البث المباشر
وقف الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" وحيدا يواجه كارثة الزلزال المدمر، لا يسانده في ذلك إلا معاول الأهالي والمحاولات الفردية لإنقاذ العالقين تحت ركام المباني، إذ أغلقت المعابر أمام قافلات المساعدات بحجة تعطل الطرق الواصلة إلى شمال غربي سوريا، لتتحول المسألة حول ضرورة فتح المعابر من عدمه إلى سجالات دولية وصلت إلى مجلس الأمن.
وضرب الزلزال المدمر يوم الإثنين الماضي سوريا وتركيا مخلفاً خسائر ضخمة في الأرواح والممتلكات، وتوافدت الفرق الإغاثية وقوافل المساعدات الإغاثية بكثافة إلى المناطق المنكوبة في تركيا ومناطق النظام السوري ليظل شمال غربي سوريا محاصراً بشكل كامل من دون أي دعم وعون بعد تعطل معبر باب الهوى الوحيد المخصص للمساعدات إثر تضرره نتيجة الزلزال.
"مجلس الأمن يناقش فتح معابر إضافية"
وأدت التجاذبات السياسية الدولية حول ضرورة إرسال مساعدات فورية إلى الدعوة لعقد جلسة في مجلس الأمن اليوم الإثنين، لمناقشة إمكانية السماح للأمم المتحدة بتوصيل مساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر أكثر من معبر حدودي تركي، في خطوة لا تتفق معها روسيا ويعتبرها النظام السوري "تعدياً على سيادته".
وقال دبلوماسي في الأمم المتحدة: "هناك إحباط من التباطؤ في هذا الأمر. قال الأمين العام إننا بحاجة إلى مزيد من المعابر. يحتاج مجلس الأمن الدولي إلى تكثيف الجهود وإنجاز المسألة"، وفق ما نقلت وكالة "رويترز".
وكشف مسؤول أميركي اشترط عدم نشر اسمه، أن الولايات المتحدة تضغط على مجلس الأمن لاعتماد قرار "قد يسمح بمعابر حدودية إضافية حتى تتمكن الأمم المتحدة من الوصول إلى المناطق المحتاجة".
وقال دبلوماسي كبير في الأمم المتحدة اشترط عدم نشر اسمه، "سنطلب فتح نقطة أو أكثر عبر الحدود مما قد يكون حاسما لإنقاذ الأرواح".
وبحسب ما نقلته وسائل إعلام، فإن المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد قالت إن الولايات المتحدة ستدعو مجلس الأمن الدولي إلى "التصويت الفوري" على السماح بإرسال مساعدات دولية إلى شمالي غربي سوريا عبر مزيد من المعابر الحدودية من تركيا.
وقالت غرينفيلد في بيان إن كل ساعة لها أهميتها في الوقت الحالي، وإن الناس في المناطق المتضررة بشمالي غربي سوريا يعتمدون علينا.
لكن نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي، اعتبر أن تفويض المجلس الحالي الذي يقصر الشحنات على معبر حدودي واحد كاف وإنه يمكن توسيع عمليات التسليم عبر الخطوط الأمامية للوصول إلى المحتاجين. (أي عن طريق معابر يسيطر عليها النظام السوري). فكيف أصبحت معابر شمال غربي سوريا أداة تخنق العالقين تحت ركام الزلزال وتسرق فرصهم بالنجاة؟
"طرق المساعدات معطلة"
خلال الساعات الأولى من كارثة الزلزال، لم تصدر أي جهة رسمية بيانات توضيحية حول أسباب عدم دخول أي مساعدات إنقاذية أو إغاثية فورية إلى مناطق شمال غربي سوريا، سوى تصريح يتيم لمسؤول في الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة قال إن "الأضرار التي لحقت بالطرق ونقص الوقود والطقس الشتوي القاسي في سوريا كلها عوامل تعرقل مواجهة الوكالة لآثار الزلزال".
وبعد مضي اليوم الأول للكارثة وتسجيل آلاف الضحايا بين جرحى ووفيات، خرجت متحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ماديفي سون سوون بتصريح قالت فيه إن تدفق مساعدات المنظمة المهمة من تركيا إلى شمال غربي سوريا توقف مؤقتاً بسبب الأضرار التي لحقت بالطرق ومشكلات لوجستية أخرى مرتبطة بالزلزال العنيف الذي ضرب البلدين.
وأوضحت أن "بعض الطرق معطلة والبعض الآخر لا يمكن الوصول إليه، وهناك مشكلات لوجستية تحتاج إلى حل". مضيفةً "ليس لدينا صورة واضحة عن موعد استئنافها"، بحسب تصريحاتها لوكالة رويترز.
ويوم الأربعاء 8 شباط، أعلن رئيس "هيئة التفاوض السورية"، بدر جاموس، أن تركيا سمحت بدخول المساعدات الإنسانية إلى شمالي سوريا من ثلاثة معابر حدودية.
