icon
التغطية الحية

عام على انتفاضة السويداء.. كيف يواجه النظام السوري الحراك العنيد؟

2024.08.17 | 06:39 دمشق

5644444444444
انتفاضة السويداء
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

حركت مظاهرات السويداء المستمرة منذ عام كامل المناخ السياسي والشعبي المجمد خلال الأعوام الأخيرة في سوريا، عبر اتفاقيات ما عُرف بوقف التصعيد، ورسم معالم مناطق حكم أمر واقع مقسمة بين النظام السوري في جنوب ووسط وغرب سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا، وهيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري في شمال غربي سوريا.

فاجأت السويداء الجميع وفي مقدمتهم النظام السوري في مظاهرات مدنية وسلمية تحمل خطاباً وطنياً واعياً بعد أكثر من عقد على انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، وبدا الانخراط الشعبي الواسع وتبني شعارات الثورة السورية في الحرية والكرامة وبناء الدولة المدنية ورفع علم الثورة وارتفاع سقف المطالب بما فيها إسقاط النظام السوري وتطبيق القرار الأممي 2254 القاضي بتحقيق انتقال للسلطة في سوريا، بمثابة هزة كبيرة للصورة التي حاول النظام أن يرسمها عن الثورة السورية على مدار 13 عاماً.

ومثّل تمزيق المتظاهرين لصور بشار الأسد وهدم تماثيله مع اقتحام مقار حزب البعث حالة من التحدي المباشر للنظام ورئيسه في دخول طريق اللاعودة إلى ما قبل 2011 بالنسبة للمحافظة التي أخذت قراراً نهائياً بمنع أبنائها من الانخراط في العمل العسكري بجيش النظام السوري اعتباراً من عام 2014، والانخراط الشعبي شبه الكامل في الثورة السورية ومطالبها.

ورغم وجود تيار شعبي يفضل التهدئة وإبقاء المطالب تحت سقف النظام مع تحسين الوضع المعيشي للسكان وبعض الخدمات، إلا أن الصوت السياسي كان أكثر ارتفاعاً وتأثيراً على طول أيام التظاهر وخصوصاً في ساحة الكرامة بيوم الجمعة، محل الاعتصام الرئيسي للمحافظة.

تقع محافظة السويداء على مسافة 128 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من دمشق، ويبلغ عدد سكانها قرابة 555 ألفاً بحسب إحصائيات نهاية عام 2019، التي أوردتها صحيفة الوطن المقربة من النظام.

وتعد المدينة أهم مركز سكني للأقلية الدرزية في سوريا، والتي من أشهر شخصياتها التاريخية سلطان الأطرش أحد قادة الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي.

حراك مستمر بزخم شعبي

ساهمت مظاهرات السويداء منذ أيامها الأولى في 17 آب 2023، في إعادة تجديد الخطاب الثوري المدني وتفعيل أهمية الحراك السلمي، رغم أنه بدأ كردة فعل غاضبة على سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ثم تحولت مظاهراته بوقت سريع لانتفاضة شعبية سياسية واجتماعية تتبنى جميع أطر ومطالب الثورة السورية.

في المقابل لم يواجه النظام السوري المظاهرات بالسويداء بنفس رد الفعل التي أقدم عليها حينما خرجت الجموع في المدن الأخرى مطالبة بإسقاط النظام للعديد من الأسباب، لعل في مقدمتها أن معظم أهالي السويداء هم من الدروز وهنا سيبدو النظام متهماً باستهداف مجموعات مذهبية، كما أنه سيدحض مزاعمه في حماية الأقليات رغم محاولاته لزعزعة الاستقرار في المحافظة على مدى أيام العام المنصرم.

ومع انطلاق الحراك أعلنت شخصيات اجتماعية ودينية في المحافظة مساندتها للحراك وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري أحد أبرز شيوخ الطائفة الدرزية في المحافظة مؤكداً انحيازه لمظاهرات السويداء ومطالبها كافة، ثم التحق بالركب شيخ العقل حمود الحناوي، ثم انضمام شيخ العقل الثالث يوسف الجربوع لتأييد الحراك ولكن ضمن مطالب تحسين المعيشة والخدمات وما إلى ذلك تحت سقف النظام السوري.

هذه المواقف الدينية والاجتماعية بالنسبة لعائلات كبيرة ضمن السويداء أعطت الحراك زخماً محلياً قوياً وزاد من عدد المشاركين فيه، خصوصاً أن الجميع متضرر من سياسات النظام الاقتصادية الفاشلة، ويتحمل مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من تشظٍ وتهجير وارتكاب جرائم حرب.

تحت سقف الثورة

من ناحية النظام السوري، كانت مظاهرات النظام صفعة قوية جداً أولاً من خلال تبني الحراك لمطالب سياسية وليس معيشية أو اقتصادية فقط، وهذا يعني أن هناك أطرافا مهمة من الشعب انضمت لركب الثورة السورية وإن كانت متأخرة، خصوصاً مع انطلاق قطار التطبيع العربي مع النظام لإعادة تعويمه عربياً وإقليمياً ومن ثم دولياً.

على الجانب الآخر ضرب الحراك كل محاولات النظام في اتهام الثورة السورية بأنها ثورة طائفية أو موجهة ضد مكون معين وليس ضد النظام السياسي الذي يستخدم الطوائف في خدمة بقاء عائلة الأسد في الحكم "إلى الأبد".

