خلال محاولته البحث عن حطب يدفئ به أجساد أبنائه قتل أبو محمد النازح المدني في ريف اللاذقية بصواريخ قوات النظام السوري الموجهة قبل أيام قليلة، وجرح معه نازحون آخرون في قرية "الزيتونة" بمنطقة جبل التركمان، شمال شرقي محافظة اللاذقية.
ورغم توقف العمليات العسكرية والهجمات في المنطقة لا يأمن النازحون مثل هذه الصواريخ التي قد تستهدفهم خلال تنقلاتهم من مرتفعات جبلية ترصد فيها قوات النظام أي حركة، الأمر الذي جعل حياة آلاف النازحين وتنقلاتهم تحت خطر دائم.
واللافت في بعض الهجمات الأخيرة أن استهداف قوات النظام لأهدافها إنما هو استهداف عشوائي ومتقطع ولا يتركز في منطقة واحدة، حيث سجلت حوادث في أماكن متفرقة بعضها استهدف تجمعات مدنيين من دون وجود أي آلية عسكرية.
النظام يستهدف المدنيين
وأوضح الإعلامي في منظمة "الدفاع المدني السوري" (الخوذ البيضاء) محمد درويشو في تصريح لموقع تلفزيون سوريا أن حصيلة الاستهدافات بالصواريخ الموجهة من قبل قوات النظام وروسيا خلال العام الحالي بلغت 27 استهدافاً على المدنيين في مناطق شمال غربي سوريا بشكل عام، وأدت لمقتل 10 مدنيين بينهم طفل وامرأة، وإصابة 36 آخرين بينهم 11 طفلاً و 3 نساء، وبالعودة للعام الماضي 2021 فإن معدل هذه الاستهدافات كان أكبر من حيث عدد الضحايا وعدد الاستهدافات بواقع 34 هجوماً بالصواريخ الموجهة قتل على إثرها 30 مدنياً بينهم 4 أطفال و 3 نساء وأصيب 35 آخرون بينهم 7 أطفال.
وكان من أبرز المجازر المرتكبة تلك التي وقعت في أيار من العام الفائت بريف اللاذقية والتي قتل فيها سبعة مدنيين بينهم ثلاثة أطفال وامرأتان، وجرح 3 آخرون، من عائلة واحدة إثر استهداف قوات النظام الموجودة في قلعة الشلف باللاذقية لسيارة مدنية.
وأضاف درويشو أن أغلب الطرقات في قرى الزعينية وبداما الصغرى وبداما الكبيرة وصولاً إلى الناجية والكندّة، بالإضافة إلى المناطق الواقعة على خطوط التماس، من أكثر المناطق المكشوفة على مناطق سيطرة قوات النظام وروسيا في ريف اللاذقية وريف إدلب الغربي.
طرقات الموت بريف اللاذقية
منذ الحملة العسكرية لقوات النظام وروسيا في ريف اللاذقية وسيطرتها على معظم القمم الجبلية المرتفعة خصوصاً قمة برج زاهية، أعلى نقطة في جبل التركمان بارتفاع يصل إلى 1154 مترا أضحت معظم طرق المعارضة في مرمى قوات النظام.
كما تكشف قوات النظام الموجودة في برج زاهية جبل التركمان بكامله، بما في ذلك الحدود التركية، ومعبر اليمضية ومخيمات اللاجئين على الحدود التركية، في حين أن برج القصب الذي يرصد معظم طريق اللاذقية - حلب، يعتبر أهم النقاط الاستراتيجية.
يعمل أحمد خليلو النازح المقيم في مخيم الأنصار بريف اللاذقية في مجال توزيع المواد الغذائية ويتنقل يوميا بين جبلي الأكراد والتركمان وصولا إلى ريف جسر الشغور.