وقال جاموس في تغريدة عبر "تويتر"، إنه "بعد التواصل المستمر مع الحكومة التركية، تم السماح بإدخال المساعدات من معبر باب السلامة والراعي، بالإضافة إلى باب الهوى المدخل الرئيسي"، مطالباً الدول والمنظمات الدولية بـ "التحرك العاجل والفوري، لنجدة أهلنا المنكوبين في ريفي إدلب وحلب".
لكن المساعدات لم تدخل إلى المنطقة وظلت فرق الدفاع المدني تعمل بكامل طاقتها بمساندة الأهالي بحثاً عن ناجين رغم نقص الموارد والأجهزة المساعدة على البحث.
عرقلة من النظام وتجاهل أممي مقصود
ومع بدء الحملة الدولية لمساندة تركيا وسوريا لمواجهة الزلزال، متمثلة بمئات الأطنان من المساعدات ومنها ما وصل إلى مطارات دمشق وحلب واللاذقية؛ حيث أعلن النظام بدء توزيعها على المتضررين نتيجة الزلزال، مستثنياً مناطق شمال غربي سوريا، ما دفع منظمة العفو الدولية في 7 شباط، لمطالبة النظام السوري بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى متضرري كارثة الزلزال شمال غربي سوريا "من دون قيود"، مشددة على المجتمع الدولي "بتعبئة الموارد فوراً لدعم جهود الإنقاذ شمالي سوريا".
ورغم المطالبات الدولية وحجم الكارثة في المنطقة حيث كان الشمال الغربي هو الأكثر تضرراً في سوريا، لكن شيئاً لم يصل إلى المنطقة لدعم جهود الإنقاذ أو لمساعدة الأهالي المتضررين.
إضافة إلى ذلك، دعا القائم بأعمال المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، المصطفى بن المليح، إلى تقديم مساعدات عاجلة إلى الضحايا والمتضررين من كارثة الزلزال المدمر في سوريا، متجاهلاً بشكل كامل حجم الكارثة وتداعياتها في شمال غربي سوريا.
وتحدث المسؤول الأممي، في حوار مطوّل نُشر على موقع الأمم المتحدة، عن آثار الزلزال والمأساة الحاصلة من جرائه على مدن مثل حلب واللاذقية، دون أن يذكر في حواره مناطق شمال غربي سوريا، أو آثار الكارثة هناك، مما اعتبر تجاهلاً متعمداً للمنطقة الأكثر تضرراً من الزلزال.
"أيام على الكارثة.. والمساعدات لم تصل"
ويوم الأربعاء (بعد 3 أيام من الزلزال) قال مسؤول في الأمم المتحدة إن إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود من تركيا إلى مناطق شمال غربي سوريا قد يُستأنف الخميس، بعد توقفها منذ الزلزال المدمر، متحدثاً عن "بصيص أمل في إمكانية اجتياز الطريق والوصول إلى الناس".
ومع التجاهل المستمر للمنطقة، عاد رئيس هيئة التفاوض السورية، بدر جاموس، لمطالبة جميع الدول والمنظمات الدولية بالإسراع في إرسال المساعدات الإنسانية، وإنقاذ السوريين المتضررين من الزلزال في شمال غربي البلاد من خلال المعابر الحدودية.
وقال جاموس في بيان: "تواصلنا خلال الأيام الماضية مع الحكومة التركية لفتح معابر إضافية مع معبر باب الهوى، وبعد موافقة تركيا لم نر من الأمم المتحدة تحركاً يوازي حجم المأساة في الشمال السوري"، مؤكداً أنه (حتى مساء الأربعاء) لم تصل أي مساعدات إلى الشمال السوري الأكثر تضرراً من الزلزال في عموم البلاد.
ومع ارتفاع أعداد الضحايا الكبير، صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، مساء الأربعاء 8 شباط، أن العمل جار على فتح معبرين حدوديين مع سوريا للمساعدات الإنسانية بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا.
وقال جاويش أوغلو إن الباب مفتوح للمساعدات الإنسانية من الطريق المؤدي إلى معبر "باب الهوى" الحدودي من أجل الأضرار التي لحقت بالجانب السوري في إطار تفويض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهناك صعوبات فيما يتعلق بالجهود المبذولة بعد الزلزال، مشيراً إلى أنّ "هناك بعض الصعوبات فيما يتعلق بمساعدة تركيا والمجتمع الدولي (للوصول إلى سوريا). ولهذا السبب، تُبذل جهود لفتح معبرين حدوديين إضافيين".
في حين أكدت مصادر محلية وصحفيون ومراسلو محطات تلفزيونية موجودون في منطقة معبر باب الهوى أن جثامين الضحايا السوريين الذين قضوا من جراء الزلزال في تركيا كانت تدخل عبر المعابر إلى الشمال السوري.
"النظام يراوغ ويدعي السعي لإيصال المساعدات"
من جهة أخرى أعلن النظام السوري، يوم الجمعة، موافقته على إيصال المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس مع فصائل المعارضة إلى مناطق شمال غربي سوريا.
