انقسمت الآراء بعد واقعة إصدار اللجنة الثلاثية المفوضة بالنظر في قضية "السلطان سليمان شاه" لحكمها القاضي بعزل قائدها "محمد الجاسم" من منصبه، فمنهم من رأى أنها خطوة أولى على طريق إصلاح الواقع الأمني ونظام الحوكمة في المنطقة، ومنهم من اعتبر أن الأمر له أبعاد تتعلق بتصفية الحسابات الفصائلية، والتسابق على النفوذ، مقللاً من أهمية ما جرى وتأثيره المستقبلي.
ويشوب الغموض حتى هذه اللحظة مصير قائد "السلطان سليمان شاه"، فبحسب ما أكدته مصادر في الفرقة لموقع تلفزيون سوريا، فإن التسوية التي حصلت بين الأطراف تنصّ على استمرار "أبو عمشة" في مهامه، لكن مع الالتزام بتعيين قيادي ترتضيه غرفة القيادة الموحدة "عزم"، يتولى أمر الفرقة في "الشيخ حديد" بريف عفرين، ويتم إنهاء السيطرة الأمنية للفرقة على المنطقة، وتمكين الشرطة العسكرية من ممارسة مهامها فيها، في حين نفى قيادي من "عزم" بند بقاء قائد الفرقة المعزول في منصبه.
ومن ناحية أخرى، فقد ثار الجدل حول شرعية اللجنة التي أصدرت الحكم على اعتبار أنها لا تتبع لأي من وزارتي الدفاع أو العدل في الحكومة السورية المؤقتة.
المعطيات السابقة، تحيلنا للحديث عن معوقات عملية إصلاح الحوكمة في المنطقة:
الحالة الفصائلية
تسود الحالة الفصائلية في مناطق عمليات "درع الفرات" و "غصن الزيتون" و "نبع السلام"، على الرغم من المحاولات المتكررة الهادفة إلى تنظيم العمل العسكري ضمن مؤسسة موحدة، ويمكن القول إن هذه المحاولات نتج عنها تقليل عدد الفصائل فقط، من دون القضاء على الحالة الفصائلية.
ففي أواخر عام 2017، ومع الإعلان عن "الجيش الوطني السوري"، انقسمت فصائله التي تزيد على 20 فصيلاً إلى ثلاث كتل رئيسية هي: الفيلق الأول – الفيلق الثاني – الفيلق الثالث، واليوم وبعد مرور أكثر من 4 سنوات على إعلان الحكومة المؤقتة لمشروع الجيش، نجد أننا أمام ثلاث كتل أيضاً وهي: هيئة ثائرون للتحرير – والفيلق الثالث – وحركة التحرير والبناء، مع فارق وحيد، وهو اندماج بعض الكتل بشكل كامل على غرار الفيلق الثالث، أما الكتلتان الباقيتان فتحاولان الوصول إلى حالة اندماجية مع مرور الزمن.
الكتل الثلاث تمثل توجهات مختلفة (تيارات إسلامية – حركات شعبية)، كما أن بعضها قام على حامل مناطقي، إذ يمثل الفصيل منطقة جغرافية معينة.
ويمكن رصد حالة من التنافس على الموارد والنفوذ بين الكتل، وهذا بطبيعة الحال ينعكس على واقع الحوكمة.
هيكلية القضاء والمرجعية القانونية
تعتمد الحكومة السورية المؤقتة على القانون السوري وفق دستور عام 1950، فهو المرجعية القانونية المعتمدة في إنشاء الجهاز القضائي وأجهزة الشرطة المدنية والعسكرية، المناط بهما مسؤولية تنفيذ أحكام القضاء.
وقد تسللت حالة تقاسم النفوذ إلى جهاز القضاء العسكري ومؤسسة الشرطة العسكرية، فقام كل فصيل بتشكيل جهاز الشرطة في منطقته، بالإضافة إلى وجود ارتباطات بين بعض القضاة والفصائل، مما حال دون ممارسة جهاز القضاء لعمله في القضايا التي تتعلق بالجهات العسكرية.
ويجري الحديث حالياً عن الاتفاق على قيام فصيل فرقة "السلطان سليمان شاه" بتأسيس جهاز شرطة عسكرية في منطقة الشيخ حديد بريف عفرين، بديلاً عن الكتيبة الأمنية التي كانت تدير المنطقة، أي أن النتيجة ستكون ذاتها، فقط المسمى هو من سيتغير من "كتيبة أمنية" إلى شرطة عسكرية.
الظروف السياسية
تنعكس الظروف السياسية على واقع المنطقة، التي تخضع لتفاهمات روسية – تركية، بالتالي من الصعب التفاؤل بتأسيس مرجعية قانونية وهياكل حكومية مركزية فيها، في ظل جمود الوضع السياسي السوري.
موسكو لا ترحب ببلورة هرمية حكومية ستكون منافسة للحكومة المركزية في دمشق، في حين تتبنى تركيا مبدأ "وحدة الأراضي السورية"، وتتحرك بشكل حذر في تمكين "إدارات ذاتية" في شمال غربي سوريا، تجنباً لترسيخ التقسيم كأمر واقع، وهذه الاعتبارات تنعكس على المنطقة من خلال غياب المرجعيات القانونية والحكومية المعنية بتأسيس نظام حوكمة واضح، وتجعل من وزارات الحكومة السورية المؤقتة هيئات اعتبارية وليست تنفيذية بالشكل المطلوب.
ومع غياب المرجعيات المعترف بها من قبل القوى الفاعلة على الأرض، سيكون المتاح فقط هو محاولات توافقية هادفة إلى إصلاح الواقع الأمني والخدمي والاقتصادي، سينتج عنها انقسام المواقف، كما جرى في مبادرة غرفة القيادة الموحدة (عزم)، التي تقوم على أساس التوافق بين كتل الجيش الوطني السوري، في حين نأت بعض الفصائل بنفسها عن الدخول في الغرفة لأنها تعتبرها محاولة لاحتكار القرار والموارد، كما أنه لا ضمانات على استمرار الغرفة كمظلة لتنسيق القرارات، فمن غير المستبعد أن تقوم بعض الكتل لاحقاً بتجميد العمل فيها أو الانسحاب منها مع تبدل المعطيات التي دفعتها للموافقة عليها.