اقرأ أيضا: عقدة "تحرير الشام" تتفكك في جبل التركمان.. طبيعة المواجهة ومصير الخصوم (1)
يقول خليلو لموقع تلفزيون سوريا إن التنقل بين جبلي الأكراد والتركمان يمثل "مغامرة حقيقية تعرض الشخص خلال هذه الرحلة القصيرة للموت ألف مرة"، موضحا أن "طريق اليمضية إلى أوبين مكشوف، والأمر ذاته ينطبق على جسر أوبين، وهناك طريق إلى قرية البرناص أيضا مكشوف بقرابة 800 متر حتى بلدة بداما في ريف إدلب الغربي، حيث تستهدف قوات النظام بالصواريخ الموجهة وبالرشاشات أيضا الطريق السريع اللاذقية- حلب من تلال كنسبا".
وأضاف: "في كل مرة نقطع هذه الطرق تتوقف قلوبنا عن الحركة، تعرض الكثير من المارين للاستهداف أحيانا عبر رشاشات ثقيلة وشهدنا عدة مجازر لكن بكل حال لا حل آخر للتنقل سوى عبور هذه الطرق".
حلول لتفادي الاستهداف
من جانبه أوضح القيادي العسكري السابق في "الفرقة الأولى الساحلية" التابعة للجبهة الوطنية للتحرير أبو يزن الشامي لموقع تلفزيون سوريا "أن الفصائل المحلية في المنطقة حاولت تجنيب المدنيين مخاطر الاستهداف من خلال فتح طرق زراعية في بعض المناطق ووضع نقاط عسكرية في مناطق أخرى لرصد أي قاعدة صواريخ وتدميرها، واستدرك بالقول: "لكن لا يمكن حماية المدنيين بشكل كامل رغم هذه الإجراءات بسبب طبيعة المنطقة الجبلية وتحكم قوات النظام بقمم ترصد من خلالها مساحات واسعة من هذه الطرق".
وأوضح الشامي أن صواريخ الكورنيت التي تستخدمها قوات النظام يصل مداها إلى قرابة 10 كيلومترات، وتتركز خاصة في قلعة شلف شمالي اللاذقية حيث يمكن لقوات النظام استهداف أي تحرّك مدني أو عسكري من القلعة وحتى بلدة بداما التي تبعد عنها 8 كيلومترات، والقريبة مِن الحدود الإدارية لمنطقة جسر الشغور غربي إدلب.
ويرى الشامي أن قوات النظام سعت منذ عام 2016 للسيطرة على تلال كبانة لقطع طريق اللاذقية – إدلب الحيوي وجعل مدينة جسر الشغور تحت الاستهداف أيضا لكن ثبات قوات المعارضة في هذه المنطقة أفشل خططها.
ويلجأ المدنيون في المنطقة ببعض المناطق المكشوفة إلى عدة إجراءات لتفادي القصف مثل زيادة سرعة الآلية وإطفاء الأنوار ليلا أو التنقل سيرا على الأقدام أو اختيار مناطق طرق جبلية وعرة.
ويرى علاء نعنوع وهو من نازحي اللاذقية ويقيم حاليا في ريف إدلب حيث يتنقل بين المنطقتين أن الهدف الرئيسي لقوات النظام من استهداف المدنيين في هذه المنطقة هو ترهيبهم والضغط على سكان المنطقة، وتقطيع أوصال المناطق لعزل ريف اللاذقية عن مناطق إدلب الغربية.
وحمّل نعنوع في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" فصائل المعارضة جزءا من المسؤولية في تفاقم الأوضاع موضحا أن "خرق الهدنة من قبل قوات النظام يلزم ردا على كل استهداف وتدميرا للمواقع التي تخرج منها هذه الصواريخ ما يشكل عامل ردع يمكن أن يحمي آلاف المدنيين في هذه المنطقة".
وتضم مخيمات ريفي اللاذقية الشمالي وإدلب الغربي آلاف النازحين الذي يقيمون في مخيمات عشوائية ومعظمهم نزح إبان الحملة العسكرية الروسية بداية عام 2016 من قرى جبلي الأكراد والتركمان وريف جسر الشغور.