وقالت وكالة أنباء النظام السوري "سانا"، إن "مجلس الوزراء" وافق على إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلاد بما في ذلك عبر الخطوط من داخل الأراضي التي تسيطر عليها قوات النظام إلى المناطق التي تقع خارج سيطرتها، مضيفة أن المساعدات ستصل لمن يحتاجونها بمساعدة الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري والصليب الأحمر الدولي.
تبع ذلك تصريحات تناقلتها الصحف المقربة من النظام عن استعداد الأخير لإدخال قافلة مساعدات إلى إدلب عن طريق معبر سراقب.
وقالت صحيفة الوطن المقربة من النظام نقلاً عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة"، إن "القافلة تنتظر فقط وجود ممثلي منظمات الأمم المتحدة لتسليمهم المساعدات، مضيفة أن النظام أبلغ الجانب الأممي أنه في حال تأخرت المنظمات الدولية في أداء واجباتها، فإنه "لن يتردد في إدخال هذه المساعدات وحدها لمساعدة الأهالي المنكوبين".
واعتبرت مصادر الصحيفة، أن المفاوضات بين النظام والأمم المتحدة وصلت إلى "نقطة تفاهم"، وجرى الاتفاق على إدخال المساعدات عبر معبر سراقب يوم السبت.
إلا أن إرسال المساعدات عبر الخطوط أجّل بحجة وجود "ظروف لوجستية"، بحسب وثيقة حصل عليها موقع تلفزيون سوريا.
"وعود إضافية"
في سياق آخر، قال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن رداً على سؤال حول احتمال فتح مزيد من المعابر الحدودية لدخول المساعدات، ونتائج المباحثات مع النظام السوري وروسيا بهذا الشأن، تذرع بيدرسن أنه "عندما يتعلق الأمر بعبور الحدود، واجهتنا مشكلة أن الطرق المؤدية إلى المعابر الحدودية قد دمرت".
وأوضح بيدرسن أنه "هناك نداء قوي بأننا سنستخدم جميع الأساليب، العمليات عبر الحدود وعبر الخطوط، لإيصال المساعدات".
"الأمم المتحدة تتهم تحرير الشام بعرقلة المساعدات"
ويوم الأحد، اتهم متحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية هيئة تحرير الشام، وقال إن نقل مساعدات الإغاثة من مناطق النظام السوري إلى مناطق شمال غربي سوريا يتعثر بسبب مشكلات في الحصول على موافقة هيئة تحرير الشام.
التصريح الذي نفاه رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض سالم المسلط، في تصريحات على تويتر قال فيها إنهم يرفضون بشدة ادعاءات الأمم المتحدة بأن (المعارضة) تمنع وصول المساعدات إلى شمال غربي سوريا.
وأضاف: "نؤكد أننا ناشدنا وطالبنا منذ اللحظات الأولى للزلزال المدمر بدخول المساعدات عبر الحدود"، لافتاً إلى أن المعابر الحدودية مفتوحة، داعياً الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية إلى دخول المناطق المتضررة شمال غربي البلاد.
"معبر كسب"
من جانب آخر، كشفت وكالة "رويترز" نقلاً عن مسؤول تركي قوله إن حكومة بلاده تناقش إعادة فتح معبر حدودي من ولاية هاتاي إلى محافظة اللاذقية الخاضعة لسيطرة النظام السوري، مما يتيح إدخال المساعدات الإنسانية بشكل مباشر.
وأوضح المسؤول التركي، الذي نقلت عنه الوكالة من دون أن تسميه، أن الحكومة التركية تدرس إعادة فتح معبر يايلاداغي - كسب على الحدود مع سوريا، كما تدرس فتح معبر آخر إلى شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة، مشيرا إلى أنه "يمكن فتح معبر آخر للمساعدة في نقل مساعدات الأمم المتحدة إلى مناطق شمال غربي سوريا المتضررة من كارثة الزلزال"، مضيفاً أن "المناقشات والتخطيط مستمران" بهذا الشأن.
زلزال سوريا
وارتفعت حصيلة ضحايا الزلزال في شمال غربي سوريا إلى أكثر من 2167 حالة وفاة وأكثر من 2950 مصاباً، والعدد مرشح للارتفاع بشكل كبير بسبب وجود مئات العوائل تحت الأنقاض، وفقاً لحصيلة غير نهائية نشرها الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)
كما ارتفع عدد الأبنية المنهارة كلياً إلى 550 بناء، والمنهارة جزئياً لأكثر من 1570، بالإضافة إلى آلاف المباني التي تصدعت في شمال غربي سوريا.
من جهتها، أعلنت "وزارة الصحة" في دمشق ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 1414 وفاة و2349 إصابة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وريف إدلب وطرطوس، مشيرةً إلى أنّها حصيلة غير نهائية.
