حسنا فعل تلفزيون سوريا وموقع تلفزيون سوريا بمتابعتهم لمعارضة الداخل، وكسرهم ربما لأول مرة الجدار الذي ضرب حول تلك المعارضة طوال عقد من الزمن.
جرى ذلك ثلاث مرات في الشهرين الأخيرين، فقد أجرى موقع تلفزيون سوريا لقاء صحفيا مع الأستاذ حسن عبد العظيم قبيل انعقاد مؤتمر جود الأول في دمشق، واللقاء الثاني أجراه تلفزيون سوريا مع الناطق باسم جود، تلاه نشر مقال للأستاذ حسن عبد العظيم في الموقع الإلكتروني للتلفزيون.
هذه بادرة من تلفزيون سوريا تشفّ عن رؤية سياسية صائبة تجسر ما بين ضفتين جرى بينهما ما صنع الحداد، تراشق اتهامات وتبادل تخوين، فمالت كل ضفة إلى الابتعاد عن الأخرى حتى حدثت قطيعة شبه تامة وتقوقعت كلا الجهتين على أوهامهما عن الأخرى..
فمن غير الطبيعي أنه كلما تنفست معارضة الداخل أو حاولت التنفس سارعت معارضة الخارج لاتهامها بأنها بتنفسها هذا إنما تفيد النظام وتخدمه في إطار سيناريو سياسي وضعه الأخير لتحقيق مصالحه، وكأنما المطلوب هو أن تبقى معارضة الداخل بلا نَفَس كي "تفوّت" على النظام استغلال تنفّسها..
أما الفائدة التي يدعي هؤلاء المستنكرون أن معارضة الداخل تقدمها للنظام فهي كما يقولون: إن أي حراك سياسي سلمي داخلي معارض إنما "يظهر للغرب أن النظام ديمقراطي"... هكذا!!
لكأن الغرب لا يعرف النظام القابع على صدر سوريا، ولا يعرف ألاعيبه، وحربائيته، التي فاقت ألاعيب ودهاء صنّاعه الدوليين..
تجددت تلك التهمة مؤخرا، بعد الإعلان عن تأسيس جبهة المعارضة الوطنية "جود" في دمشق، والتي صدر عنها بيان ووثيقة انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أعادت إلى الأذهان أجواء ربيع دمشق 2001 ومن بعده ربيع الثورة 2011.
وبالرغم من أن جهات أمنية اتصلت بقيادة "جود" عشية عقد مؤتمرهم وحذرتهم من عقده لكن أعضاء جود توجهوا صباح اليوم التالي إلى منزل الأستاذ حسن عبد العظيم في دمشق حيث كان من المقرر عقد المؤتمر هناك، الأمر الذي دفع قوة أمنية تابعة للنظام إلى إخراج الموجودين في بيت الأستاذ حسن عبد العظيم وأبعدتهم عن مقر المؤتمر وسط وجود أمني كثيف.. فما كان من جود إلا أن عقدت مؤتمرها عبر الإنترنت..
أهمية تلك الخطوة المفاجئة من معارضة الداخل ممثلة بجود تكمن في رمزيتها من جهة، وفي سقف وثيقتها العالي الذي دعا لإسقاط النظام وإعادة هيكلة أجهزة الأمن وإخراج المليشيات الأجنبية، إلى جانب مطالب على ما يبدو تطول الائتلاف السوري المعارض وأجهزته واستطالاته، كما تطول تمظهرات تحسب على المعارضة السورية في إدلب وغير ذلك.. وربما كانت إشارة جود إلى القوى المسلحة في إدلب هي ما أزعجت معارضين في الخارج مثلما أزعجت فئات محددة من جمهور الثورة، وربما كان أكثر ما أثار حفيظة هؤلاء في خطوة جود أنها تمثل عودة إلى المربع الأول لكل معارضة ومقاومة سلمية ناجحة، عنيت بها، ممارسة المعارضة السياسية السلمية من الداخل..
