يعاني القطاع الطبي شمالي غربي سوريا من تدهور كبير من تبعات الزلزال المدمّر الذي ضرب المنطقة، بعد استنزاف الأدوية والمستودعات والضغط الشديد الذي شهدته المستشفيات في ظل وصول الآلاف من الجرحى، وشبه غياب المساعدات الدوليّة من الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها.
وبعد مرور أكثر من أسبوع على وقوع الزلزال، تناشد المؤسسات والكوادر الطبية في إدلب، المجتمع الدولي لضرورة الاستجابة الطارئة للقطاع الطبي، خشية الانهيار عقب حالة الاستنزاف التي شهدها، وسط إمكانيات محدودة تعمل فيها المستشفيات والمنشآت الصحية المختلفة.
الفعاليات تجتمع مع الأمم المتحدة
شهد الأحد الفائت، أوّل لقاء لمؤسستي الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) ومديرية صحة إدلب، مع وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث.
وقال رائد الصالح مدير "الخوذ البيضاء"، تعليقاً على اللقاء: "بعد لقائي ظهر اليوم الأحد مع السيد مارتن غريفيث على الحدود التركية ـ السورية واعتذاره عن التقصير والأخطاء.. فالاعتراف بالخطأ هو بداية الطريق الصحيح، الآن يجب على الأمم المتحدة العمل خارج مجلس الأمن لافتتاح ثلاثة معابر وإدخال الاستجابة الطارئة إلى شمالي غربي سوريا بأسرع وقت ممكن".
وحول الاجتماع الذي جرى على الحدود داخل الأراضي التركية، قال زهير القراط - مدير صحة إدلب - لـ موقع تلفزيون سوريا: "اجتمعت ومدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح مع وكيل الأمين العام، وتركز حديثنا معه حول التقصير من جانب الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في منطقة شمالي غربي سوريا، والتأخير الشديد فيه، ومن جانبهم اعترفوا بالتقصير وقدّموا اعتذاراً ووعوداً بإسراع عمليات إدخال المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى",
وتابع: "التبرير من جانب الأمم المتحدة، لم يكن واضحاً، وإنما عزّاه إلى البيروقراطية والروتين وحركة المعابر"، مضيفاّ: "تلقينا وعوداً بتعويض النقص وتأمين المستلزمات، وطلبوا منا إرسال إيميلات بكافة الاحتياجات الإنسانية للمنطقة، بما فيها الطبية".
"استنزاف كامل"
أوضح مدير صحة إدلب زهير القراط، أنّ "المستشفيات بعد امتلائها بالمصابين، استنزفت القطاع الطبي بنسبة 100%، وفرغت جميع المستودعات التابعة للمدير والمستشفيات خلال الـ24 ساعة الأولى"، مردفاً: "لولا تبرعات المجتمع المحلي والمغتربين، وتدخّل المنظمات المحليّة والجمعيات كان القطاع توقّف بسبب نفاد الأدوية والمستلزمات".
وحول الاحتياجات، تابع القراط: "نحتاج مستلزمات طبية، ومستهلكات عظمية، وكيتات جراحة عامة وكيتات تخدير وغسيل كلى، وأجهزة أشعة وطبقي محوري، وأدوية عناية مشددة، ومنافس"، مؤكّداً أنّ "القطاع الطبي متهالك ويحتاج إلى دعم طارئ ومستعجل".
وأشار إلى أنّ الضغط تركّز في مستشفيات (باب الهوى والأتارب والأندلس وكفرتخاريم والمحافظة وحارم وسلقين وعقربات والجراحي التخصصي في إدلب)، لافتاً إلى أنّ "المساعدات الطبية التي دخلت شحيحة جداً، واقتصرت على كيتات من منظمة الصحة العالمية تحوي على سيرومات وضمادات وأدوية".
من جانبه، تحدّث الطبيب عادل الدغيم - مدير مستشفى "إدلب المركزي" - لـ موقع تلفزيون سوريا، عن "ضغط شديد تعرّض له العاملون في المستشفى، بسبب وصول عدد كبير من المصابين من جراء الزلزال، خلال فترة زمنية قصيرة".
واستقبل المستشفى خلال الساعات الأولى للزلزال، قرابة 240 إصابة، بينما بلغت أعداد الوفيات 7 حالات، كما أجرى 120 عملاً جراحياً، وقبول 100 حالة استشفاء، بحسب "الدغيم".
وأشار إلى أبرز التحديات، بالقول إنّ "المستشفى عانى من نقص في المعدّات الجراحية للعمليات العصبية والعظيمة، إضافةً إلى المستهلكات المستخدمة خلال العمليات مثل: البراغي والصفائح"، مردفاً: "كذلك نواجه تحديات، ما بعد الزلزال، في معالجة مرضى الاستشفاء الذين تعرضوا لعمليات هرس التي تطوّرت إلى قصور كلوي بسبب هرس العضلات، وهؤلاء جميعاً يحتاجون لعمليات غسل كلوي بشكل دوري، ونحن في المستشفى لا تتوفر لدينا الأجهزة".
"ضغط نفسي"
يلفت "الدغيم" خلال حديثه، إلى أنّ "ضغطاً نفسياً كبيراً واجه الكادر الطبي على اعتباره من ضحايا الزلزال، إذ إن قسماً كبيراً من عائلاتهم كانوا من ضمن المناطق التي ضربها الزلزال، سواء في المدن التركية أو الشمال السوري، بالتزامن مع الضغط الذي واجهوه من مشاهدة وعلاج عدد كبيرة من المصابين".
ويرى أنّ "التحديات التي تواجه القطاع الطبي، هي تراجع الدعم عن كثير من المستشفيات حتى ما قبل وقوع الزلزال، وتراجع أعداد الكوادر الطبية العاملة فيها، إلى جانب انخفاض واستنزاف مستودعات الأدوية والتجهيزات خلال الزلزال".
مبادرات شعبية
أسهمت المساعدات والتبرعات المحلية والشعبية، في دعم القطاعين الإنساني والطبي، وفقاً لـ"أبو الوليد السلمو" وهو من إدارة عمليات الإسعاف في إدلب، والذي يشرف على حملة تبرعات لرفد منطقة حارم وسلقين بمركز تصوير "طبقي محوري"، على اعتبارهما من أكثر المناطق تضرراً.
وقال "السلمو" لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ "حالات تصوير الطبق المحوري من تلك المنطقة، أنهكت المنظومة الإسعافية من قبل حدوث الزلزال، وزاد العبء بعد الزلزال بعد كثرة الحالات، لذلك بدأنا بحملة تبرعات مستعجلة لإنشاء مركز طبقي محوري في منطقة حارم".
وحول حملة التبرعات، أوضح أنّ "عملية الاستجابة الشعبية كانت فعّالة جداً، وجُمع أكثر من 80% من إجمالي الكلفة الأولية البالغة نحو 70 ألف دولار"، كما تحدّث عن مرحلة أخرى (مرحلة التركيب)، التي تكلف نحو 15 ألف دولار.
وأشار "السملو" إلى أهمية التحركات الشعبية، في ظل تقاعس المنظمات الدولية للاستجابة للقطاع الإنساني في مناطق شمالي غربي سوريا، قبل الزلزال وبعده".