وقال الدكتور جمال الشوفي الناشط في حراك السويداء، إنه "يمكن تفنيد استمرار حراك السويداء بأسباب ذاتية تتعلق بالمنطقة وسكانها، وأسباب موضوعية تتعلق بالظروف المحيطة فيها، على رأسها الإصرار على السلمية، والإيمان والصبر بحق هذا الشعب ليعيش بحرية وكرامة، والتماسك المجتمعي الذي رفض بكل الأشكال الانجرار للعنف أو الانصياع للإشاعات والفتن التي يبثها النظام وأجهزته الأمنية في صفوف الحراك وسكان السويداء".

وأضاف في حديث خاص لموقع "تلفزيون سوريا"، أنه "لا يمكن إغفال الأبعاد المادية والمعيشية، حيث إن هناك قناعة كاملة لدى أبناء السويداء أن النظام السوري لم يعد قادراً على تقديم أي شيء صالح للسوريين ولأبناء السويداء".

وأكّد الشوفي  على أن هذا "النظام يدرك جيداً أهمية معنى الأقليات كمنطقة جغرافية يدعي سيطرته عليها، من المعروف أن النظام رفع شعار محاربة الإرهاب وحماية الديمقراطية والأقليات منذ عام 2011، لكنه لم يتمكن من افتعال أي فتنة في السويداء، ما زاد من تماسك المجتمع الداخلي للمحافظة وهذا من صلابة موقف أبناء السويداء والاستمرار في حراكم وإيمانهم بحقهم في التغيير".

ولفت إلى أن "مطالب المتظاهرين لم تتغير على طول العام الماضي، وإنما شهدت حلقات متسعة، صحيح أنها بدأت بمطالب معيشية أولى لكنها سرعان ما انتقلت لربط مطالبها المعيشية بالسياسية، وهذه المطالب السياسية هي التي تعبر عن إدارك حقيقي وفعلي أنه لم يمكن تحسين واقع السوريين دون تغيير هذا النظام".

كيف يواجه النظام ثورة السويداء؟

وخلال العام الماضي، حاول النظام السوري القضاء على استمرار الحراك أو تعطيله من خلال التحريض الإعلامي ومحاصرة المنطقة وسياسة الاغتيالات والحرمان من الماء أو الكهرباء أو الخبز لفترات أطول من السابق، إلا أن كل ذلك لم يحقق له مراده وبقي الحراك على اختلاف متظاهريه ومطالبهم السياسية أو المعيشية أكثر تماسكاً وظهر ذلك جلياً من خلال مقاطعة انتخابات مجلس الشعب التابع للنظام، والعمل على إطلاق هيئة عامة تمثل المتظاهرين والحراك الشعبي.

وكان واضحاً أن قيادات الحراك استفادت من تجربة الثورة السورية الطويلة، فعملت على التمييز بين النظام ومؤسسات الدولة، فهي لم تهاجم أي مؤسسة خدمية موجودة في مركز المحافظة، إنما أغلقوا مقار حزب البعث وشعبه في معظم المدن والقرى بالمحافظة.

كما شكل المحتجون على طول أيام العام الماضي، نقابات أهلية ومنظمات مجتمع مدني وجمعيات محلية بديلة تقدم رؤية مغايرة لتلك التي تساند النظام السوري وتؤيده.

وعلى مدار 52 جمعة شارك في حراك السويداء مختلف الشرائح العمرية في المحافظة، مع حضور لافت للمشاركة النسائية وحتى بالنسبة لكبار السن، ما يعطي انطباعاً عن التنوع الذي شكلته المظاهرات.

وكان الأهم بعد مرور 11 شهراً على انطلاق الانتفاضة الشعبية في السويداء، هو تأسيس هيئة سياسية جامعة لتمثيل سكان السويداء سياسياً، وهي هيئة منتخبة من قبل الحراك الشعبي بشكل مباشر.

وبخصوص ذلك، أوضح الشوفي أن "أبرز تطورات الاحتجاجات في العام الماضي، مجموعة من المفاصل أهمها تثبيت الرؤية الوطنية عبر عدة بيانات متقدمة في بداية الاحتجاجات، التي تفيد بالتغيير السياسي وتحقيق العدالة الانتقالية والإفراج عن المعتقلين وتطبيق القرار 2254".

وبيّن أنه "لا يمكن اعتبار السويداء خارج سلطة النظام، حيث لا زالت الأجهزة الأمنية للنظام قائمة في المحافظة، لكن في الوقت نفسه يصعب على النظام الاحتكاك المباشر بأبناء السويداء من خلال قواته الأمنية.

كما شدد على أن "النظام لا يتجاهل مظاهرات السويداء، بل أكثر ما يربك النظام حالياً هو كيف يمكن أن يفشل الحراك السلمي في السويداء دون أن يشارك بذلك بشكل مباشر، حتى يستفيد من عدة نقاط على رأسها أنه نظام ديمقراطي يسمح للناس بالتظاهر، ويكسب تأييد عربي بهذه النقطة، ويعيد تفعيل نظامه من خلال  المبادرة العربية".

كما نبه الشوفي إلى أن النظام عمل خلال الفترة الماضية على تنفيذ عدد من الاغتيالات ويسهر ليلاً ونهاراً على محاولة بث الفتنة في صفوف الحراك.

وقال كذلك، إن سكان السويداء مستمرون في حراكهم مع التأكيد على أهمية عدم الانجرار للعنف أو للمعارك الإقليمية التي تحيط بالمنطقة.

وعن الفصائل المسلحة، أوضح: أن "أدوار المجموعات المسلحة بشكل رئيسي عنوانها حماية السويداء من أي اعتداء خارجي تحت مبدأ (حماية الأرض والعرض) وحرمة الدم السوري، وفي الفترة الحالية من خلال توازن القوة بمنع تغول النظام على الحراك السلمي".