثيرة، بالإضافة إلى مدارس سورية أخرى.
وفنيا، أطلق المنشد طارق السويدان مبادرات فنية عديدة لتعزيز التعايش بين الشعبين السوري والمصري، كما أطلق أغنيته" مصر يا أمنا" تعبيرا عن حسن استضافة الشعب المصري ، ونظم السويدان مبادرات أخرى مثل"بالفن تتوحد الشعوب" و"لم الشامي عالمغربي".
يقول طارق لموقع تلفزيون سوريا، "أعدت إحياء نشاطي الفني في الإسكندرية، وذلك بعد انقطاع دام سنوات بعد الحرب السورية، وأنشدت في مهرجان الإسكندرية الدولي، والعديد من المهرجانات في الإسكندرية".
وعلى الرغم من أن الإسكندرية هي منفذ للهجرة غير الشرعية عبر البحر، إلا أن السوريين المقيمين فيها فضلوا البقاء في أجواء تسودها الألفة والمشابهة لأجوائهم السورية عن الهجرة إلى أوروبا.
تقول باسمة السهلي، سورية مقيمة في الإسكندرية، "عندما وصلت إلى الإسكندرية كان هدفي أن أهاجر عبر البحر، ولكن أثناء انتظاري للفرصة أغرمت بالمدينة وشعرت بالسعادة والانتماء فيها، وقررت البقاء فيها".
ورغم المميزات الكثيرة الموجودة في الإسكندرية، إلا أن هناك مشكلة تواجه السوريين فيها، وهي اضطرارهم للسفر إلى القاهرة من أجل الحصول على الإقامة وتجديدها، أما بخصوص إقامة اللجوء، فأصبح هناك مراكز في الإسكندرية تابعة للمفوضية لتجديدها.