لكن السؤال عما تفعله معارضة الداخل وعن جدوى وجودها يجري طرحه على معارضة الخارج هذه المرة، ليس من فراغ، وليس من باب المساواة بالمثل، إنما بعد تراجع في أهمية وفاعلية الائتلاف، وبسبب شعور كثيرين باستسلام الائتلاف إلى رعاته الإقليميين، وفي غياب أي تقدم في ملف المعتقلين وفي قضايا أخرى..
يصبح إذاً سؤال ماذا تفعل معارضة الخارج الآن ممثلة بالائتلاف وماذا فعلت بالأمس؟ سؤالا مبررا
وينتظر السوريون كشف حساب يقدمه الأخير وشفافية في التعاطي مع شعبه، ولا يظن الائتلاف أنه بضم بضعة أشخاص على خلفية توسعة مذهبية وبتوصية أميركية أنه بذلك يرضي السوريين..
الاتهامات المتبادلة:
وفي باب الاتهامات التي طالت معارضة الداخل، أنها تعمل وفقا لسيناريو يخدم النظام ولا يضره، فإن اتهاما شبيها يطول معارضة الخارج، مفاده أن خلافات هذه المعارضة وتبعيتها وفسادها ربما مكّنت النظام من الاستمرار في نهجه التدميري لسنوات دونما أي تراجع أو تغيير يذكر.
وهناك من يذهب في اتهام معارضة الخارج بعيدا ليقول إن الإخوان المسلمين السوريين يفرضون سيطرتهم على الائتلاف وبالتالي على معارضة الخارج وهم السبب في بقاء النظام!!!
بل يتجرأ معارض معروف على الادعاء أن النظام اخترق قيادة الائتلاف، واتهم أشخاصا من هذه القيادة "بخيانة" المعارضة والثورة والشعب السوريين، وقال إن محصلة عملهم في السنتين الأخيرتين تصب في مصلحة النظام..
وبناء على ما سبق - لو كان دقيقا- ألا يصبح السؤال: لماذا توجد الآن معارضة سورية في الخارج ممثلة بالائتلاف وما هو جدوى وجوده، سؤالا مبررا؟
جمهور الداخل وجمهور الخارج:
في وقت يعاقب فيه السوري في الداخل على كتابة بوست على صفحته الشخصية في الفيس بوك يعترض فيه على النظام، بالسجن لستة أشهر وأكثر، وربما يقتل في السجن أو يعطب.. يستطيع بضعة ملايين من السوريين الاعتراض بحرية كتابة وقولا وموقفا من دون خوف من عقاب يطولهم..
هذا يظهر الفارق بين هامش الحرية بين سوريي الداخل وسوريي الخارج، ويظهر أهمية وجود معارضة في الداخل، جرت محاولة لتنظيمها في جبهة واحدة كما "جود"، وقد تكون هذه المحاولة تمت بضمان جهة دولية ما، يحول دون اعتقال أعضائها، وسواء كان هذا صحيحا أو لم يكن كذلك، فهي محاول تظهر تغييرا ولو طفيفا، وليونة في سلوك النظام وداعميه.
فإذا كان عمل معارضة الداخل يخضع لمزاج الأجهزة الأمنية من جهة ولتوجهات الراعي الروسي السياسية ومساوماته فهذا يصح تماما على الائتلاف وكل جماعة أو مؤسسة تابعة للمعارضة بما فيها مؤسسات الإغاثة، مع فارق أن السوريين في الداخل ليسوا أحرارا بينما هم في الخارج أكثر حرية ويملكون خيارات عديدة لم يجرِ استغلالها حتى اللحظة.
وإذا كان السؤال عن جدوى وجود معارضة في الداخل مشروعا فإن ملايين السوريين الذين يتهمون الائتلاف بالتقصير والانحراف والبيروقراطية والفساد يتساءلون بدورهم عن جدوى استمراره في العمل والاجتماع وقبض الرواتب واحتلال التمثيل السياسي للسوريين بطريقة استنسابية وغير عادلة، على الشاكلة التي يحتل النظام فيها تمثيل السوريين سياسيا ووطنيا منذ نصف قرن..